الإمام الشعراوي
الإمام الشعراوي


عذاب الاستئصال في خواطر الإمام الشعراوي

ضياء أبوالصفا

الخميس، 07 أكتوبر 2021 - 08:38 م

 

يقول الحق فى الآية41 من سورة القصص: «وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِى هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ».

 قوله تعالى: «وَأَتْبَعْنَاهُم..» يعنى: جعلنا من خلفهم: «فِى هَذِهِ الدنيا لَعْنَةً..» فكل مَنْ ذكرهم فى الدنيا يقول: لعنهم الله، فعليهم لعنة دائمة باقية ما بقيتْ الدنيا، وهذا اللعْن والطرد من رحمة الله ليس جزاء أعمالهم، إنما هو مقدمة لعذاب بَاقٍ وخالد فى الآخرة.

«وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِّنَ المقبوحين» مادة: قبح، تقول للشرير: قبَّحك الله، أى: طردك وأبعدك عن الخير. 


 ولها استعمال آخر: تقول: قَبَحْتُ الدُّمل أى: فتحته ونكأته قبل نُضْجه فيخرج منه الدم مع الصديد ويشوه مكانه.

وسبق أنْ  قُلْنا: إن الدُّمَّل إذا تركته للصيدلية الربانية فى جسمك حتى يندمل بمناعة الجسم ومقاومته تجده لا يترك أثراً، أما إنْ تدخلت فيه بالأدوية والجراحة، فلابد أنْ يترك أثراً، ويُشوِّه المكان. ويكون المعنى إذن: «هُمْ مِّنَ المقبوحين».

أى: الذين تشوَّهَتْ وجوههم بعد نعومة الجلد ونضارته، وقد عبَّر القرآن عن هذا التشويه بصور مختلفة.


 ثم يقول الحق سبحانه فى الآية 43 من سورة القصص: «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»، قوله تعالى: «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب مِن بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا القرون الأولى..» قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم، يعنى: أن موسى - عليه السلام - جاء بَرْزخاً وواسطة بين رسل كذَّبتهم أممهم، فأخذهم الله بالعذاب، ولم يقاتل الرسل قبل موسى، إنما كان الرسول منهم يُبلِّغ الرسالة ويُظهر الحجة، وكانوا هم يقترحون الآيات، فإنْ أجابهم الله وكذَّبوا أوقع الله بهم العذاب.


 كما قال سبحانه: «فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصيحة وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرض وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ ولكن كانوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» «العنكبوت:40». وهذا كله عذاب استئصال، لا يُبقى من المكذبين أحداً.


 ثم جاء موسى - عليه السلام - برزخاً بين عذاب الاستئصال من الله تعالى للمكذِّبين دون تدخُّل من الرسل فى مسألة العذاب، وبين رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أمره الله بقتال الكفار والمكذّبين دون أن ينزل بهم عذاب الاستئصال، ذلك لأن رسالته عامة فى الزمان وفى المكان إلى أن تقوم الساعة، وهو صلى الله عليه وسلم مأمون على حياة الخَلْق أجمعين.


 وقد ورد أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما عذَّب الله قوماً ولا قرناً، ولا أمة، ولا أهلَ قرية منذ أنزل الله التوراة على موسى). كأن عذاب الاستئصال انتهى بنزول التوراة، ولم يستثْن من ذلك إلا قرية واحدة هى (أيلة) التى بين مدين والأردن. والحق تبارك وتعالى يعطينا أول تجربة لمهمة، وتدخّل الرسل فى قصة موسى عليه السلام.


 وروُى عن أبى أمامة أنه قال: وإنى لتحت رَحْل رسول الله - يعنى: ممسكاً برحْل ناقة الرسول - يوم الفتح، فسمعته يقول كلاماً حسناً جميلاً، وقال فيما قال: (أيُّما رجل من أهل الكتاب يؤمن بى فَلَهُ أجران - أى: أجر إيمانه بموسى، أو بعيسى، وأجر إيمانه بى - له ما لنا وعليه ما علينا). وهذا يعنى أن القتال لم يكُنْ قد كُتِب عليهم.


 وقوله تعالى: «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب..» أى التوراة: «مِن بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا القرون الأولى..»

أى: بدون تدخُّل الأنبياء «بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ..» أى: آتيناه الكتاب ليكون نوراً يهديهم، وبصيرة ترشدهم، وتُنير قلوبهم «وَهُدًى وَرَحْمَةً..» هدى إلى طريق الخير ورحمة تعصم المجتمع من فساد المناهج الباطلة، وتعصمهم أن يكونوا من أهل النار «لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ». 


والتذكر يعنى: أنه كان لديك قضية، ثم نسيتها فاحتجْتَ لمن يُذكرك بها، فهى ليست جديدة عليك، هذه القضية هى الفطرة: «فِطْرَتَ الله التى فَطَرَ الناس عَلَيْهَا». لكن هذه الفطرة السليمة تنتابها شهوات النفس ورغباتها، وتطرأ عليها الغفلة والنسيان؛ لذلك يذكِّر الحق سبحانه الناس بما غفلوا عنه من منهج الحق، إذن: فى الفطرة السليمة المركوزة فى كل نفس مُقوِّمات الإيمان والهداية، لولا غفلة الإنسان.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة