لا أجد ادنى مبرر للتجاوز فيما هو معروف من الدين ومثبت فى آيات القرآن سوى ان من يتحدث فيما ليس له فيه علم او فقه.. جاهل والآية الكريمة تخبرنا كيف نتعامل مع هذه الفئة التى اصابها شطط فكرى تحت مسمى حرية الرأى وان شئنا حرية الجهل و«اعرض عن الجاهلين».
المشكلة الأكبر ليست شطط بعض من يظنون أنهم مجددون للخطاب الدينى وإنما ما يعقب ذلك من ثرثرة من فئات أخرى هم على شاكلة من تجاوزوا فى حق نص أو حديث متواتر وبخطأ مملوء بالعنجهية والتفاهة فى حق الائمة الاربعة الذين اجتهدوا فى الشرح والتفسير وبيان احكام لمواقف حياتية من وحى القرآن والسنة وهؤلاء لم يكن اختلافهم يمس أصل نص أو جوهر حديث شريف وانما كان يعكس قراءة مرنة وواعية لظروف تغير المواقف الحياتية بتغير الزمان والمكان حتى صار لدى العامة المعنى الذى نردده جميعا.. فى اختلافهم رحمة.
فمثلا الائمة الثلاثة مالك والشافعى وابن حنبل لم يعترفوا بزواج البكر دون ولى وأقر ابوحنيفة الزواج من غير ولى وها نحن نرى الان الكثير من حالات الزواج العرفى الذى يعقد بدون ولى ومن هنا الكثير منا يذكر اجتهاده بالكلمة الطيبة.. رحم الله اباحنيفة ليتنا نحتذى بسلوك وفكر الائمة الاربعة الذين قدموا لنا فكرا مجددا فى زمانهم يتفق مع طبيعة وظروف الاوطان التى نشأوا فيها والأهم اننا لم نسمع ان احدا منهم لعن الاخر او سبه بل كان هناك اختلاف واحترام ونقاش وحوار من اجل صالح الناس جميعا.
اما الان فنحن ما زلنا نجدّ فى البحث عمن يقوم بتجديد الخطاب الدينى خاصة بعد انتشار أئمة التطرف والجماعات المتشددة وهروب الشباب من نار البطالة والفقر إلى نار الإرهاب ولا نجد سوى معركة بين المؤسسات الدينية واصحاب رايات حرية الفكر والابداع وليتها معركة افكار تخرج بنا إلى آفاق فكرية أرحب مثلما فعل الائمة الاربعة ومن جاء بعدهم من المجددين فى كل عصر ليجد الناس إجابات على تساؤلاتهم الحياتية من أكثر من مصدر بل هى معركة بين ما هو ثابت وبين ما هو جاهل.. معركة بين ما هو معروف وبين ما هو مدعى المعرفة.. انها معركة بين مؤسسات دينية فقدت بعضاً من الثقة فيها عبر أزمنة وبين مفهوم حرية الابداع وكأن الدين يرفض معنى الابداع.
أليس هذا فلاحا وابداعا يا من ترفعون راية الابداع ظاهرياً وحين ندقق لا نرى إلا رايات التجاوز والوقاحة.
اننا نعيش حالة من الثرثرة عند كل حدث وتزداد كلما ارتبط الحدث بالدين ويجدها الإعلام والفضائيات مادة خصبة لجذب المشاهدين وعرض وجهة نظر هنا ووجهة نظر هناك وتشتد المناقشات حتى تصل الى دروب القضاء.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل يمتد إلى ما بعد صدور احكام قضائية حيث تعود الثرثرة مرة اخرى لانتقاد هذه الأحكام ويذرف البعض الدموع على ضياع حرية الرأى والإبداع وكبت انطلاق التفكير لتقديم خطاب دينى مجدد حتى ولو كان على حساب إنكار الثابت من الدين حتى وان تجاوز البعض فى وصف خليل الرحمن بأنه «شيخ صالح» وطعن فى رؤيا أبى الانبياء وإن تجاوز البعض الآخر فى حق علماء الإسلام وأئمته.
إنها ثرثرة فوق الحدود وليتها تكون حوارات بين متخصصين من أجل إفادة الناس فى التفرقة بين الغث والسمين وأدراك المقاصد التى يبحث عنها الناس فيما يمرون به فى حياتهم.