بالمرارة فى كلام الرئيس السيسى الذى قاله فى أحد البرامج التليفزيونية. تحدث عن المعاناة التى يواجهها وعن حال البلد منذ 50 عاما. لا أعرف لماذا حدد 50 عاما رغم أن هذا التاريخ يعنى عام 1976، فهل هناك ربط بين المعاناة وبين ذاك العام ؟ لا أعرف ربما قصد الرئيس أن المعاناة بدأت بعد حرب أكتوبر مع تحولات السادات.
كانت المكالمة بشأن تصرفات وسلوك ما يسمى بالألتراس أو روابط جماهير المشجعين. هذه الروابط التى خرجت عن المسار العادى لها وهو تشجيع الأندية فى مبارياتها وتحميس اللاعبين. أعطى المسئولون لهذه الروابط مساحات من السلطة جعلتها محل تأثير على المسئولين بوزارة الداخلية كما أن قيادات هذه الروابط صاروا أصحاب سلطة زادت بعد 2011 عندما استقطب بعضهم خيرت الشاطر وأغدق عليهم بالمال فصاروا أكثر خطورة خاصة بعدما تعلموا تنظيم أعضائهم. ما يراه الجميع أن الألتراس خرج عن السيطرة. وهو ما يمكن أن يسبب أخطارا كبيرة.
أقارن بين ما حدث من شباب الألتراس وبين ما كان يحدث من الشباب فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر. كان شباب ناصر يتحرك بشكل راق مطالبا بمطالب سياسية تتمثل فى الحرية واتساع مساحة الديمقراطية، لم يحتلوا الأندية ولم يشعلوا النار فى الملاعب ولم يعتدوا على رجال الشرطة. فى عام 1968 خرج الشباب يطالب بمحاكمة المتسببين فى الهزيمة وعدم التصدى للحركات العمالية ومظاهرات العمال والتغيير الثورى وإعادة الالتحام بين القيادة والقواعد. خرجوا يدعون ناصر للتغيير الفورى والجذرى. كانت حركة الشباب موجهة إلى صالح الدولة العام بل قادها أعضاء منظمة الشباب وشباب الاتحاد الاشتراكى.
فى 12 فبراير 1968 تلقى الرئيس ناصر مذكرة من أمانة الشباب بالاتحاد الاشتراكى جاء فيها: «كان للموقف المتناقض بين ما أعلنه السيد الرئيس فى 23 يوليو و23 نوفمبر الماضيين وبين ما يجرى فى الحياة اليومية من أحداث لا تعبر عما يريده الشعب والقائد، أثر بالغ فى حالة اليأس والتشكك التى اجتاحت الجماهير فى الفترة الحالية والتى انعكست فى الاتجاهات التالية: استنكار موقف أجهزة الإعلام وما تقدمه للمواطنين من مواد لا تتناسب مع واقع المعركة واحتياجاتها. وبينما يتحدث الرئيس عن الجدية والحزم وعملية التخطيط ودقة التنفيذ، تعيش الجماهير مظاهر متعددة للارتجال والتخبط فى كثير من الأجهزة المسئولة». ما أشبه اليوم بالبارحة. الفرق أن النظام كان لديه التنظيم السياسى الديناميكى فى الشارع.
لو تجاهلنا سلبيات سلوك شباب الألتراس فالعواقب وخيمة فتجارب الشعوب تؤكد أن الشباب يحتاج إلى تنظيم يستوعبه ويفجر طاقاته ويدفعها إلى طريق البناء. إن وجود الشباب ضمن تنظيم سياسى يرسخ الانضباط لديهم ويجعلهم قادرين على تحمل المسئولية والالتزام بتوجهات الدولة.
كما أن النظام مطالب بتحديد خطه السياسى فلا يكون الخط السياسى مجرد عملية اجتهادية أو رد فعل لحوادث عارضة وإنما يجب أن يكون عملية تخطيط علمى للأهداف الرئيسية وبعيدة المدى. فالخط السياسى يتطلب تحديد الأهداف بعيدة المدى والحيوية وتحديد القوى الاجتماعية وموقفها ودورها بشأن تلك الأهداف وتحديد أصحاب المصلحة الحقيقية الذين يمكن أن يؤيدوا النظام. يتعين على النظام تحديد القوى الحليفة له والتى يمكن أن يعتمد عليها ويتحالف معها بعد أن صار من المتوقع أن يؤدى إلغاء الدعم إلى تجنيب شريحة مهمة مؤيدة للنظام.
لقد أهملنا تربية الكوادر وحشد الجماهير وتثوير المجتمع وفئات الشعب وتركناهم للّاثقافة وللّاوعى. أهملنا تحليل فئات شباب الألتراس ومعرفة هل هم عاطلون، هل هم طلاب جامعيون، هل هم خريجون، ماذا يريدون؟ علينا أن نعيد التجنيد لكل الشباب وأن نعيد المدارس العسكرية لتربية شباب منضبط وعلينا أن نثقف مجندينا لكى يكونوا مواطنين صالحين بعد خروجهم من أداء الخدمة العسكرية.
إن العمل السياسى يقتضى ضرورة التحام القيادة بالقاعدة وأشد ما يضر بالعمل السياسى انعزال القيادة وتعاليها على قواعدها. كما يجب الابتعاد فى العمل السياسى عن الأسلوب المظهرى والمبالغة فى إظهار نتائج وادعاء إنجازات وهمية واختلاق أشكال ومسميات ورقية لا سند لها وبث شعارات تخلو من جوهر الأداء المسئول.