الملازم محمد عبد المنعم يوسف
الملازم محمد عبد المنعم يوسف


رجال صنعوا النصر| العميد محمد عبد المنعم يروى ذكريات الحرب

سما صالح

الأربعاء، 06 أكتوبر 2021 - 03:56 م


فتح صندوق ذكرياته عن حرب اكتوبر المجيدة  لبوابة أخبار اليوم وقال أشعر وكأننى الآن الملازم / محمد عبد المنعم يوسف قائد الفصيلة الثالثة بكتيبة مشاة  لواء النصر "كنا في أوائل شهر أكتوبر العظيم كان كل شئ يسير عادى إلا  بعض استعدادات سبق لنا أن مارسناها لمواجهة أي احتمال قد يصدر من عدونا إلى أن فوجئنا باستدعاء أفراد الاحتياط الذين انهوا خدمتهم العسكرية وتوالى وصولهم إلينا في أيام معدودة وقد جاء هؤلاء الرجال وهم يعلمون أنها تجربة عادية على غرار ما كان يحدث قبل ذلك" .


وكان الوقت يمر بسرعة والأحداث تتلاحق وعقارب الساعة تشير إلى أشياء تشعرنا أن شيئا جديدا على وشك أن يحدث وكل ذلك ولم يدرى ولم يعرف أحد من أفراد الموقع هل صحيح أنه سوف يصدر أمر عسكري صادر إلينا بالعبور ونعرف ساعة الصفر وفى أي يوم سواء في أول ضوء أو في أخر ضوء حسب دراستنا العسكرية أن الهجوم إما أن يكون في أول ضوء أوفى آخر ضوء من النهار ولم نتوقع أبدا أن يكون الهجوم في وسط النهار على مرأى من عيون العدو التي أعماها الله في تلك اللحظات حتى يكلل الله مجهوداتنا بالنصر المبين رغم كل ما يجرى حولنا من زيارات ومقابلات كثيرة تمت في وقت قصير جدا لقادتنا معنا.


ثم جاء يوم السبت السادس من أكتوبر العظيم عام 1973 ،كان صباحنا مشرق عادى كأي يوم من تلك الأيام القليلة الماضية. صحونا من نومنا مبكرين وبدأنا يومنا بتقاليدنا العسكرية المعتادة التي نمارسها يوميا، كان هذا اليوم موافقا عيد عند اليهود يسمى عيد الغفران ،كانت المراقبة والملاحظة لأفرادنا على قوات العدو عادية علما بأن مكان نقطة ملاحظة العدو في هذا اليوم أمام موقعنا أنتقل إلى مكان أخر يبعد عنا مسافة ليست قليلة وكانت حركة أفرادنا في الموقع عاديه في تنقلاتهم داخل الموقع ولم يظهر فيها أي بادرة توحي للعدو أن هناك شئ غير عادى وأن هذا اليوم سيكون  اليوم الذي سوف يغير وجه التاريخ وسيكون نقطة التحول من الانكسار والذله إلى العزة والكرامة والنصر .

اقرأ أيضا : رجال صنعوا النصر| نص «بيان النصر» بمجلس النواب أبرز عبقرية السادات


ولخداع العدو والتمويه عليه بأن الأحوال عاديه وأنه لا يوجد لدينا نية لمهاجمته فقد كانت هناك خطه تمويه فاتت على العدو ولم يتنبه لها وهذا كله بتوفيق من الله سبحانه وتعالى ؛لأنه لو أن العدو قد فطن إلى أن هناك تجهيز لعمليات حربيه وعبور القناة إلى الضفة الشرقية ما تركنا لحظة لإكمال باقي العملية. ومن أهم خطط خداع العدو أن الأمور عادية أن بعض الأفراد أخذوا الأوامر بلعب الكرة والبعض الأخر نزل إلى القناة للاستحمام في استرخاء تام ليوحي للعدو بأنه لا نية للهجوم . ولم ندرى بعد ذلك أن كل الذي حدث بالأحوال العادية كان جزءا هاما من خطة العبور وذلك لدواعي الأمن والسرية المطلقة التي صاحبت كل عمل أو خطة عسكرية نفذت في ذلك الوقت.


