أشعر بالحزن والأسى أن يأتى يوم نرفع فيه شعار حملة أخلاقنا التى ذهبت أدراج الرياح بعد ان كنا مثلا يحتذى به فى العالم حتى ايام الاحتلال بكل ما جاء به من فسق وفجور لم تتأثر الناس بل كانت أشد تمسكاً بالاخلاق فى مقاومة الاحتلال بكل صوره وتوثيق أواصر المحبة بين بعضها البعض.
ورغم مرارة الألم والحزن الساكن فينا ان نستجدى الناس ان تعود الى التمسك بالاخلاق بعد الذى كنا فيه.. لا استغرب من رفع شعار «أخلاقنا» لاننا رفعنا من قبل شعار «لا للارهاب» الذى يأتينا من القريب ومن بنى جنسنا ومن هم على ملتنا.. اننا فى محنة صنعناها بأيدينا ونفخ العدو فيها بنيرانه فازدادت اشتعالا وللاسف لم نعرف كيف نطفئها بل استعنا بالاعداء لاخمادها وهم لن يجدوا فرصة ذهبية اكثر من هذه لتعميق مفهوم الفوضى الخلاقة التى اندلعت على بريق الثورات العربية التى كانت تنشد ان يعيش الناس فى ربيع دائم ولكن قفز عليها من حول وجهتها بدعم من اجهزة خارجية لتقسيم بلدان الوطن العربى وما زالت سوريا والعراق واليمن وليبيا تصرخ من كثرة الانقسامات والعداءات بين أهلها.
المؤسسات المنوط بها زرع الاخلاق فى نفوس النشء منذ الصغر تخلت عن مهمتها وقامت بتجريف الارض الاخلاقية بوعى او بدونه تحت مسمى البحث عن المال او تحت مفهوم الدنيا اتغيرت فتركوا الباب مفتوحا على مصراعيه امام التوغل الشيطانى لهدم حتى المسلمات الاخلاقية والبديهيات التى تعارف عليها الناس بالفطرة.
نجد الآن العديد من الحوادث المأساوية الاسرية التى تدمى القلب بتفاصيلها المريرة.. لا نجد تراحماً أسرياً بل نجد وحشية سواء اكان القاتل ابا او اما او ابنا او ابنة.
وعلى جانب آخر نجد انعداماً اخلاقىاً آخر يغزو مدارسنا من اعتداء الطلبة على المدرسين والمدرسات والعكس ولا يقف الامر عند الطالب المتجاوز بل تزداد الكارثة باشتراك أولياء الأمور الذين يفترض بهم رد أبنائهم عن تجاوزاتهم فى الاعتداء الهمجى على المعلم والمعلمة لانهم تجرأوا على محاسبة المخطىء.. انه جو من البلطجة نشأ فى البيت والاسرة وانتقل الى المدرسة وماذا بعد؟ لم يقف الامر عند البيت والمدرسة بل انتقل الى الشارع والمواصلات العامة والخاصة حيث نجد سلوكيات تتسم بالاجرام وتحرش بالفتيات حتى الاطفال منهن والمحجبات.
هى فوضى اخلاقية غير خلاقة استشرت بعدما بدأ الإعلام والاعمال الفنية الفجة القبيحة فى نشر الرذائل تحت مسمى التعبير عن الواقع.
كان العمل الأدبى بالأمس يكشف الواقع من خلال رؤية عميقة فى كلمات بسيطة تفضح الرذائل دون ان ينفلت عيار الكلمات اما الان فصار القبح ونقل الالفاظ الجارحة والمعانى الصريحة الفجة يملأ الاعمال الفنية تحت مسمى الابداع ونقل الواقع بكل سفالاته.. انها فجاجة اخلاقية ساهمت فى خلق جيل فقد النشأة الاخلاقية فى البيت مع انعدام التربية والرقابة وتلقفته اجهزة اعلامية واعمال فنية فقدت البوصلة، فنما فى بيئة غير اخلاقية.
اننا لا نملك سوى رفع لافتة «اخلاقنا» وسط هذا الحصار غير الاخلاقى ولكن لو كانت لافتة «لا للارهاب» نجحت ما اضطررنا لمد رقعة القتال فى كل الميادين لدحره وحماية الوطن فماذا اعددنا لاستعادة اخلاقنا التى صارت فى مهب الريح.