هالة فؤاد
فضفضة
الهــروب بالحــب
الثلاثاء، 12 أكتوبر 2021 - 10:17 ص
هالة فؤاد
مثل عربة فى ملاهٍ طائشة تتأرجح بنا الدنيا.. ترفعنا وأحلامنا للسماء ثم تهبط بنا بسرعة.. تطوحنا يمينا ثم يسارا بعنف.. غير عابئة بصراخنا وماذا يخفى وراءه ؟ بهجة أم المال.. خوفا أم ضيقا أم حزنا. لايهمها حالنا ولاقدرتنا على التحمل. وليس لنا خيار سوى الاستمرار فلا نملك قرار التوقف.. فى لعبة الحياة لامكان لأصحاب القلوب الضعيفة.
ويبدو أننى واحد من هؤلاء.. عرف قلبى الحب فبات موصوما بالضعف.. فأصبحت ضحية لعبة الحياة التى لا ترحم.. فى عربتها الطائشة صرخت فرحا عندما دق قلبى بالحب لم أكن أدرى أن صرخات أخرى ستعرف طريقها لنفسى يمتزج فيها الألم بالضيق بالحزن وتضيع.. معها كل معالم ضحكة ارتسمت يوما ظننت فيه أنى امتلكت مفتاح السعادة.
أتذكر ذلك اليوم جيدا.. تفاصيله مرسومة فى عقلى.. عندما رأيتها لأول مرة فى حفل خطوبة شقيقتى فلم يجمعنى بها لقاء من قبل لظروف عملى بالخارج التى منعتنى من التعرف على خطيب شقيقتى وأهلى قبل يوم الخطوبة ، ملكت قلبى من أول نظرة.. بجمالها الهادئ ورقتها وعذوبة حديثها.. لم أكن وحدى من انجذب إليها فكل عائلتى تعلقت بها.. وكانت أختى أول من لاحظ إعجابى بها.. يبدو أن تعلقى بها كان أكبر بكثير من قدرتى على التكتم والإخفاء. فضحتنى عيونى.. وقرأتها شقيقتى بسرعة فترجمتها نظراتها برسالة لم يكن من الصعب فهمها. بعد انتهاء الحفل لم يشغل شقيقتى سوى الحديث عن إعجابى بشقيقة خطيبها.. طارت من الفرحة وتمنت أن أتقدم لخطبة تلك الفتاة سريعا لكنى آثرت التريث لأتعرف أكثر عليها وطلبت منها مساعدتى فى ذلك خلال ما تبقى لى من أيام أقضيها بينهم. لم تتردد أختى وتفننت فى اختلاق المبررات والحجج التى تجمعنى بشقيقة خطيبها.. تأكدت أن تعلقى بها من أول نظرة كان شعورا طبيعيا فهى تجمع كل الصفات التى طالما حلمت بها، جميلة هادئة، مثقفة، شخصية مستقلة، حنونة وقوية، تجمع كثيرا من الصفات التى قل ما تجتمع فى فتاة فى مثل عمرها.
اعترفت لها بحبى بعد شهر من اللقاءات التى للأسف لم تطل بسبب ظروف سفرى.. وإن ظل تواصلنا عبر الهاتف ليقطع بعد المسافات ويقلل حجم اللهفة والحنين والحلم أن تمضى أيام الغربة سريعا لنعلن الارتباط الرسمى..
مرت الايام سريعة.. التقينا فى حفل زفاف شقيقتى وشقيقها.. لم تكن أجواء الحفل تسير كما توقعت أو تمنيت.. كان هناك شيء ما تخفيه الملابس الأنيقة وصخب الموسيقى ، حتى ابتسامة العروس ونظرات العريس كانت تخفى وراءها شعور ما يمنع اكتمال تلك الفرحة التى تنطق بها وجوه العرسان فى ذلك اليوم.
تذكرت تفاصيل الأسابيع الأخيرة قبل موعد الزفاف، وحكايات ذكرتها أمى وأعادتها شقيقتى ورددها أبى فى مكالمات عديدة دارت بيننا حملت كلها ضيقا من تصرفات ومواقف أهل العريس، وكادت تؤدى لعدم إتمام الزواج لكن النصيب كما يقولون أو لعل تمسك شقيقتى وخطيبها كل منهما بالآخر حال دون إفشال عرسهما بتفاصيل مادية بغيضة.
رغم نجاحهما فى اجتياز صدامات النفوس المضطربة والمتربصة قبل يوم الزفاف إلا أنه كان من الواضح أنها تركت آثارها على الوجوه فسرقت قدرا من الفرحة لم تكن خافية على أحد.
ظننت أن الحياة ستسير للأفضل بعد إتمام الزواج، لكن يبدو أن النفوس المشتعلة بالغضب من قبل العائلتين لم تكتف بما جرى ولم تكن من الحكمة والذكاء والأثرة فى أن تحجب تلك المشاعر على الزوجين حتى فى أيام زواجهما الأولى ، كلمة من هنا وأخرى من هناك، موقف سخيف من هنا ورد أسخف من هناك.. لم تفلح الأيام بل السنوات فى إطفاء شعلة الغضب وتحول بيت أختى لجحيم هدد أكثر من مرة بخرابه حتى وقع أخيرا الطلاق.
لم أتوقع أن يحدث ذلك وراهنت على مرور السنوات لتحمل معها قدرا من الهدوء والصفاء وتهدئ ثورة الغضب المشتعلة دون أسباب منطقية فقط يؤججها العناد وضعف العقول.
ظننت وفتاتى أننا قادران على اجتياز تلك العلاقة العدائية التى صارت عليها الأسرتان، حاولت من جانبى إعادة الصفاء لتلك العلاقة وحاولت من جانبها ذلك وتوهمنا النجاح حينا وكدنا نستسلم للواقع الأليم أحيانا، حتى وقع الطلاق بين شقيقتى وزوجها.
رغم حزنى على ما حدث لشقيقتى إلا أننى مازلت متعلقا بحب تلك الفتاة لا أرى أن لها ذنبا فيما حدث ولاذنب لى أيضا.. فاللوم والذنب يقع على الأسرتين هما وحدهما من يتحملان نتيجة تلك المكائد التافهة التى لم ينتج عنها سوى تحطيم بيت وتفريق زوجين جمعتهما يوما مشاعر حب قوية وإن كنت أحملهما أيضا قدرا من المسئولية لفشلهما فى منع وصول الخلافات لبيتهما وعدم التحكم بالقدر الكافى فى تدخل الأسرتين فى حياتهما.
لكننى لست كشقيقتى وفتاتى تختلف عن أخيها.. نستطيع أن نعيش باستقلالية ولن نسمح أن تتكرر تفاصيل تلك المشاكل المفتعلة ولن نترك آذاننا تصغى لتلك الترهات التى يكمن فيها كل الشرور والخراب، ويكفى أننا سنعيش بعيدا عن أسرتينا بحكم عملى فى الخارج.
هكذا توهمت وانتقلت عدوى توهماتى لفتاتى ولم نفق إلا بعاصفة مدوية من أسرتينا ترفض كل منهما بقوة إتمام تلك الزيجة.. مازلت مصرا على المحاولة رغم شعورى أن بوادر اليأس بدأت فى التسلل لنفس فتاتى.
لا أعرف إن كانت قد استسلمت بسهولة أم أن علاقتنا مهددة بالفشل ومن العبث توهم الاستمرار فيها فلن نكون أكثر حظا ممن سبقونا حتى وإن تمنينا العكس ؟
لصاحب هذه الحكاية أقول:
يقولون وبصدق أن علاقة النسب تشبه الماء لو تعكرت لاتصفو أبدا ، لن تفلح الاستعانة بفلتر الزمن لينقيها.. وإلا كان من السهل على شقيقتك وزوجها الاستمرار وعدم هدم حياتهما.. للأسف كل عوامل الفشل تتربص بتلك العلاقة ولن تنجح محاولتك الهروب بحبك بعيدا عن تلك النفوس المشحونة بالكراهية من حماية ذلك الحب، ستطاردك لعنات تلك النفوس فى كل زيارة للأهل، فى كل مكالمة تليفون فى كل مناسبة.. لن تستطيع الهرب من سيل الحصار ولن تنجو من تبعات تلك العلاقة التى سممت نفوس الأسرتين.. هذا بفرض نجاحك فى إتمام تلك الزيجة من الأساس.. حلمك للأسف مسكون بالكوابيس لن تصحو منها سليما معافى ولن تبرأ من تبعاتها مهما حاولت، لم تستسلم فتاتك لليأس لكنها قرأت الواقع بشكل عقلانى فاستوعبت الحكمة الكامنة بين سطوره.
ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.. حياتنا لا تخلو من تجارب مريرة لكنها أبدا لاتتوقف وبعد محنتنا تأتى المنحة وهكذا عودتنا الدنيا فى لعبتها الطائشة كما صفت وليس بيدنا قرار التوقف كما قلت لكن بيدنا أن نعاند ونعافر مهما كانت بشاعة ابتلاءات الحياة.