واقتربت الساعة من الثانية عشرة ظهرا وحضر إلينا قائد الكتيبة التي كانت فصيلتي تحت قيادته وأبلغ قائد السرية بأن ساعة الصفر قد حددت وهى الثانية والثلث بعد الظهر وبسرعة البرق انتقل قائد السرية يبلغ ضباطه بأمر العبور والتأكيد على تنفيذ كل وحدة فرعيه للمهام التي ستطلب منها وأن كل أمر سيصل إليهم في الوقت المطلوب فيه تنفيذ المهمة وأكد معهم ثانيا المهمة المكلفة بها وحدتنا ثم بعد ذلك انتقل كل ضابط منا إلى وحدته الفرعية حيث قام بإبلاغ الأفراد بميعاد ساعة الصفر. إلى هذا الحد كان كل شئ يسير على ما يرام وكان يوجد وقتها بعض الأفراد يستحمون في القناة ومرت من أمامنا عربة المراقبين الدوليين . والأمور عاديه جدا.وعندما علم الجنود من قادتهم ساعة الصفر لم يصدقوا في بادئ الأمر ووصلت بهم إلى حده النقاش السريع المفتعل بفعل اللهفة على اقتراب هذه الساعة رغم انه لم يبقى على ميعادها ساعة أو تزيد بدقائق وكنا كما درسنا وتعلمنا أن ساعة الصفر لا تأتى أبدا في وضح النهار وكما تعلمنا أنها تكون إما في أول ضوء في الصباح أو في أخر ضوء في المساء أما وقد تحددت ساعة الصفر في منتصف النهار من يوم السادس من أكتوبر فذلك يحمل أكثر من معنى وهدف، وإننا فهمنا على الفور أننا لا نريد أن يظن العدو أننا سنهجم عليه بالنهار وهذا شئ طبيعي لو قارناه بالحروب السابقة ذلك أن العدو كان يرى كل شئ أمامه وأنه عندما كان يشعر بأي شئ غير طبيعي يحدث أمامه في مواقعنا يأخذ الحذر والحيطة ويضع أسلحته ومعداته في حاله استعداد قصوى للرد على أية بادرة عدوان من ناحيتنا. وذلك دفع قادتنا إلى أن يكون كل شئ عادى في مكانه وهذا  من أهم أسباب نجاحنا في يوم العبور العظيم.

اقرأ أيضا : رجال صنعوا النصر| محمد طه يكشف أسرار علامة النصر وحرب الخداع الاستراتيجي


ومع اقتراب الساعة الواحدة والنصف ظهرا صدرت الأوامر إلى بعض وحداتنا الفرعية الصغرى بالتوجه إلى مكان ما للاستعداد للانطلاق منه إلى القناة والعبور إلى الضفة الشرقية واخذ كل فرد في الموقع مكانه المكلف بالعمل فيه . كانت مهمة فصيلتي هي حماية الموقع الذي كنا موجودين فيه وهو جبل مريم الواقع على بحيرة التمساح وانضمت إلينا بعض الدبابات لتساعدنا على تنفيذ المهمة المكلفين بها ضد أي إسقاط جوى لقـوات العدو في تلك المنطقة وحماية ظهور قواتنا أثناء العبور وكذلك الاشتباك مع العدو في حالــه التصدي لقواتنا أثناء قيامها باقتحام قناة الســويس.

وبســرعة مررت علي الأفراد للتأكــد من أن كل فرد في مكانه المحدد له وأنه يعــرف مهمته ومستعد لتنفيذها. ثم بعد ذلك أخذت مكاني في نقطة الملاحظة في أعلي نقطة في الموقع لأتمكن من إدارة النيران والتبليغ عن أي ظهور لأفراد العدو وإعطاء الأوامر للأفراد للاشتباك معهم والقضاء عليهم وكان معي في هذه النقطة رقيب الفصيلة والفرد القناص.ثم اقتربت ساعة الصفر وكنا بالقرب من النقطة الحصينة وكانت  .


من الخارج عبارة عن قلعه حصينة بما يحويه معنى كلمه القلعة فقد يصل ارتفاع السد الترابي الذي وضع عليها إلى عشرات الأمتار فوق الخرسانات المسلحة والقضبان الحديدية ثم ملتفة التفاف كلى بعد احزمه من الألغام على مختلف أنواعها وبعمق رهيب إلى مسافة عدة أمتار علاوة على ذلك كله محاطة بمجموعه أسوار من الأسلاك الشائكة  المتشابكة المتراصة حولها في نظام محكم.


كان يفصل بيننا وبين هذه النقطة القوية لسان بحيرة التمساح وكان اسمها النقطة القوية نمرة 6 وكانت تعتبر من أقوى النقط القوية على خط المواجهة مع العدو لموقعها الإستراتيجي الحاكم على عدة مناطق وكانت مطلة مباشرة على مدينه الإسماعيلية حتى إنها كانت في أي اشتباك في معارك المدفعية كانت معظم نيرانها تقع على مساكن المدنيين بمدينه الأسماعيليه. في ذلك الوقت كان الكل على أهبه الاستعداد لأن الوقت يمر بسرعة وساعة الصفر على وشك الاقتراب والكل يتعجل هذه الساعة التي أصبحت وشيكه بعد دقائق.


في تمام الساعة الثانية وخمس دقائق بعد الظهر بالضبط وأثناء وجودي بنقطة الملاحظة شاهدت تشكيلا جويا من طائراتنا المقاتلة يقدر على ارتفاع منخفض جدا  متجها إلى الضفة الشرقية للقناه من فوق منطقه الشيخ حنيدق التي تبعد عنا مسافة ليست بعيده. وكانت لحظه فرح وسرور لايمكن لعقل بشرى أن يصور عمق هذه المشاعر وهذه الفرحة العظيمة التي عمت في نفوس الأفراد وفى هذه اللحظة التي استمرت دقيقه أو اقل أيقن الأفراد أن ساعة الصفر بدأت بالفعل وصاح الجميع مهللين بصيحة التكبير العظيم الله أكبر الله أكبر التي دوت في كل مكان وزلزلت الأرض معلنة يوم الخلاص ويوم النصر العظيم حتى  تصورنا إننا سمعنا زملائنا في النضال على يسارنا في بور سعيد وعلى يميننا في السويس يرددون نفس النداء الله اكبر ، كان المشهد فيه من الجلال والإكبار ما يعجز الإنسان عن وصفه وكأن الله أراد أن تكون هذه الساعة شراره الانطلاق إلى تحقيق النصر العظيم. وبعد دقائق قليلة من دخول المقاتلات المصرية التي شاهدناها وهى تعبر قناة السويس متجهة إلى أعماق العدو رأينا ألسنه اللهب والحرائق مشتعلة عالية في قلب سيناء في مواقع العدو وتحصيناته التي ظن يوما ما أنها سوف تظل للأبد تحمى جنوده .

اقرأ أيضا : رجال صنعوا النصر| بطولات الصاعقة مهدت لنصر 73 المجيد


لم تمضى دقائق قليلة حتى عادت الطائرات متجهة إلى قواعدها التي جاءت منها لتدك مواقع العدو ومرت الطائرات وكأن كل طائره كانت تشير لنا ببشائر النصر العظيم. وبعد رجوع الطائرات وفى حوالي الساعة الثانية وعشر دقائق بدأت مدفعيتنا الميدانية تصب حمما من النيران على مواقع العدو في العمق بدون توقف ولم تعرف هوادة أو كسل في إطلاق قذائفها حتى إنها من كثرتها كانت تتسابق وتتلاحق إلى مواقع العدو وكانت السماء في هذا اليوم صحوة وكأنه عرس في ريفنا الحبيب.السماء مليئة بطلقات المدافع على مخلتف أنواعها منطلقه من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية فوق رؤوس عدونا لدرجه أنها جعلته لا يفكر أن يقترب من أسلحته ليقوم بالرد على قواتنا ، كان القصف المدفعي عنيفا جدا وشرسا مليئا بالحقد والكراهية لينصب على أعداء الله. وكان مع كل قذيفة تنطلق من مدفع تنطلق صيحة الأبطال الله اكبر التي لم تنقطع أبدا . وفى أثناء قصف المدفعية على مواقع العدو كنا نلاحظ ونراقب المواقع التي يتم تدميرها وأفراد العدو يفرون هاربين من الجحيم الذي نزل على رؤوسهم وكأنه يوم القيامة وبعد دقائق من قصف المدفعية شاهدنا النيران مشتعلة في جميع مواقع العدو بالأضافه إلى الحرائق التي اشتعلت بفعل القصف الجوى لطائراتنا المقاتلة.


وفى اثناء ضرب نيران مدفعيتنا بدأت أول وحدة فرعية من قواتنا البرية الباسلة في عبور قناة السويس من أمام الموقع الذي كنا نقوم بالدفاع عنه وهو جبل مريم معلنة انتهاء أسطورة خط بارليف الذي لا يقهر وكانت هذه الوحدة هي أول من وطئت أقدامها على أرض سيناء وكان موقعنا نقطة انطلاق لعبور عربات المشاة الميكانيكية والتي بدأت العبور مع أول قذيفة مدفعيه من قواتنا على مواقع العدو الخلفية ثم توالى بعد ذلك عبور باقي القوات بشكل منظم وبديع الكل يعرف مكانه وواجبه والكل يعمل بمنتهى الشجاعة والإقدام.


وفى أثناء ذلك تركت موقعي على الجبل وذهبت إلى قائد السرية النقيب نبوي وطلبت منه أن أكون مع الموجه الأولى التي تعبر القناة ليكون لى شرف اقتحام خط بارليف في الموجات الأولى للعبور وفعلا ركبت القارب المطاطي مع جماعه مشاه من السرية وبدأنا العبور حتى وصلنا إلى الشاطئ الشرقي للقناه وبدأنا تسلق الساتر الترابي إلى أن وصلت إلى قمته وسجدت لله شاكرا ثم ركبت القارب مره أخرى وعدت إلى الضفة الغربية حيث كانت القوارب تنقل أفراد إلى الضفة الشرقية ثم تعود مره أخرى لتنقل باقي الأفراد وأكملت باقي مهمتي في أعلى نقطه المراقبة على جبل مريم انتظارا لصدور الأوامر إلى بالعبور مع الدبابات.


بدأت المعركة وبدأ سير العمليات الحربية وفقا للأوامر العسكرية ووفقا للخطة الموضوعة من أعلى مستوى إلى الجندي المكلف بأداء المهمة ولم يعد أحد قادر على وقف هذا الطوفان الهادر المنطلق إلى سيناء لينهى أسطورة العدو الذي لا يقهر.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة