د. سالم الكتبى
د. سالم الكتبى


قضية ورأى

تونس: وجوه عدة لتنظيم واحد

الأخبار

الأربعاء، 06 أكتوبر 2021 - 06:55 م

مع كل ادعاءات التمسك بالديمقراطية وحرية الرأى وغير ذلك من شعارات، سرعان مايسقط قادة الإخوان فى كل تجربة عربية على حدة، وفى أول اختبار شعبى حقيقى للقياس مدى إيمانهم بما يتردد على ألسنتهم، فرغم نتائج استطلاعات الرأى التى تعكس الدعم الكبير الذى يحظى به الرئيس قيس سعيد من جانب الشعب التونسي، والتى تشير إلى أن الرئيس قيس سعيد، قد تصدّر نتائج الاستطلاع بفارق شاسع، حيث أعرب 71.2% من المستطلعة آرائهم عن نيتهم التصويت له فى أى انتخابات مقبلة، والشواهد لا تقتصر على ذلك بل إن النتائج تشير إلى أن 68% من عينة الاستطلاع تؤيد تكليف السيدة نجلاء بودن بتشكيل الحكومة التونسية، ما يعكس الدعم الشعبى القوى للتوجهات السياسية التى يتبناه قيس بن سعيد، ومع ذلك نجد أن راشد الغنوشى رئيس حزب حركة النهضة الإخوانى رئيس البرلمان التونسى المجمدة أعماله لا يزال يقول إن البرلمان فى «حالة انعقاد دائم» ويحث النواب على استئناف العمل متحدياً تعليق الرئيس لأعمال البرلمان!


بالطبع المسألة بالنسبة لى  كمراقب ـ لا تتعلق بمحاولة تحدى قرارات الرئيس الشرعية لأن هذه المسألة مؤكدة وواضحة تماماً ولا تحتاج إلى اثبات وبراهين، ولكنها ترتبط بمحاولة قادة الإخوان صرف الأنظار بكل الطرق عن أزمتهم الحقيقية، وهى الفشل وسوء التخطيط والإدارة والابتعاد عن أولويات الشعب التونسي، فالغنوشى يتجاهل دلالات استقالة أكثر من مائة قيادى من حزبه احتجاجاً على «السياسات الخاطئة» لقيادة الحزب كما حددوا فى استقالتهم، ويتجاهل كذلك فشله الشخصى فى قيادة البرلمان ما دفع نواب البرلمان للتوقيع على عريضة بسحب الثقة من الغنوشى ونائبته سميرة الشواشى رغم تعليق أعمال البرلمان فعلياً، وحملوهما مسؤولية سوء إدارة المجلس والتسبب فى الأزمة الراهنة وتعليق نشاط البرلمان.


حزب حركة النهضة الإخوانى يواجه انقسامات حادة، مثلما حدث بالنسبة لتنظيم الإخوان فى دول عربية أخرى، ولكنه يسعى بكل الطرق لتصعيد الأزمة مع الرئيس اعتقاداً من قادته بأن ذلك سيسهم فى تجاوز خلافاتهم وحشد الجميع لمواجهة الرئيس، رغم أن الاحتجاج الداخلى على أداء قيادة الحزب الإخوانى يرتبط بـ «الاخفاق فى معركة الاصلاح الداخلى للحزب»، حيث نلحظ أن عددًا كبيرًا من قيادات الصف الأول وثمانية أعضاء فى البرلمان المعلقة أعماله ووزراء سابقين، قد اتفقوا على أن السبب فى تردى الوضع يعود بالأساس لأسباب تتعلق بالحزب ذاته وليس لأسباب تتعلق بالرئيس ورغبته فى انقاذ البلاد من هذا الفشل الذى يعصف بالحزب وكاد يؤدى بتونس نفسها إلى صراعات حزبية وسياسية قد تقودها لمصير مجهول.


عندما يعترف قياديو حزب «حركة النهضة» بأن صورة البرلمان المترهلة و»الإدارة الفاشلة لرئيسه الذى رفض كل النصائح بعد الترشح لرئاسته تفادياً لتغذية الاحتقان والاصطفاف والتعطيل»، هى السبب فى دعم الشعب التونسى لقرارات الرئيس قيس سعيد، فإن هذا الأمر يعكس حجم الفشل والاخفاق التنظيمى الذى يحاول الغنوشى ورفاقه المقربون التنكر له، وبدلاً من الاعتذار للشعب التونسى والسعى لمعالجة الأخطاء والاصطاف وراء الرئيس لانقاذ البلاد، فإنه يسعى لخلط الأوراق وصرف الأنظار عن الأخطاء الحقيقية تمسكاً بمنصبه القيادى الحزبى وحفاظاً على مكتسباته الشخصية فى التنظيم الإخواني!
الحقيقة أن الانقسام الداخلى للتنظيم الإخوانى التونسى مسألة كاشفة بدقة لمعضلة الإخوان الأساسية فى تونس وغيرها من الدول العربية، فالإخوان كان تنظيماً ديكتاتورياً اقصائياً تهيمن عليه مجموعة محددة فى كل دولة، وماحدث من انقسام فى تونس حدث من قبل فى الحالة المصرية وغيرها، ولكن العناصر القيادية تلتف فى كل حالة على أسباب الخلاف والانقسام وتلجأ إلى اختلاق أزمات مع السلطة والحكم سعياً لتوحيد الصف؛ وهكذا يمكن أن نفهم لجوء الغنوشى لإعلان الحشد أمام البرلمان وعندما فشلت خطته لجأ إلى الحديث عما وصفه بالنضال السلمي!


صحيح أن تونس يمكن أن تكون حالة مختلفة سياسياً عن بقية دول مايعرف إعلامياً بـ»الربيع العربي»، ولكن ممارسات الإخوان الكارثية قد دفعت الرئيس قيس سعيد للسعى بجدية لانقاذ البلاد من مصير مجهول يقوده إليها تنظيم لا يعرف سوى الفشل فى إدارة شؤون الدول، فالغنوشى الذى يدعو الشعب التونسى لما يصفه بالنضال للعودة إلى مسار الديمقراطية، لم يعى جيداً مضمون اعترافات القيادات المستقيلة من حزبه، الذى يفتقر تماماً للديمقراطية، ومعلوم مسبقاً أن فاقد الشىء لا يعطيه وأنه لا يمكن لحزب استبدادى قائم على الفكر الواحد والرأى الواحد أن يوفر لتونس، التى يراها الجميع حالة عربية مميزة فى الوعى الجمعي، مناخ الديمقراطية الذى يحلم به التونسيون. 


كيف يمكن لأى مراقب موضوعى تفهم حديث الغنوشى الذى يتهم فيه الرئيس قيس سعيد بعدم الاستجابة لدعوات الإخوان للحوار، فى حين أن الغنوشى نفسه لم يستمع لدعوات رفاقه الإخوان للحوار من أجل إصلاح الداخل الإخواني! الثابت أنه لا ديمقراطية من دون ديمقراطيين، والاستبداد الإخوانى الفاشل فى تونس لا يمكن أن يثمر عن نجاح التجربة الديمقراطية التونسية، فإخوان تونس شأنهم شأن أقرانهم فى دول عربية أخرى لا تهمهم مصالح ومطالب الشعوب، بل يهمهم بالدرجة الأولى تحقيق مصالح التنظيم الفئوية الضيقة، والتغلغل فى مؤسسات الحكم وإدارات الدول لإخونتها بشكل يضمن لهم الهيمنة على مفاصل الدولة والحكم!


تجربة إخوان تونس الفاشلة تنهى تماماً فكرة التمايز بين أفرع التنظيم الإخواني، فكلهم تشبّعوا بفكر اقصائى واحد، وجميعهم غير قادرين على الخروج من عباءة التنظيم لفضاء الدولة الرحب، لذا فإن بداياتهم قد تختلف فى كل دولة ولكن نهايتهم تبقى واحدة وهى الصدام مع الشعوب ومن يحاول انقاذ الدول من براثن قبضتهم والمصير الذى يدفعونها إليه.
الكاتب من دولة الإمارات الشقيقة

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة