كلاهما نادي بالشفافية والعدل.. وكلاهما لم يلتزم بهما.. فغابت الحقيقة.. وتاه الفساد في دروب الهوي وتصفية الحسابات.. والثمن يدفعه الشعب.

منذ أيام.. وتحديدا الثلاثاء ١٢ يناير.. أعلنت لجنة تقصي الحقائق تقريرها حول ما صرح به المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات.. بأن فاتورة الفساد بلغت ٦٤٩ مليار جنيه.
وبعيدا عن المزايدات والانفعالات.. وبشيء من الهدوء.. أورد عددا من الملاحظات حول تصريحات جنينة وما أعلنته اللجنة.. اضعها أمامكم حتي نحكم علي الأمور ببصر وبصيرة.. وبعقيدة مستنيرة.
ونبدأ بتصريحات جنينة.. والتي غاب عنها تفاصيل دقيقة وأمور كان يجب ذكرها.
إن ما صرح به حول فاتورة الفساد كانت نتاج أعمال فحص قامت بها إدارات الجهاز لميزانيات وحسابات جهات حكومية عن سنوات سابقة.. إلا أن التقرير بشأنها صدر عام ٢٠١٥.
إن كثيرا مما جاء بالتقرير كانت ملاحظات سابقة للجهاز، ويتم ترحيلها من عام إلي آخر، لعدم قيام الجهات الحكومية بازالة أسباب هذه الملاحظات في حينها.
إن مبلغ ٦٤٩ مليار جنيه عبارة عن مستحقات الدولة من ديون علي بعض الهيئات العامة والاقتصادية وشركات القطاع العام وقطاع الأعمال والضرائب والاتصالات والكهرباء والتخطيط العمراني وبعض رجال الأعمال.
إن هذه المخالفات - وفقا للعرف المحاسبي - تنتج عن عدم تطبيق القانون.. وتقاعس الجهات الإدارية.. وعدم توريد فوائض الهيئات الاقتصادية وحصة ارباح شركات قطاع الأعمال العام وعدم سداد بعض البنوك حصة الدولة من الارباح.
كان يجب علي المستشار جنينة أن يفرق بين المخالفة وبين الفساد المتعارف عليه.. وهو كما يأتي علي الاذهان، الاستيلاء علي المال العام.. وتسهيل الاستيلاء عليه.. مثل تخصيص أراض لرجال أعمال بأسعار أقل من سعرها.. كما حدث في قضايا الفساد التي نظرتها المحاكم عقب ثورة يناير.
إن الشفافية كانت تستوجب علي المستشار جنينة ان يوضح هذا اللبس.
أما لجنة تقصي الحقائق اخذت علي عاتقها تفنيد هذا المبلغ.. وكان دورها الوصول إلي حقيقة ما هو مخالفة وما هو فساد حقيقي.
اللجنة بالفعل وفقا لما نُشر واذيع قامت بتفنيد ما يزيد علي ٣٠٠ مليار جنيه منها ١٧٤ مليار جنيه تعديات بمدينة السادات جاءت في تقرير جنينة علي انها أموال مهدرة علي الرغم من ازالة أجهزة الدولة لتلك التعديات بالكامل العام الماضي.. ولم تذكر اللجنة هل كانت الازالة قبل صدور تقرير جنينة أم عقب صدوره؟ بالاضافة إلي مبلغ ١٣٤٫٦٤ مليار جنيه ناتجة عن عدم التزام هيئة المجتمعات العمرانية بتخصيص مساحة ٥ كيلو مترات حول كل مدينة كأرض للبناء مما عطل الاستفادة بقيمة تلك المساحات.
كما فندت اللجنة بعض المخالفات الاخري دون ذكر مبالغ.. منها تعد علي أرض الأوقاف منذ عشرينيات القرن الماض.. ودعم البنزين وتقسيط الشقق وزيادة المعاشات.
إلا أن اللجنة لم تذكر حجم الفساد الحقيقي.. وغاصت في وصف تصريحات رئيس الجهاز بالمضللة والباطلة والتي تفتقد للمصداقية.. بل انها فتشت في نواياه.. وانتهت اللجنة إلي أنها تلقت العديد من المراسلات والشكاوي من داخل الجهاز المركزي للمحاسبات حول سياسات ومقترحات تتعلق بغياب العدالة وعدم الشفافية.. ولا أعلم السبب الحقيقي من وراء ذكر ذلك في التقرير!
اخلص من ذلك ان جنينة ولجنة تقصي الحقائق غاب عن كليهما الشفافية والعدل.. ولم يعلم المواطن حتي الآن «فيه فساد ولا مافيش؟.. وحجمه ايه؟».
يجب مصارحة الشعب بتفاصيل تقرير جنينة، وتفاصيل تقرير لجنة تقصي الحقائق بشفافية.. حتي يستخلص وجه الحقيقة.. ويقدر بنفسه حجم الفساد الحقيقي دون لبس أو هوي.. ان غياب الشفافية فساد.. ارحمونا!
درس في الشفافية
بمناسبة غياب الشفافية.. صدر مؤخرا حكم تاريخي لمحكمة القضاء الإداري سطره المستشار الجليل يحيي دكروري نائب رئيس مجلس الدولة.. الحكم أكد ان مبدأ عمل السلطات الثلاث «التنفيذية- التشريعية - القضائية» هو العلانية.. لإشراك الشعب صاحب السيادة في أمور وطنه.. وأن الدستور جعل المعلومات والبيانات والاحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب.. والافصاح عنها حق تكفله الدولة وتلتزم بتوفيرها واتاحتها للمواطن بشفافية ليشكل المواطن رأيه في الشئون العامة علي هدي من نور الحقيقة.