للعدالة وجه واحد
للعدالة وجه واحد


المواطنين أمام القانون سواء

المواطنين أمام القانون سواء.. وللعدالة وجه واحد

جودت عيد

الخميس، 07 أكتوبر 2021 - 09:12 م

أخبرت القاضى أنها تثق فى حكمه وعدله، ثم اتجهت مع بدء الجلسة صوب المنصة، تحركت بخطوات بطيئة، أحدثت صمتاً فى القاعة وترقب الحضور لما سيحدث .


وعندما اقتربت من القاضى طلبت منه أن يسقط رأسه قليلاً نحوها، فهناك شىء تريد أن تخبره به.
استخدمت العجوز قدميها للاقتراب من القاضى، شبت قليلاً مستندة إلى عصاة اتكأت عليها، ثم بدأت تهمس فى أذنيه لثوانٍ.
بعدها أومأ لها القاضى بالجلوس ملقياً ابتسامة صغيرة، وكأنه أراد أن يخبرها بأنه لا يحكم إلا بالعدل، ولا تعنيه ما ذكرته السيدة .

عادت العجوز إلى مقعدها، ألقت بابتسامة النصر، وكأنها حققت ما تريد، فكثيراً ما كانت تخشى من ذلك الشخص الذى أخبرت القاضى عنه من أنه قد يسبب لها ضرراً، بعد أن توفيت ابنتها وتركت لها طفلاً لم يتجاوز عمره عشر سنوات.

ما همست به العجوز فى أذن القاضى لم يكن متفقاً مع محاميها، بل دفعتها الخشية على حضانة حفيدها من إخبار القاضى أن والده وخصمها فى الدعوى قاضٍ هو الآخر.


أراد القاضى أن يثبت للعجوز إلمامه بالقضية وحرصة على الحكم العدل فيها، استدعى محامى الأب، استمع إلى دفوعه، وعندما أراد المحامى أن يتحدث عن وكيله مستخدماً كلمة أنه «قاضِ بمحكمة كذا»، قاطعه وطلب منه أن يكتفى بذكر كلمة وكيله فقط دون ذكر لقب، لأن المواطنين أمام القانون سواء.


وقعت هذه الكلمات على صدر العجوز سعادة وفرحاً، وقررت أن تترافع بنفسها مستأذنة محاميها فى أن تخبر القاضى بمعاناتها مع زميله الذى رفض الإنفاق على حفيدها.
اقتربت العجوز مرة أخرى من المنصة، وقفت وطلبت من القاضى أن يوجه لها الأسئلة فهى مستعدة إلى الإجابة على كل ما يريده، لكنه طلب منها أن تتحدث عن دعواها، وعندما يريد أن يقاطعها سيقوم بذلك .


قال العجوز: «لم يكن بينى وبين طليق ابنتى رحمها الله سوى محبة وصلة رحم، تزوجته ابتنى بعد تخرجه فى كلية الحقوق ولم يكن لديه عمل، فقد كانت زميلته فى الكلية، عملا معاً فى مكتب محاماة لأشهر قليلة، بعدها جاءت البشرى بقبوله فى النيابة العامة حتى تدرج فى المناصب، وأصبح قاضياً فى إحدى المحاكم.

تضيف: «وقعت المشاكل بين ابنتى وزوجها، أمور تافهة كانت السبب، معظمها يرتكز على رفضه عملها فى المحاماة رغم أن هذا حقها، لكن الأمور تطورت وأدت إلى تشابك بالأيدى، وتم حلها ودياً» .

لم تتوقف الأسباب التافهة بينهما، عادت المشاكل، وكانت ابنتى تعانى من ضعف فى عضلة القلب، وتزور بصفة مستمرة طبيباً مشهوراً، والذى حذرها من الحزن والمجهود الزائد.


بسبب كثرة المشاكل تركت ابنتى بيت زوجها، ومعها حفيدى، وحضرت إلى منزلى، أيام و تلقينا خطاباً من المحضر متضمناً وثيقة طلاق.. لم تتحمل ابنتى الخبر، سقطت، وتم نقلها للعناية المركزة، عاشت عامين وهى تعالج بالمسكنات، حتى ساءت حالتها، ولم يعد القلب قادراً على النبض، لتودع ابنتى الدنيا وتترك لى طفلاً لم يتجاوز عمره الخمس سنوات.


وتضيف العجوز: «نصحنى صديق ابنتى المحامى بإقامة دعوى حضانة صغير، فقد يستغل الأب موت الأم ويحصل على حضانة حفيدها، وبالفعل حصلت على حكم وأصبحت الحاضنة، لكن سيدى القاضى وجدت خصماً عنيداً، تجاهلنا طليق ابنتى، تركنى أتحمل مسئولية هذا الصغير بمفردى، أنفقت عليه كل معاشى، 4 سنوات، وأنا أسدد مصاريف دراسته، ولم أعد قادرة على تحمل قرش واحد وخزينتى أصبحت خاوية.


خاطبت سيدى القاضى والده لتحمل مسئوليته فى الإنفاق على ابنه، تجاهلنى ولم يرد علي، رغم أن راتبه عن شهر واحد كاف لحل كل مشاكلنا، لذلك قررت مقاضاته وإلزامه بسداد النفقة التعليمية لحفيدي، فهذه مسئوليته.


لست سيئة سيدى القاضى، فأنا أنفذ وصية ابنتى فى أن يظل حفيدى فى حضانتى حتى أغادر هذه الدنيا، بعدها يتحمل والده أمانة تربيته، رغم خشيتى من ذلك، فقد تزوج وأنجب من زوجته الثانية، وتناسى ابنه نهائياً، ولم يسأل عليه يوما واحدا، فكيف ينفق عليه سنوات؟..

اكتفى القاضى بماذكرته العجوز، فقد كون عقيدته عن القضية من الأوراق المقدمة إليه والمستندات المرفقة بها، فضلا عن نص القانون الذى يلزم الأب بالإنفاق على صغيره..

بعدها رفع الجلسة، دقائق وعاد وأصدر حكمه بإلزام الأب بسداد 100 ألف جنيه مصاريف تعليم ابنه على مدار أربعة أعوام دراسية.

 

النفقة للصغير 

 

تجاهل القاضى الخصوم فى القضية، فلم ينظر إلى منصب أو زمالة، طبق صحيح القانون، وأعطى كل ذى حق حقه، نصر العجوز وقضى بإلزام الأب بالقيام بواجبه بالإنفاق على تعليم ابنه .

 


القاضى استند فى حكمه لنص المادة 18 مكرراً ثانيًا من القانون رقم 5 لسنة 1920 المضافة بالقانون 100 لسنة 1985، والتى تنص على أنه: إذا لم يكن للصغير مال فنفقته على أبيه، وتنص الفقرتان الثالثة والرابعة على أن « يلتزم الأب بنفقة أولاده وتوفير المسكن لهم بقدر يساره وبما يكفل للأولاد العيش فى المستوى اللائق بأمثالهم وتستحق نفقة الأولاد على أبيهم من تاريخ امتناعه عن الإنفاق عليهم» .


وقال إن «من المستقر عليه فقهًا أن المصروفات الدراسية من ضمن عناصر نفقة الصغير على أبيه، وهو ما عبرت عنه المذكرة الإيضاحية للنص، بمنزلة الطعام والكساء، وهى تستحق كلما قام الصغير أو صاحب اليد عليه بسدادها من ماله الخاص»..

وتقتصر تلك المصروفات على المبالغ المستحقة لتعليم الصغير، فلا يدخل فيها ثمن الملابس الدراسية، لتكون الأخيرة ضمن نفقة ملبس الصغير، كما لا يدخل فيها أجرة السيارة المدرسية.

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة