سارة الذهبى
سارة الذهبى


يوميات الأخبار

زيارة بدون سابق إنذار

الأخبار

السبت، 09 أكتوبر 2021 - 07:13 م

 

يكتبها اليوم : د. سارة الذهبى

 

ودايماً كنت أقولها طالما ربنا سبحانه و تعالى أختارلك الابتلاء ده يبقى انتِ قدّها.. فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها

بتبدأ القصة غالبًا بالصدفة، بدون ألم ..
بتبدأ بزيارة عادية للدكتور اتعملت تحصيل حاصل عشان المريض رايح مش مِدّى خوانة!
قصة بتتكرر بسيناريوهات متشابهة و ممكن تكون أحيانًا متطابقة..
قصة وجعت قلوب أُسر كتير و شقلبت كيانها فى لحظة..
فجأة بيطِب زائر تقيل أوى من غير مواعيد على حد من أفراد العيلة و بيكلبش فيه بدون سابق إنذار و طبعًا كله مقدّر و مكتوب..
انهارده هكتب كلام عشت تفاصيله يوم بيوم مع أغلى الحبايب (أمى الله يرحمها) وفى وسط كلامى هتلاقوا قصة أمى البطلة الغالية شبه قصص ناس كتير عاشوا مع مريض سرطان أو هما نفسهم مرضى و ربنا يعافى الجميع…
هدف الكلام مش تخويف قد ما هدفه التوعية بمرض تفشى بيننا و لسه مفيش وعى كافى للتعامل مع المرض و لا مع المريض و لا مع المحيطين بيه و بيراعوه..
مرض الناس بتخاف تقول اسمه فتخيلوا رعبهم و هما بيتعاملوا معاه والرعب ده لوحده من أهم أسباب تأخر الاستجابة للعلاج..
مشكلة المرض ده انه غالباً مسبباته نفسية بحتة..
لو تابعت حالات مختلفة هتلاقى القاسم المشترك بينهم انهم عاشوا فترة صعبة؛ حزنوا فيها جامد وشالوا فوق طاقتهم أو اتعرضوا لأزمة هزّتهم فى حياتهم زلزلت جهاز المناعة و خلته مش قادر يقوم بوظيفته و يقاوم ..
عشان كده أول نصيحة بقولها لكم من على لسان أمى رحمة الله عليها (بلاش الحزن..الزعل بينهش فى الجسم و بياكل فى الصحة و مش بنحس بالعواقب إلا بعد فوات الأوان) … (بلاش شيل الهم وإننا نقدّر البلا قبل وقوعه لأن كله بلاء بينزله ربنا سبحانه و تعالى بينزّل معاه اللطف عشان نقدر نتجاوز بيه البلاء فلما نستحضر البلاء قبل وقوعه يبقى حرمنا نفسنا من لطف ربنا و عشنا هَم لسه مجاش أوانه أو يمكن ميجيش أصلًا…)
مريض السرطان أول ما بيعرف تشخيص مرضه بيحس انه تايه، مرعوب، ضايع مش قادر يستوعب المرض و لا الدايرة اللى هيدخل فيها من لف على دكاترة عشان ربنا يكرمه ويلاقى دكتور يخاف ربنا مش سفاح بتاع بيزنس، ده غير جدول جرعات الكيماوى أو الإشعاع، غير الأعراض الجانبية للجرعات فأرجوكم لو انتوا أشخاص مش بتقدر تحس بغيرها التزموا الصمت..
كده كده مبيحسش بالنار إلا اللى كابشها بس فى ناس معندهمش ملَكة التعاطف و الإحساس بالغير فتلاقيهم فى موقف زى ده بيتفّهوا من المرض فى محاولة منهم إنهم يهونوا على الشخص ده بس بتتفهم بالعكس و بتجيب نتايج سلبية!
زى جملة ما ترّوق يا عم.. ده نص الشعب عنده سرطان!
اللى بيقول الجملة دى فاكر انه بيهوّن على المريض بس فى الحقيقة هو بيستهتر و بيستخف بمرضه..
مريض السرطان سلاحه الأساسى نفسيته ؛ كنت كل ما أروح مع ماما الله يرحمها جلسة كان أهم حاجة أطمنها وأحسسها إنها قوية وإن كله هيعدّى لدرجة إن من كتر يا حبيبتى ما كانت بتتأثر بأى كلمة تشجيع كنت بكتبلها ورق على الحيطة و التلاجة و الدولاب مكتوب عليها (إنت بطلة حياتى..  شدى حيلك يا أميمة.. إنتِ أقوى من أى حاجة يا ست الكل.. كل مُر سيمُر) و كانت بتستمد طاقتها منهم كل يوم لحد آخر أيامها..
فى ناس ممكن تشوف ده شوية ورق أهبل ملوش قيمة بس عند أمى الله يرحمها كان بيشحنلها يومها بالكامل..
مريض السرطان بيحتاج الدعم اللى هو عايزه و بيطلبه منك مش اللى إنت بتقدمهوله من وجهة نظرك..
مش بيكون محتاج حكم ومواعظ بس محتاج طبطبة وتشجيع و احتواء ..
محتاج لما يحس انه ضعيف يلاقى حبايبه جنبه يغرقوه قوة وطاقة من غير ما يحس ان المرض عرّاه قدامهم ..
محتاج ان اللى يتواجد معاه يخدمه بحب مش تأدية واجب..
يقف جنبه من غير ما يزهق أو يتأفف من طلباته لأن هو من غير حاجة صعبان عليه نفسه  انه معتمد على غيره خصوصًا الشباب اللى لسه فى سن صغيرة و المرض هدّهم و حرمهم من عافيتهم..
أرجوكم ارحموا أى مريض و خصوصًا مريض السرطان، قلبى كان بيتقطّع و أنا بشوف أمهات و ستات رايحين بطولهم ياخدوا الجرعات و لما تسألهم عن ولادهم تلاقى عنيهم مليانة حزن و كسرة نفس و الجواب بيبان من حسرتهم و هما بيدوروا على مبررات و أعذار بيداروا بيها وحدتهم فى مرضهم!
بلاش مهما طالت مدة العلاج خُلقكوا يضيق و تبقوا بترموا رعاية المريض بينكم و بين بعض و بتتهربوا منها كأن اللى تعبان ده ميفرقلكوش فى حاجة..
ياما شوفت أبناء بيخترعوا أعذار خايبة عشان ميخدموش أهاليهم، ولاد بيلبّسوا أهلهم حفاضات للكبار عشان يريحوا دماغهم و ميساعدوهمش فى دخول الحمام مع إنهم بالمساعدة مش هيحتاجوا يلبسوه.. بيكسلوا يلفولهم على أدويتهم ويسترخصوا فى العلاج و هما معاهم اللى يكفى ويفيض!
ولاد بيعزموا على أبوهم و أمهم عزومة مراكبية بدل ما يخدموهم و يقعدوا تحت رجليهم..
ولاد بيوفروا فلوس جرعات الكيماوى و الإشعاع عشان الحالة صعبة فخسارة يرموا فلوس على الأرض فى حالة على حد قولهم «بتودّع» !
مريض السرطان محتاج الدعم المطلق الغير مشروط..
محتاج حب واحتواء و حد يطمن و يطبطب و يحايل..
حد ميزهقش من أعراض الترجيع و قلبان البطن و الشعر اللى بيقع .. والضعف العام و اختلاف الملامح..
حد متفهم يعنى ايه سرطان..
فى نقطة غايبة عن كتير فى مجتمعنا وهى دعم أهل المريض نفسه و احتواؤهم هم كمان ومراعاة ظروفهم ..
فى أوروبا لازم مريض السرطان واللى بيراعوه يروحه لأخصائى نفسى عشان يدعمهم و يساعدهم يتجاوزوا الفترة دى ويخرجوا الشحنة السلبية اللى جواهم أول بأول لكن للأسف هنا فى مجتمعنا مفيش لسه الثقافة دى و قليل اللى بيقدّر ظروف أسرة فيها مريض سرطان و ان حياتهم اتشقلبت فجأة و بيتعاملوا معاهم كأنه دور انفلونزا وبيطالبوهم يتعاملوا عادى !
كان فى محاربة سرطان كاتبة على صفحتها على الفيس بوك إنها بعد ما اتعرضت لأزمة فى حياتها و بعدها حزنت جامد اكتشفت إن عندها سرطان فى مرحلته الثالثة و انها حزينة مش عشان مرضها بالعكس ده ابتلاء و هتؤجر عليه ان شاء الله ، لكن حزنها كان على السبب اللى وصلها لكده؛ قد ايه هو تافه و ميستاهلش انها تمرض بسببه..
ليه نغرس ونغوص فى الحزن لدرجة اننا نأذى جسمنا وروحنا تدبل.. البنت بتقول يسوى ايه اللى زعلنى قصاد جلسة كيماوى بتدخل جسمى أو اشعاع بيهدّني.. و ختمت كلامها بإن مفيش حد بيتعلم ببلاش.
ارجوكم حبّوا نفسكم و اوعوا تيجوا عليها و اوعوا تستهتروا بالحزن اللى لو تمكّن مننا بيفتح قمقم الأمراض وبيخلق مشاكل صحية بالكوم مكانتش موجودة من الأساس..
كتير بنسأل نفسنا أمراض المناعة زادت أوى كده ليه فى الزمن ده و انتشرت بين الشباب؟
ليه مستشفيات الأورام مليانة على آخرها؟
ليه عيادات دكاترة الاكتئاب بقت بالحجز؟
كل ده من الضغط النفسى و العصبى و الزمن اللى عايشين فيه اللى مليان ابتلاءات و صعوبات..
رتم الحياة السريع أوى بيجيب أمراض..
ضغوطات الحياة المادية اللى مبتخلصش بتجيب أمراض..
الخلافات الأسرية و الطلاق اللى بقينا بنسمعه كل لحظة بيجيب أمراض..
عقوق الأولاد و قسوتهم بيجيب أمراض و قسوة الأهالى على ولادهم بتجيب أمراض..
بس أكتر حاجة تطمن فى أى ابتلاء انه رفعه للدرجات العلى و أن ربنا سبحانه و تعالى أرحم الراحمين بعباده و مخلقناش علشان يعذبنا و لكن الابتلاء ده للتهذيب وعشان نقابل ربنا وصفحتنا بيضا ..
الابتلاء أصله محبة و قرب من ربنا..
فى مقولة بحبها جدًا و كنت بقولها لأمى الله يرحمها (إن الله يعطى أصعب المعارك لأقوى جنوده)
ودايماً كنت أقولها طالما ربنا سبحانه و تعالى أختارلك الابتلاء ده يبقى انتِ قدّها.. فلا يكلف الله نفسًا الا وسعها…
و كفاية ان جزاء المبتلين بالسرطان الشهادة بإذن الله ..
ماما الله يرحمها كانت علطول تقولى انا هصبر عشان عايزة أجيب فى الامتحان ده عشرة من عشرة..
كانت بتصبر على ألم لا يعلمه الا الله..
كانت بتشرب بوء المياه بالعافية و هى بتعصر فى فوطة بإيدها.. كانت بتاكل معلقة الشوربة بالدموع..
كانت بتطلع من الجلسات مش قادرة تتحمل الوجع لدرجة ان أقراص المورفين كان تأثيرها عليها معدوم.
كنت بطحنلها اقراص المورفين و ادّوبهم فى معلقة زبادى و تقعد تاكل فى المعلقة دى ساعة من كتر تعبها..
كل مريض بطل و كل مريض سرطان بالأخص بطل ..
يمكن عشان أنا عشت القصة مع أمى و عاصرت مرضها فانا متفهمة جدًا التعب و الألم اللى بيمروا بيه..
اللى بيصبّر قلوبنا ان المريض اللى بيتعالج ربنا بيرفعه درجات و كفاية انه بإذن الله بيكون من الصابرين و يا بخت الصابرين بجزائهم على صبرهم ..
قال تعالى : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) صدق الله العظيم
متزعلوش من الابتلاء.. بالعكس افرحوا ان ربنا اختاركم عشان يطهركم و يرفع درجاتكم .
ويقول النبى صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم حتى الشوكة يُشاكها، إلا كفرَّ الله بها من خطاياه) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ادعوا لكل مرضانا ربنا يعافيهم و يشفيهم و يعينهم على مرضهم و يرزقهم الصبر و ادعوا لكل شخص بيجالس مريض ان ربنا يباركله و يمده بالقوة عشان يقدر يكمل دوره بحب ولوجه الله..
و اسألكم الدعاء لأغلى الحبايب؛ لأمى و أبى رحمهما الله و كل أمواتنا أجمعين...
و دمتم فى صحة و عافية و ستر.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة