حاتم زكريا
حاتم زكريا


فى المليان

الحقائق تفوق الخيال فى ملحمة أكتوبر سمات الانتصار المجيد تشكلت فى يونيو 67

الأخبار

الخميس، 07 أكتوبر 2021 - 06:38 م

 فى مثل هذه الأيام الخالدة من شهر أكتوبر 1973، وكان والدى - يرحمه الله - بصحبتى بشقتى بمنطقة قريبة من إدارة التجنيد بالحلمية بالقاهرة.. وكنت وقتذاك طالباً بمعهد الإعلام جامعة القاهرة الذى تغير مسماه بعد ذلك الى كلية الإعلام.. وأتذكر واحداً من أحلى أيام حياتى..

يوم السادس من أكتوبر فى ذلك العام.. يوم عبر أبطال مصر البواسل قناة السويس وحطموا خط بارليف المنيع وأنهوا أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يهزم.. 


 وخلال جولات مع والدى بتلك المنطقة حرصنا أن نكون بالقرب جداً من إدارة التجنيد لنلمس بأنفسنا الواقع الجديد الذى أعاد شرف العسكرية المصرية التى حققت معجزة بكل المقاييس.. والقياس مع الفارق هنا، فالحقائق على الطبيعة تفوق الخيال، ولكننا كنا نريد أن نرى لو لمسة من بعيد.. 


 وكنت أتابع والدى وهو فى غاية السعادة ينظر إلى عدد من الجنود فى محيط إدارة التجنيد ويوجه كلامه إلى - ودون أن يدرى - وبصوت مسموع وقد غلبته نبرات الدهشة والإعجاب: «أهؤلاء هم الذين قهروا إسرائيل»..


 وكانت هذه الكلمات تعبر عن واقع الحال وما تغلغل فى نفوس المصريين فى تلك الفترة والسنوات التى سبقتها - كما عبرت فى نفس الوقت عن الرغبة الطاغية لديهم - رغم عوامل الإحباط الكثيرة - لتجاوز المحنة التى لفت أجواء حياتهم بضباب كثيف وحدت من أمالهم وأمانيهم ما يقرب من ست سنوات مرت وكأنها الدهر.. 


 ارجعتنى هذه اللحظات المضيئة فى تاريخ مصر الشامخ أبداً الى أيام قاتمة السواد عشناها عقب خسارة يونيو (حزيران) 1967 بعد أن تجمعت ضد مصر كل قوى الشر فى العالم مجتمعة خاصة بعد تأميم شركة قناة السويس المقرونة بالمواقف المشهودة للقيادة المصرية الوطنية المخلصة على الساحتين العربية والإفريقية، وذلك لإسكات صوتها القوى الذى بدأ يخيف الاستعمار بكل أشكاله وألوانه من تأثيره على كافة مصالحه المادية والمعنوية.. 


ولأنى عشت تلك الأيام بمرارتها، فإنى ومعى الكثيرون من شباب مصر ورجال قواتها المسلحة لم نفقد الأمل فى استرداد أرضنا المحتلة وإعادة هيبة جيشها البطل على مر العصور.. 


 وقد أفقنا من هول الصدمة بعد عدة أيام قليلة من خسارة يونيو المريرة، واستعادت قواتنا المسلحة الصامدة وعيها، وبدأت الإعداد لتأمين الداخل المصرى من غرب القناة وحتى القاهرة وحتى لا تستغل إسرائيل الموقف والحالة النفسية للجنود وتكسب أرضا إضافية فى الشرق تعزز بها احتلالها لشبه جزيرة سيناء رغم الوضع من الناحية الإستراتيجية يمثل خطورة عليها. 


وتم إنشاء «هناجر» للطائرات الحربية الصالحة للعمل ولها مداخل ومخارج على الطريق الزراعى السريع «الأسفلت» الذى أصبح بمثابة ممر لإقلاع وهبوط الطائرات.. وفى نفس الوقت تم تشكيل سرايا من المتطوعين من طلاب المدارس الثانوية والجامعية والعمال والفلاحين يقومون بدوريات لمدة 24 ساعة يومياً على الطريق بعد تلقيهم دورات تدريبية متقدمة، وكنت قائداً لإحدى تلك السرايا، وكان معى فى الدورات التدريبية المجمعة عدد كبير من أساتذتى السابقين فى المرحلة الثانونية وعدد آخر من العمال والفلاحين المصريين من أصول سودانية وكانت تلك الإستجابة الفورية والتلقائية من أبناء الشعب لرفض الهزيمة ومعها بدأت مرحلة إعادة بناء القوات المسلحة لاستعادة أرضنا المحتلة تحت شعار: «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة»..


 ورغم إيمان القيادة السياسية بهذا الشعار فإن أوضاع السياسة الدولية كانت تقودنا للقبول بالتفاوض والبحث عن مبادرات للوصول الى حل سلمى للأزمة لاستعادة الأرض المحتلة مع التمسك بحقوق الشعب الفلسطينى فى الحياة على حدود 1967.. ولكن بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر وتولى الرئيس محمد أنور السادات السلطة اتضح للسادات أنه فى ظل تواصل الدعم الأمريكى لإسرائيل بالسلاح المتطور وبكميات كبيرة ومتنوعة تجعلها تتفوق على كافة الدول العربية فى الوقت الذى يقوم فيه الاتحاد السوفيتى بإمداد مصر وسوريا بالسلاح بالصورة التى تحفظ التفوق العسكرى لإسرائيل، فما كان من الرئيس السادات إلا أن أتخذ قراراً شجاعاً بطرد الخبراء السوفييت من مصر، فكانت لعبة سياسية خداعية هدفها الظاهرى تأكيد الاعتقاد لدى أمريكا وإسرائيل أن مصر لن تحارب..

بينما كان الهدف الحقيقى من القرار هو التأكيد لأبناء مصر من الضباط والجنود أنه ليس أمامنا سوى الحرب لاسترداد أرضنا وعلينا أن نبحث عن مصادر كافية للتسليح وتمويل التسليح بما يمكننا من تحقيق أهدافنا.. والتاريخ شاهد على كفاءة العسكرية المصرية وقدرتها على الانتصار على قوى تاريخية سواء تلك التى انطلقت من وسط أسيا أو القادمة من الشرق .. 


 وأعتقد أن حرب أكتوبر المجيدة وإنجازات أبطال القوات المسلحة فيها تستأهل رصدها فى مجلدات عديدة بما تشمله من إنجازات فردية وجماعية لا يعرفها الكثيرون حتى الآن.. وأرى أننا فى حاجة إلى توثيقها..
 

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة