هكـذا تحــدث الفـائز بنوبــل
هكـذا تحــدث الفـائز بنوبــل
السبت، 09 أكتوبر 2021 - 03:00 م
حوار: صالحة حداد - ترجمة: عبد الرحيم يوسف
عبد الرزاق قرنح مؤلف له تسع روايات: «ذاكرة الرحيل»، «طريق الحجيج»، «دوتي»، «الفردوس» (وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر وجائزة ويتبريد)، «الإعجاب بالصمت»، «على شاطئ البحر» (وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر والقائمة القصيرة لجائزة كتاب لوس أنجلوس تايمز)، «الهجران» (القائمة القصيرة لجائزة كُتاب الكومنولث) «الهدية الأخيرة»، «قلب الحصى». عمل أستاذا للغة الإنجليزية فى جامعة كِنت، وكان أحد محكمى جائزة مان بوكر فى عام 2016. ويعيش فى كانتربيري.
أهلا بك، أشكرك كثيرا على وقتك فى الرد على أسئلتي.بالنسبة لى كانت «حيوات أخرى» رواية آسرة وكاشفة بما تحكيه من قصص متعددة الأجيال، وبالسياقات التاريخية والاجتماعية التى تشكل خلفية لها.كنت محظوظةبقراءة العديد من الروايات التاريخية لكُتاب أفارقة مثل «ما بعد الحياة» هذا العام، وبدا كل كتاب قرأته أشبه بخبرة فريدة تعلمت منها الكثير عن تواريخ البلاد الافريقية أكثر مما أعرفه عن بلدى الجزائر. لماذا تتعادل أهمية حكى القصص التاريخية مع حكى القصص الحاضرة، خاصة فى سياق الأدب الافريقي؟
أحيانًا يمكن للكتابة عن لحظة تاريخية أن تكثف فهمنا لحدث أو زمن نعرفه فى إطاره الخارجى أو كواقعة بسيطة. وأنا لا أعتقد ان الفترة الزمنية التى تدور فيها أحداث القصة مهمة فعلا فى نهاية الأمر، سواء فى الكتابة عن الماضى أو الحاضر، بقدر ما تكمن الأهمية فى الموضوع ومعالجته.
تغطى الرواية زمنًا تاريخيًا طويلا من فترة الاحتلال الألمانى إلى الاستقلال. أى نوع من الأبحاث قمت به لتبعث هذه الفترة الطويلة من الزمن إلى الحياة فى عملك؟ وهل كان هذا شبيها بعملية بحث إلياس فى نهاية رواية حيوات أخرى؟
موقع أحداث الرواية ليس بعيدًا عن المكان الذى ولدت فيه، ولقد شببت مع قصص الحرب والأزمنة. لذلك كان لديّ فى المقام الأول بعض الخبرات الشخصية لتمدنى بالمعلومات عن الموضوع. ثم كان اللقاء مع الكولونيالية الأوروبية جانبًا مركزيًا من تدريسى وبحثي. قمت ببعض القراءات المركزة حول شرق أفريقيا الألمانى عززت فهمى لهذه الفترة، لكن على عكس إلياس لم يكن عليّ أن أتردد على الأرشيفات أو أجرى مقابلات شخصية مع الناس.
«ما بعد الحياة» هى قصة متعددة الأجيال، حيث تعيش شخصيات كثيرة فى ظل نفس الظروف القاسية للاستعمار والحرب والفقد والحرمان. ومع ذلك، كل شخصية فريدة ولديها آراء وأفعال وردود أفعال مختلفة صوب هذه الظروف. هل اعتمدت أى من الشخصيات على أشخاص حقيقيين؟ وأى شخصية كانت الأصعب فى إعادة بنائها أو تخيلها؟
لا توجد أى شخصية قائمة على أشخاص حقيقيين. تضاف شذرة من شخص هنا على شذرة من شخص هناك، أو من شخص متخيَل تمامًا بهدف خلق شخصية تدور فى ذهني. ولأنى أعيش مع هذه الشخصيات لشهور أو سنوات طويلة أثناء عملية الكتابة، تكتسب هذه الشخصيات صلابة أو واقعية قائمة بذاتها. وبمجرد انطلاقها تبنى نفسها، إذا جاز القول.
هناك شخصيات نسائية فاتنة ومعقدة فى الرواية؛ مثل آشا وعفية، بالرغم من حقيقة أن النساء فى تلك الفترة التى تدور فيها الرواية كن فى الغالب يتعرضن للتجاهل فى مجتمعهن أو كان يُنظر إليهن على أنهن صالحات فقط للبيت والزواج. أحسست أنها كانت شهادة على أن هذا النوع من الشخصيات النسائية يمكن كتابته جيدا فى قصة حتى لو كانت تقع فى أزمنة مختلفة تماما عن زمننا. هل تعتقد أنه لم يعد بمقدور الكُتاب اليوم أن يختلقوا أعذارا ويكتبوا عن شخصيات نسائية بسيطة أو أقليات بلا سلطة فقط بسبب الإطار الزمنى الذى تدور فيه القصة؟
لم يبدُ لي، من واقع خبرتي، أن النساء يتعرضن للتجاهل كموضوعات للكتابة. لكن هناك نقطة هامة فى رؤية أنهن كن أحيانا يُمَثلن كشخصيات دون قوة أو طموح، وفى أحيان أخرى كان يجرى أسطرتهن كشخصيات ذات قوة غير واقعية. يعود الأمر إلى القارئ بالطبع فى تلقى أو رفض جهود الكاتب، أيا كانت الأعذار التى تصاحبها.
تلمس روايتك الكثير من الموضوعات الحساسة التى يمكن أن تثير إزعاج القراء، مثل قرارات وأفعال إلياس (شقيق عفية)،حين يقرر إلياس الانضمام إلى (العسكري) رغم معارضة واحتجاجات صديقه خليفة كى يحارب إلى جانب الألمان، ونعرف أنه أراد عودة المستوطنات قرب نهاية الرواية. مع معرفتنا للدوافع الكامنة خلف أفعال إلياس وآرائه -حيث شب مع الألمان- هل تمثل هذه الدوافع عذرًا كافيًا لتعاونه وقبوله للمستعمرين؟ وهل كان كشفك التام لدوافعه دعوة للقراء ربما ليروا الأشخاص الحقيقيين مثله من منظور أكثر دقة؟
نعرف أن أغلب الجنود الذين حاربوا فى هذا الصراع كانوا أفارقة، بعضهم من أهل البلد وبعضهم من بلاد أبعد. تطوعوا ليحاربوا كمرتزقة إمبرياليين، ضد أفارقة آخرين. كانت لديهم أسبابهم للالتحاق بهذه المعركة: العمل المأجور، حظوة الارتباط بالسلطة، المغامرة. من موقعنا فى التاريخ قد يبدو هذا الارتباط غير مفهوم؛ لكنه سيكون أقل غموضًا لو نظرنا إلى السياق. لا فائدة من الكتابة عن حادثة تاريخية مثل هذه دون التعاطف أو الفهم لدوافع فاعليها.
موضوع المرض حاضر على نطاق واسع فى رواية «ما بعد الحياة» منذ البداية ذاتها. تصف كتابتك بتمكن ما يعنيه أن تكون مريضًا بطريقة قوية لدرجة أنى استطعت الشعور بالألم الذى تعانى منه الشخصيات. هذا المقطع بالتحديد عن والد خليفة لفت انتباهي: «وقف خليفة لبرهة ينظر إليه، نحيلا ومنكمشا للغاية فى موته بينما كان قويا جدا وأشبه ببطل فى حياته». نرى فى هذه الكلمات القليلة كل ما يمكن أن يصنعه مرض ما بشخص مهما كان قويًا من قبل. هل ميلك لوصف المرض بهذا الأسلوب القوى إثبات لهشاشة الحياة البشرية؟ وكيف يتصل هذا الموضوع على نحو خاص بعنوان روايتك؟
ميلى للكتابة عن الأمراض فى ذلك الزمن هو لتأمل تفشيها حينها، وفى الحقيقة لإظهار كم كان الناس ضعفاء فى مواجهة عواقبها. ليس فى العنوان إشارة إلى ذلك فحسب، لكنه يتصل بالأسلوب الذى يستعيد به الناس حياتهم بعد الصدمة.
للرواية موضوعاتها الجوهرية القاسية جدًا، لكن موضوع الحب حاضر أيضا بقوة. يبدو أن أغلب الشخصيات لها علاقة بالحب أو العاطفة، أو لديها حب ما تجاه مهنة معينة؛ مثل الحب بين عفية وحمزة، وحب إلياس لأخته عفية، وسعادة حمزة بالنجارة، وميل ابنه نحو حكى القصص. هل هذا هو ما يجعل شخصيات الرواية تستمر فى طريقها رغم مأزقها والوضع العالمي؟
إنه أحد الأشياء التى تجعل الناس تستمر فى طريقها: العاطفة والمودة الصغيرة التى نمدها نحو بعضنا البعض حتى فى أصعب الأوقات.
باعتبارك كاتبًا تنزانيًا مشهودًا له ومحتفى به وصاحب خبرة كبيرة، ما نصيحتك للكُتاب الجدد والصاعدين من مختلف البلاد الأفريقية؟
لا توجد أى نصيحة أعرفها غير الاستمرار فى الكتابة.
جرى هذا الحوار ما بين المملكة المتحدة والجزائر عن طريق البريد الإلكتروني. ونُشر فى يناير الماضى على موقع مجلة أفريكا إن ديالوج، وهى مجلة إلكترونية حوارية تؤرشف الرؤى الإبداعية والنقدية مع الحكائين البارزين فى أفريقيا.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة