ما الهدف من وراء التغيير الوزاري المزمع إجراؤه قبل تقديم الحكومة لبيانها أمام مجلس النواب؟

لن أنعي «الأستاذ» فلا قيمة حقيقية لأي كلمات ولن تضيف إليه أي مرثيات، وكل مفردات اللغة مهما بلغت فصاحتها لن تعبر عن حجم الخسارة أو جسامة فقد محمد حسنين هيكل. نودعه وكأننا نودع معه عقل الأمة وحكمتها العميقة. اختلف معه أو اتفق لكنك لا يمكن أن تنكر أنه ظل حتي أواخر أيامه ملتصقاً بأزمات الوطن، متمتعاً بوعي وذهن حاضر وذاكرة فولاذية رغم عمره المديد يغبطه عليها الشباب، وعي جعله مدركاً لأبعاد الأزمة ويمتلك الرؤية لحلها.
تذكر معي كلماته في حواره الأسبوعي مع الإعلامية لميس الحديدي في إحدي الحلقات الأخيرة من برنامجها «مصر أين وإلي أين؟» حين وصف أحوال البلاد والعباد في المرحلة الحالية قائلاً:» إن القطار قد توقف فترة طويلة جداً عند المحطة وجميع الشيالين نزلوا من هذا القطار والركاب صعدوا القطار والناس يغلب عليها الإحساس بالاستياء والزهق وبدأوا يتساءلون متي الحركة؟ إمتي يمشي هذا القطار بالاضافة إلي أن الناس كمان مش عارفين همه رايحين علي فين بالضبط». وحين قدم روشتة العلاج قائلاً:» أنا مش شايف حشد لتشغيل هذا البلد بكامل طاقته ولا رؤية معينة يمكن من خلالها إجراء هذا الحشد». الروشتة ببساطة شخّص «الأستاذ» فيها الداء ووصف الدواء. الداء هو غياب الرؤية وتشتت الفكر وإهدار الطاقات، أما الدواء فهو العمل وزيادة الإنتاج وفق خطة مدروسة للاستفادة بهذه الطاقات، وتحويل البلد بكامل فئاته وأجهزته إلي خلية نحل وورشة عمل ممتدة.
كان أولي بحكومتنا الرشيدة أن تتمعن في هذه الوصفة البسيطة وتفكر علي هديها قبل أن تهبط علينا صواعق قراراتها.. وكلما عجزت عن توفير الموارد لا تجد سبيلاً أسهل من أن تمد يدها في جيوب البسطاء.
لقد بشرنا رئيس الحكومة المهندس شريف إسماعيل في إطلالته الأولي علي الصحافة التي تأخرت طويلاً وجاءت قبيل تقديم الحكومة لبيانها أمام مجلس النواب بقرارات قادمة «صعبة» و»مؤلمة» كما وصفها. ولكي يهيئ الرأي العام ويحاول تسويق بضاعته قال إنه ليس هناك وقت لتأخيرها وأنها تأتي ضمن خطة الحكومة للإصلاح والسيطرة علي عجز الموازنة (!) بما يعني إنها حتمية ولا رجعة فيها. ما فُهم من كلام رئيس الوزراء ان القرارات ستكون صعبة علي المواطنين ومؤلمة لهم، وليس علي الحكومة التي لا تجهد نفسها في اتخاذ القرارات الصعبة.
لقد عرفنا من كلام رئيس الوزراء أن أجور الموظفين تمثل عبئاً علي الحكومة وأن أول ما تسعي لإصلاحه هو تفاقم فاتورة أجور الموظفين التي بلغت حوالي 8.2% من الناتج الإجمالي عام 2015، وأن الحكومة تسعي لتخفيضها حتي تصل إلي 7.5% بحلول 2018! يعني سيتم خفض الأجور، هكذا وبكل بساطة. ويعني سواء وافق مجلس النواب علي قانون الخدمة المدنية أو رفضه فإن خفض الأجور قادم لا محالة، وذلك علي الرغم من الإنكار الدائم لعناصر الحكومة لهذا الأمر وبما يثبت كذب كل مسئوليها الذين أرسلتهم إلي الفضائيات لطمأنة الناس ونفي تخفيض الأجور.
ألا يكفي الحكومة أنها تسعي لتخفيض دعم الطاقة من 6.6% كما كان في عام 2015، إلي 3.3 بحلول عام 2018، عن طريق زيادة تعريفة الكهرباء علي جميع الشرائح ؟ ألا يكفيها رفع الدعم عن الوقود وزيادة أسعار النقل العام والبنزين والمياه؟ ألا يُعد هذا بحد ذاته في عُرف الحكومة تخفيضاً لدخول المواطنين كي تضيف عليهم تخفيض الأجور أيضاً؟
وما الهدف من وراء التغيير الوزاري المزمع إجراؤه قبل تقديم الحكومة لبيانها أمام مجلس النواب؟ هل تريد امتصاص غضب متوقع من النواب أم ترغب في تجميل صورتها أمام الشعب؟ وإذا كانت تقارير الأداء الحكومي - حقاً - هي السبب في تغيير بعض الوزراء ممن لم يحققوا المطلوب منهم، فلماذا لم يتم تغييرهم في حينه ولم َ كان الانتظار إلي شهر مارس؟ ثم ألم يشارك هؤلاء المغادرون بدرجة ما في وضع الخطة المزمع عرضها علي النواب أم أنها مملاة ولا علاقة لهم بها؟
شماتة العِدا
شمت الشامتون المضلِلون في وفاة «الأستاذ». شمت المنافقون الذين يتخذون الدين شعاراً لهم. بصرف النظر عن صحة الحديث النبوي الشريف: «لاشماتة في الموت» الذي يضّعِفونه ويتباهون بشماتتهم معتبرين أن الشماتة «سُنّة»، يتفاخرون ببذاءاتهم مع أن الحديث النبوي الصحيح الذي لم يجادل فيه أحد ينهي عن البذاءة والسباب وصب اللعنات يقول (صلي الله عليه وسلم): «ليس المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا باللَّعَّانِ. ولا بالفاحشِ ولا بالبذيءِ