جراكن البنزين
جراكن البنزين


بعد أزمات الوقود وكورونا وانكماش الاقتصاد

«شبح البريكست» يطارد بريطانيا

آخر ساعة

السبت، 09 أكتوبر 2021 - 11:28 ص

خالد حمزة

المشهد كان غريبًا وغير مألوف فى بريطانيا، طوابير طويلة أمام محطات الوقود، لبريطانيين يحملون الجراكن وسيارات تنتظم فى طوابير أخرى وصل طولها لكيلو متر كامل، لتأمين احتياجاتهم من الوقود الذى نفد فى المحطات بين عشية وضحاها، وسط تأكيدات حكومية بأن الأزمة مفتعلة، وأن وراءها ذعر الناس من نقص الوقود ليس إلا، وأن السبب هو عجز فى أعداد السائقين، الذين يأتى أغلبهم من دول الاتحاد الأوروبى الذى خرجت منه بريطانيا عبر اتفاق البريكست، تاركة وراءها مشاكل وأزمات اقتصادية، لا حصر لها، من بطالة وتشديد الرقابة على دخول المهاجرين وكورونا وغيرها.

كل ذلك أسباب أدت لانكماش واضح فى الاقتصاد البريطانى، لم تشهده الإمبراطورية التى كانت لا تغيب عنها الشمس، اللهم ما مرت به مع الحرب العالمية الثانية، حينما وقف تشرشل ليقول فى خطاب شهير له، ألقاه بمجلس العموم البريطانى للمرة الأولى، عقب توليه منصب رئيس الوزراء فى الثالث عشر من شهر مايو 1940 : اليس لدينا ما نقدمه غير الدم والتعب والدموع والعرقب.

امتدت طوابير الانتظار لأميال خارج بعض محطات الوقود، وانتظر الناس لساعات لملء خزاناتهم، ونام بعض السائقين فى سياراتهم أثناء الانتظار، ولم تتمكن الكثير من محطات الوقود من تلبية الطلب، واضطرت إلى الإغلاق، وأكدت شركات البترول أنه لا يوجد نقص فى البنزين، وإن الضغوط على الإمدادات، بسبب ارتفاع مؤقت فى الطلب، وليس لنقص فى الوقود، وقالت جمعية تجار التجزئة للوقود: إنه نفد فى ثلثى المنافذ من بين حوالى 5500 منفذ، وكانت المناطق الحضرية فى بريطانيا هى الأكثر تضررًا.

وتُشير التقديرات إلى أن هذا النقص، أدى إلى مشاكل لمجموعة من الصناعات والأنشطة مثل المتاجر وسلاسل الوجبات السريعة، ويعود السبب الرئيسى فى نقص آخر تعانى منه بريطانيا حاليًا، وهو فى سائقى الشاحنات، فبينما كانت هناك أدلة على نقص السائقين فى جميع أنحاء أوروبا، كانت بريطانيا من بين أكثر المتضررين، فبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى عبر اتفاق البريكست ، وبعد كورونا عاد الكثير من السائقين إلى مدنهم، ولم يعد إلا القليلون أو قرروا العمل فى مكان آخر، بسبب القيود الصارمة على الحدود وتأثيرها على دخلهم، وتقاعد فى الوقت نفسه السائقون الأكبر سنا، ولم يحل محلهم آخرون لقوائم الانتظار الطويلة فى اختبارات سائقى الشاحنات الثقيلة بسبب الوباء، وأعلنت الحكومة وضع الجيش على أهبة الاستعداد، لتخفيف الضغط على المحطات، وسيتلقى سائقو الناقلات العسكرية التدريب اللازم، حتى يكونوا مستعدين للانتشار فى كافة المدن البريطانية، وقال وزراء إن تراخيص المركبات الثقيلة ستمدد.

وفى محاولة لمعالجة النقص فى عدد السائقين، أعلنت الحكومة أنها ستقدم تأشيرات مؤقتة لـ5000 من سائقى صهاريج وقود وعربات أغذية أجنبية بالإضافة إلى 5500 عامل دواجن، وتم إرسال مليون خطاب إلى السائقين الذين يحملون رخص شاحنات ثقيلة، لتشجيعهم على العودة، مع تدريب 4000 آخرين لقيادة الشاحنات، وأكد أن مخزون بريطانيا من النفط فى مستواه المعتاد، وأن الخوف من نقص الإمدادات، أدى لهلع المواطنين واندفاعهم، وحذرت جمعية تجار التجزئة من أن ما يصل إلى ثلثى أعضائها البالغ عددهم حوالى 5500 منفذ، قد نفد الوقود لديهم، وحذرت مزارع ديوك الرومى والدواجن، من احتمال نفادها من المتاجر الكبرى قبل عيد الميلاد.

 ويحدث هذا، لأن نظام الهجرة الجديد الذى جاء بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يلزم الشركات البريطانية بعدم الاعتماد على العمالة الأجنبية الرخيصة ، والاعتماد على القوى العاملة البريطانية، ليصل أجر سائقى الشاحنات إلى عشرة آلاف دولار شهريا.

وقالت الرابطة الأوروبية لسائقى الطرق: إن التأشيرات المؤقتة ستكون فكرة جيدة، لكنها جزء فقط من الحل، وأن قيادة الشاحنات داخل الاتحاد الأوروبى، أسهل من القيادة بين الاتحاد الأوروبى وبريطانيا، مما يعنى أن البقاء فى الاتحاد الأوروبى قد يكون أكثر جاذبية للسائقين.

وقــــال ســـــائقو الشــــــاحنات: إن بعــــض الظروف التى يواجهونها ، تؤثر فى إقبال الشباب عليها، حيث يبلغ متوسط  عمر سائق الشاحنات الثقيلة فى بريطانيا 55 عاما، وقالت صحيفة الجارديان البريطانية: إن المملكة، بدأت تدخل عصرا جديدا، يلفه الغموض وعدم القدرة على التنبؤ بالقادم، وأن أزمة الوقود تنبئ بمستقبل غامض، حيث تفجرت الأزمة فى معظم المدن البريطانية.

وتُشــــير تقـــــديرات جمعيـــــات ســــــائقــــى الشاحنات الكبيرة، إلى وجود نقص فى عدد السائقين ببريطانيا، يصل إلى أكثر من 100 ألف من إجمالى 600 ألف سائق، ويشمل هذا الرقم عشرات الآلاف من السائقين القادمين من دول الاتحاد الأوروبى وغير القادرين على العودة إلى البلاد ، بسبب إجراءات التأشيرة على العمال الأجانب عقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، ويبدو أن ما يحدث من أزمة للوقود فى بريطانيا، مرتبط بأزمة الوقود فى معظم القارة الأوروبية.

وحــــذرت وكـــالــــة بلــــومبيـرج الإخبـــــارية الأمريكية، من أن أزمة الطاقة فى أوروبا سوف تنعكس على باقى العالم، وأن ملايين البشر سيشعرون بارتفاع أسعار الغاز الطبيعى خلال الشــتاء المقبل، وأن الأزمة فى أوروبا تنذر بالمتاعب لبقية العالم، حيث أدى نقص الطاقة فى القارة، إلى تحذير الحكومات من انقطاع التيار الكهربائى وإجبار المصانع على الإغلاق، وقفزت أسعار الطاقة فى أوروبا، من الغاز الطبيعى والوقود إلى مستويات قياسية، وسط توقعات بالمزيد من الارتفاعات، وذكرت الوكالة أن المخزونات تتراجع بصفة عامة، وأن ذلك يعود بشكل أساسى لمخزونات الغاز المنخفضة فى أوروبا، والشتاء الذى يقترب بسرعة، وكل ذلك، يضاف لأزمات أخرى فقد قالت بيانات رسمية بأن الاقتصاد البريطانى انكمش بنسبة 9.9 فى المئة العام الماضى، متأثرا بالتدابير التى اتخذت لمواجهة انتشار فيروس كورونا.

وقال المكتب الوطنى للإحصاءات: إن الانكماش فى عام 2020، تجاوز ضعف أعلى مستوى انكماش سابق، وقال اقتصاديون: إن القيود التى فرضت بسبب الوباء، ستبقى حتى الربيع المقبل، وسجلت بريطانيا أكبر عدد لحالات الوفاة لفيروس كورونا فى أوروبا، وأحد أعلى نسب الوفيات مقابل عدد السكان عالميا، وحذر أندرو بيلى محافظ بنك إنجلترا من سلسلة من الصدمات الاقتصادية تشهدها بريطانيا ووقت أصعب، حيث توقف التعافى الاقتصادى من فيروس كورونا، كما أن الكثير من المشكلات أطلت برأسها مثل: ارتفاع التضخم وتكلفة المعيشة ونقص الموظفين، كما يبدو أن رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون سيدفع ثمن أزمة الطاقة، حيث أظهر استطلاع للرأى أجرته صحيفة االديلى ميلب البريطانية، أن زعيم حزب العمال كير ستارمر سيكون رئيس وزراء أفضل من جونسون، وأنه فى الوقت الذى تكافح فيه البلاد نقص الوقود وارتفاع الأسعار، سيواجه جونسون انخفاضًا حادًا فى شعبيته.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة