أعلم أنه قرار مهم ولا أنكر أننا بأمس الحاجة للعملة الصعبة، وأن هناك ملايين الغلابة الذين يبحثون عن لقمة العيش بعيدا عن سلع الأغنياء.. ولكن من يضمن أن رفع الجمارك علي 600 سلعة لن يؤثر علي الغلابة أيضا ومتوسطي الحال ومن يضمن أن يتحمل الأغنياء فقط الفاتورة.. نعلم جميعا أن هذه الإجراءات تأتي في إطار سعي الحكومة للتوافق مع البنك الدولي للحصول علي القرض، بالإضافة إلي خفض فاتورة استهلاك الدولار الذي ارتفعت أسعاره بصورة جنونية، ولكن هذه السلع تشمل أيضا سلعا أساسية وليست ترفيهية.. كما أن هذا القرار ضد الصناعة المصرية وليس لحمايتها.. فهو يعيدنا إلي احتكار المنتج المصري والذي سيصبح سيد الموقف فينتج سلعا «مضروبة» ويقوم بتسويق «سلعه الراكدة».. ولن يحمينا منه لا قانون ولا رقابة.. فهو يتحايل علي القانون وعلي الرقابة.. ويفعل بالسوق ما يريد، وهو ما عشناه عندما حاولنا حماية صناعة الملابس المصرية في الثمانينيات ومنعنا الاستيراد فكانت النتيجة أن صناعة الملابس أصبحت الطفل المدلل وازدادت تدهورا وارتفعت أسعارها بشكل مبالغ فيه.. ولم تقم لها قائمة إلا بعد أن تم فتح باب الاستيراد فحاول المصري منافسة المستورد.
أعتقد أن هذا القرار سيجعل الغني يزداد غني بينما الفقير يزداد فقرا.. أيضا سيجعلنا فريسة للتهريب والمهربين.. فقرار رفع التعريفة الجمركية علي سلع مثل الأدوات الكهربائية وأدوات المنزل، وبعض السلع الغذائية وأنواع من الصابون، ومزيلات العرق.. ظلم للطبقة الوسطي وزيادة لمعاناتها، وسيؤدي إلي ارتفاع كل الأسعار سواء المحلي أو المستورد، وزيادة أعباء الشباب المقبل علي الزواج، كما سيؤثر علي مجالات عديدة مثل الفنادق وشركات السياحة وعلي مستوي النظافة الشخصية للمواطنين، حيث إن 40٪ من المرتبات أقل من المستوي المطلوب للمعيشة الآدمية وهذا ينعكس بالطبع علي النظافة الشخصية التي نشعر بها وبمأساتها خاصة في أيام الصيف ذات درجات الحرارة العالية، وستزيد هذه الصورة بشاعة بعد ارتفاع الأسعار.
كنت أتمني لو بدأنا الإصلاح وتوفير النقود بمكافحة الفساد وإعادة الكرامة للمواطن خاصة في الهيئات الخدمية فمن منا لا يكتوي بنيران الأتاوة في أي مصلحة؟ ومن منا لم يدفع بسخاء مقابل تخليص أوراق بسيطة؟ ألا تخالف هذه القرارات الاتفاقيات الدولية وأليس من حق الدول الأخري اتخاذ نفس الإجراءات علي وارداتها من المنتجات المصرية، التي لن تستطيع الصمود ولا المنافسة فنحن لا نملك منتجا يتمتع بميزة تنافسية؟..
الغرض نبيل ولكن الرحمة مطلوبة.