اماره دبي ليست فقط غنية بالمال.. لكنها أغني بشعبها من دول كثيرة تفوقها شعبا ومالا.. لذلك فهي تعطي للعالم كله في كل يوم درسا جديدا.. وأصبحت دول كثيرة قوية وعريقة صنعت حضارات وتملك التاريخ.. تتمني لو تقترب من دبي.
رأيت هذا بنفسي في زيارة قريبة الي تلك الإمارة والتي سبق أن زرتها من عشرين عاما.. ورأيت الفارق الشاسع بين الزيارتين.. تحولت الإمارة الصغيرة الي مدينة ضخمة تفوق أحدث وأبهي مدن العالم.
السبب ليس في المال فقط.. بل في الفكر والإدارة الرشيدة.. وحسن استغلال كل ما تملكه وما لا تملكه الامارة الجميلة.
هذا الأسبوع أعطت دبي للكل درسا جديدا لا يحتاج الي مال ولا موارد.. لكنه يحتاج فقط الي فكر واع ورشيد.. الدرس الجديد هو حكومة جديدة كلها من الشباب.. منهم من هو أو هي دون الثلاثين.. فيها ثماني وزيرات كلهن شابات متعلمات خريجات الجامعات الاماراتية.. منهن وزيرتان واحدة للسعادة والأخري للتسامح.. هذا في دولة لم أر أسعد من شعبها ولا أكثر منهم تسامحا.
ووجه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة ورئيس وزرائها وحاكم دبي إلي الحكومة الجديدة سبعة توجيهات : نريدها حكومة شابة قادرة علي خلق بيئة للشباب لتحقيق أحلامهم، ومستعدة للعمل بشكل سريع لتحقيق طموحات شعبنا.. الحكومة لا بد أن تكون مرنة، لا نريد عددا كبيرا من الوزارات بل نريد وزراء أكثر قادرين علي تولي ملفات متغيرة كل يوم..الحكومة التي نريدها لا بد أن تكون ذات بصيرة.. تستطيع استشراف المستقبل.. والاستعداد له.. واستخدام أدواته.. نريد حكومة لا تفكر فقط في تقديم الخدمات.. بل أيضا في بناء مهارات شعبها.. وتوفير بيئة لتحقيق الإنجازات حيث يخلق الجمع بين الشباب والمرونة والبصيرة حالة من الإبداع.. حكومة محورها الإنسان بأسرته وتعليمه ومعرفته ورفاهيته وطموحاته في بناء مستقبله وحقه الأصيل لتحقيق كافة تطلعاته.. حكومة هدفها بناء مجتمع فاضل.. وبيئة متسامحة.. وأسر متماسكة.. وأجيال مثقفة.. وفرص اقتصادية متساوية للجميع.. حكومة تجعل سعادة الإنسان همها، وهمتها وشغلها اليومي.
هذا هو برنامج الحكومة.. وهو هدفها وكل همها.. أن تجعل الشعب سعيدا وأن توفر له كل أسباب السعادة.. وهو طبعا برنامج ليس سهلا كما يتصور البعض.. بل هو أصعب ما يمكن أن تتبناه أية حكومة في العالم.. أن تجعل شعبك سعيدا.. هذا قمة المراد لكل العباد.. كل حكومات العالم تقريبا لم تحقق الحد الأدني من هذا الهدف.
لكننا يجب أن نتوقف عند الفكر المختلف لحاكم لا يطالبه شعبه بكل هذا بإلحاح.. فهو بالفعل شعب سعيد ومتسامح.. حاكم لا تؤرقه صناديق الانتخابات ولا استجواب البرلمان ولا برامج التوك شو ولا صحف صفراء.. حاكم قد يكون من بين حكام قلائل يتمتعون بحب شعوبهم.. هذا الفكر المتطور ليس وليد اليوم.. ولكنه هو الأساس الذي اعتمدت عليه الامارة في تطورها.. وليس غريبا أن نشهد تلك الخطوة.
انا لا أقارن - لا سمح الله - بين حكومة دبي وحكوماتنا.. فأنا أقدر تماما كل الفوارق.. ولكن الواضح أن كل حكوماتنا تغرق في مشاكل الناس الكثيرة وتعيش فيها وتصبح جزءا من حياتهم اليومية.. ويصبحون بعد يوم واحد من فرحة التعيين الوزاري مهمومين مكتئبين.. بصراحة هم ليسوا سعداء ولن يكونوا قادرين علي اسعادنا.. فاقد الشئ لا يعطيه.
حكومتنا الحالية.. تذاكر منذ ثلاثة أشهر البيان الذي سيلقيه رئيسها أمام مجلس النواب.. وطبعا كلها تخوف من الرسوب في الامتحان مع وجود تلميحات بذلك.. وخوفا من الرسوب أعدت الحكومة برنامجا «لا يخر المية».. يتحدث عن كل شئ.. ويرفع شعارا قريبا من السعادة وهو إصلاح حال محدودي الدخل.. أفلح ان صدق.
عزيزي رئيس الوزراء.. لماذا لا تفكر في تعيين وزير للتسامح في بلد قتل فضيلة التسامح.. ولماذا لا تعين وزيرا للسعادة.. بشرط ألا يكون زملكاويا؟