ولادة بنت المستكفى بالله
ولادة بنت المستكفى بالله


نساء مؤمنات l ولادة بنت المستكفى بالله أبرع الشاعرات فى زمانها

اللواء الإسلامي

الخميس، 07 أكتوبر 2021 - 11:38 ص

علية العسقلانى

كثيرات‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬من‭ ‬أعلام‭ ‬التاريخ‭ ‬حزن‭ ‬أسباب‭ ‬المجد‭ ‬ونلن‭ ‬شهرة‭ ‬واسعة‭ ‬لعوامل‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬لموهبة‭ ‬كبرى‭ ‬أو‭ ‬لإبداع‭ ‬متميز‭ ‬ويتخطى‭ ‬صيتهن‭ ‬صفوة‭ ‬المجتمع‭ ‬إلى‭ ‬عامته‭ ‬فيكتسبن‭ ‬شعبية‭ ‬هائلة‭ ‬وتتناول‭ ‬المخيلة‭ ‬الشعبية‭ ‬سيرتهن‭ ‬بانبهار‭ ‬فتنقلها‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الاساطير‭ ‬فتضفى‭ ‬عليها‭ ‬وهجاً‭ ‬مقاوماً‭ ‬للزمان‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشاعرة‭ ‬الأندلسية‭ ‬ولادة‭ ‬بنت‭ ‬المستكفى‭ ‬ابنة‭ ‬الخليفة‭ ‬الأموى‭ ‬المستكفى‭ ‬بالله‭ ‬اشتهرت‭ ‬بالفصاحة‭ ‬والشعر‭ ‬وحازت‭ ‬صيتاً‭ ‬واسعاً‭ ‬بسبب‭ ‬ثقافتها‭ ‬وجمالها‭ ‬وفتنتها‭ ‬وزينتها‭ ‬أمها‭ ‬جارية‭ ‬أسبانية‭ ‬اسمها‭ ‬سكرة‭ ‬وقد‭ ‬ورثت‭ ‬منها‭ ‬بشرتها‭ ‬البيضاء‭ ‬وشعرها‭ ‬الأشقر‭ ‬وعينيها‭ ‬الزرقاوين‭ ‬وكان‭ ‬لها‭ ‬مجلس‭ ‬مشهود‭ ‬فى‭ ‬قرطبة‭ ‬يؤمه‭ ‬الأعيان‭ ‬والشعراء‭ ‬ليتحدثوا‭ ‬فى‭ ‬شئون‭ ‬الشعر‭ ‬والأدب‭ ‬بعد‭ ‬زوال‭ ‬الخلافة‭ ‬الأموية‭ ‬فى‭ ‬الأندلس‭.‬

كانت‭ ‬ولادة‭ ‬تجالس‭ ‬الشعراء‭ ‬بل‭ ‬وتنافسهم‭ ‬بعد‭ ‬مقتل‭ ‬أبيها‭ ‬الخليفة‭ ‬المستكفى‭ ‬جعلت‭ ‬ولادة‭ ‬دارها‭ ‬منتدى‭ ‬لرجال‭ ‬الأدب‭ ‬وعاشت‭ ‬فى‭ ‬غرناطة‭ ‬ثراء‭ ‬وبذخ‭ ‬الأميرات‭ ‬وحباها‭ ‬الله‭ ‬بموهبة‭ ‬شعرية‭ ‬فذة،‭ ‬واشتهرت‭ ‬ولادة‭ ‬ببيتين‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬قيل‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬تكتب‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منهما‭ ‬على‭ ‬جهة‭ ‬من‭ ‬ثوبها‭ ‬طرزتهما‭ ‬بالذهب‭ ‬فكتبت‭ ‬على‭ ‬أحدهما‭:‬

أنا‭ ‬والله‭ ‬أصلح‭ ‬للمعالى‭  ‬وأمشى‭ ‬مشيتى‭ ‬وأتيه‭ ‬تيها

وكتبت‭ ‬على‭ ‬الآخر‭: ‬

وأمكن‭ ‬عاشقى‭ ‬من‭ ‬صحن‭ ‬خدى‭  ‬وأعطى‭ ‬قبلتى‭ ‬من‭ ‬يشتهيها‭.‬

قبلة‭ ‬الأدباء‭ ‬والشعراء‭ ‬

كان‭ ‬قصر‭ ‬ولادة‭ ‬قبلة‭ ‬الأدباء‭ ‬والشعراء‭ ‬والكتاب‭ ‬تستقبلهم‭ ‬كل‭ ‬ليلة‭ ‬ويلتفون‭ ‬حولها‭ ‬كدرة‭ ‬متألقة‭ ‬وتشارك‭ ‬فى‭ ‬المساجلات‭ ‬الشعرية‭ ‬والمناقشات‭ ‬ويجمع‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬الرقص‭ ‬والموسيقى‭ ‬والغناء‭ ‬وكانت‭ ‬أيضا‭ ‬تجيد‭ ‬الغناء‭ ‬وتستمتع‭ ‬بسيطرتها‭ ‬العاطفية‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬بعض‭ ‬المتطرفين‭ ‬إلى‭ ‬تصويرها‭ ‬وكأنها‭ ‬إحدى‭ ‬فتيات‭ ‬الهوى‭ ‬والمتعة‭ ‬ودسوا‭ ‬عليها‭ ‬بعض‭ ‬النصوص‭ ‬التى‭ ‬تثار‭ ‬حول‭ ‬الفاتنات‭ ‬الغانيات‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬وصفوها‭ ‬بالعفة‭ ‬والطهارة‭ ‬وصانوها‭ ‬عن‭ ‬الإسفاف‭ ‬والتبذل‭ ‬كتب‭ ‬عنها‭ ‬المقرى‭ ‬التلمسانى‭ ‬فى‭ ‬سفره‭: ‬‮«‬نفح‭ ‬الطيب‭ ‬من‭ ‬غصن‭ ‬الأندلس‭ ‬الرطيب‮»‬‭ ‬قائلا‭: ‬وكانت‭ ‬واحدة‭ ‬زمانها‭ ‬المشار‭ ‬إليها‭ ‬فى‭ ‬أوانها‭ ‬حسنة‭ ‬المحاضرة‭ ‬مشكورة‭ ‬المذاكرة‭..‬

الوزير‭ ‬العاشق

اقترن‭ ‬اسم‭ ‬ولادة‭ ‬بالعديد‭ ‬ممن‭ ‬حولها‭ ‬فصاحبتها‭ ‬مهجة‭ ‬القرطبية‭ ‬وهى‭ ‬شاعرة‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عنها‭ ‬جمالاً‭ ‬ولقبت‭ ‬بمهجة‭ ‬صاحبة‭ ‬ولادة‭ ‬والوزير‭ ‬إبن‭ ‬زيدون‭ ‬الشاعر‭ ‬الذى‭ ‬اشتهر‭ ‬بذى‭ ‬الوزارتين‭ ‬لقب‭ ‬أيضاً‭ ‬بصاحب‭ ‬ولادة‭ ‬حتى‭ ‬أبوها‭ ‬المستكفى‭ ‬بالله‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬الخليفة‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬اشتهر‭ ‬ولقب‭ ‬بوالد‭ ‬ولادة‭ ‬وكان‭ ‬الوزير‭ ‬العاشق‭ ‬إبن‭ ‬زيدرن‭ ‬يحظى‭ ‬بمكانة‭ ‬مرموقة‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭ ‬وسيماً‭ ‬ذكياً‭ ‬ومرهف‭ ‬القلب‭ ‬حباه‭ ‬الله‭ ‬بموهبة‭ ‬شعرية‭ ‬فذة‭ ‬وقدرة‭ ‬أدبية‭ ‬متميزة‭ ‬كان‭ ‬يحضر‭ ‬مجلسها‭ ‬فنشأ‭ ‬بينهما‭ ‬حب‭ ‬جارف‭ ‬عبر‭ ‬لقاءات‭ ‬فى‭ ‬مجلسها‭ ‬فاشتعلت‭ ‬قريحته‭ ‬بأشعار‭ ‬ملتهبة‭ ‬ومساجلات‭ ‬رائعة‭ ‬كانت‭ ‬مفاجأة‭ ‬لرواد‭ ‬المجلس‭ ‬وأضفى‭ ‬سجالهما‭ ‬الشعرى‭ ‬بعداً‭ ‬جديداً‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬الإبداع‭ ‬الأندلسى‭ ‬فى‭ ‬نهاية‭ ‬العصر‭ ‬الأموى‭ ‬وبداية‭ ‬عصر‭ ‬الطوائف‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الحب‭ ‬لم‭ ‬يدم‭ ‬طويلاً‭ ‬بسبب‭ ‬الغيرة‭ ‬الشديدة‭ ‬وانتهز‭ ‬الفرصة‭ ‬عاشق‭ ‬آخر‭ ‬وقع‭ ‬فى‭ ‬حبها‭ ‬هو‭ ‬الوزير‭ ‬أبو‭ ‬عامر‭ ‬بن‭ ‬عبدوس‭ ‬وسعى‭ ‬إبن‭ ‬عبدوس‭ ‬لدس‭ ‬المكائد‭ ‬لمنافسة‭ ‬إبن‭ ‬زيدون‭ ‬صاحب‭ ‬الحظوة‭ ‬لدى‭ ‬ولادة‭ ‬ليقصيه‭ ‬عن‭ ‬طريقه‭ ‬إليها‭ ‬وأقصاه‭ ‬بالفعل‭ ‬عن‭ ‬الوزارة‭ ‬عندما‭ ‬أوقع‭ ‬به‭ ‬عند‭ ‬الملك‭ ‬أبى‭ ‬الحزم‭ ‬بن‭ ‬جهور‭ ‬أول‭ ‬ملوك‭ ‬الطوائف‭ ‬فى‭ ‬حكم‭ ‬الأندلس،‭ ‬ولم‭ ‬يكتف‭ ‬إبن‭ ‬عبدوس‭ ‬بل‭ ‬ظل‭ ‬يلاحق‭ ‬إبن‭ ‬زيدون‭ ‬حتى‭ ‬أودى‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬السجن‭ ‬وعانى‭ ‬خلاله‭ ‬القهر‭ ‬الذى‭ ‬رقق‭ ‬وجدانه‭ ‬وصقل‭ ‬نفسه‭ ‬وأحس‭ ‬فيه‭ ‬بالأسى‭ ‬وخلا‭ ‬لإبن‭ ‬عبدوس‭  ‬الجو‭ ‬للاستئثار‭ ‬بفاتنته‭ ‬ولادة‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬رفضت‭ ‬الزواج‭ ‬منه‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬تحب‭ ‬إبن‭ ‬زيدون‭ ‬حباً‭ ‬شديداً‭ ‬ولا‭ ‬ترضى‭ ‬عنه‭ ‬بديلاً‭..‬

حب‭ ‬بلا‭ ‬أمل

‭‬وعلى‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬كان‭ ‬إبن‭ ‬زيدون‭ ‬يفكر‭ ‬فى‭ ‬الهرب‭ ‬من‭ ‬السجن‭ ‬بعد‭ ‬أحداث‭ ‬متتالية‭ ‬فى‭ ‬قرطبة‭ ‬ليتمكن‭ ‬من‭ ‬الهرب‭ ‬لاجئا‭ ‬إلى‭ ‬أشبيلية‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تخضع‭ ‬لحكم‭ ‬الملك‭ ‬المعتضدبن‭ ‬عباد‭ ‬الذى‭ ‬أحاط‭ ‬إبن‭ ‬زيدون‭ ‬برعايته‭ ‬وقربه‭ ‬إليه‭ ‬وزاد‭ ‬فى‭ ‬كرمه‭ ‬وظل‭ ‬إبن‭ ‬زيدون‭ ‬على‭ ‬حبه‭ ‬لولادة‭ ‬فبعث‭ ‬بقصيدته‭ ‬الشهيرة‭ ‬من‭ ‬أشبيلية‭ ‬إليها‭ ‬فى‭ ‬قرطبة‭ ‬يقول‭ ‬فيها‭ ‬مناجياً‭ ‬متحسراً‭ ‬وشاكياً‭ ‬معاتباً‭ ‬مستعطفاً‭ ‬فى‭ ‬قصيدته‭ ‬النونية‭ ‬الشهيرة‭ ‬والتى‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬درر‭ ‬الشعر‭ ‬العربى‭: ‬أضحى‭ ‬التنائى‭ ‬بديلاً‭ ‬عن‭ ‬تدانينا‭ ‬وناب‭ ‬عن‭ ‬طيب‭ ‬لقيانا‭ ‬تجافينا‭ ‬ولم‭ ‬تلق‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬أى‭ ‬قبول‭ ‬فى‭ ‬قلب‭ ‬ولادة‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬أبن‭ ‬زيدون‭ ‬وغرامها‭ ‬به‭ ‬مجرد‭ ‬ذكرى‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬خلفه‭ ‬هذا‭ ‬الحب‭ ‬العنيف‭ ‬من‭ ‬آثر‭ ‬فى‭ ‬نفسيهما‭ ‬عمرت‭ ‬ولادة‭ ‬طويلاً‭ ‬وبلغت‭ ‬قرابة‭ ‬الثمانين‭ ‬عاماً‭ ‬ولم‭ ‬تتزوج‭ ‬وتوفيت‭ ‬فى‭ ‬شهر‭ ‬صفر‭ ‬عام‭ ‬484‭ ‬هجرية‭ ‬جزاها‭ ‬الله‭ ‬خيراً‭ ‬وأسكنها‭ ‬فسيح‭ ‬جناته‭...‬


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة