أحد مشايخ الأزهر يعطى عظات للشباب من جنسيات مختلفة
أحد مشايخ الأزهر يعطى عظات للشباب من جنسيات مختلفة


سنوات الجمود فى مواجهة التنوير.. التطرف جاء مع «التأسلم المستورد»

الأخبار

الخميس، 14 أكتوبر 2021 - 07:53 م

 

أهل مصر انتهجوا إعمال العقل والابتعاد عن الجمود 

مؤامرات خارجية أشاعت الخرافة والفكر المسموم

عبد الصبور بدر

من المدينة المنورة إلى مصر انتقل الإسلام على يد الفاتح عمرو بن العاص، لتبدأ مرحلة جديدة من التاريخ الإسلامى فى هذا البلد الذى حمل الراية ومضى بها إلى الأمام، ليصبح مرجعية الإسلام، ومنارة للفكر الوسطى المعتدل، بأزهره الشريف حامل لواء العلم وحاضن العلماء، وبمساجده التى تشق مآذنها السماء تدعو لعبادة الواحد القهار، وبحمايته للدول الإسلامية من الغزاة، ووقوفه ضد كل من يحاول فرض الأفكار المتشددة..

فى هذا التحقيق تستعرض «الأخبار» جوانب مضيئة من ازدهار الإسلام فى مصر عبر تاريخ طويل أرسى فيه علماؤها مبادئ الوسطية والتسامح والمواطنة، خلال العديد من الأزمنة بوصفها مركزا للأئمة ومصدرة لمنهج الاعتدال.

 

 

د. عبد الفتاح العوارى العميد السابق لكلية أصول الدين يتحدث عن ثقافة الإسلام المصرية المعتدلة التى بنيت على التسامح واليسر، موضحا أن الأمر لم يبتدعه المصريون ولكن أخذوه من نصوص الشرع، مثل قضية التعايش السلمى التى وجدوها فى شريعة النبى صلى الله عليه وسلم الذى قال: «أنا شهيد أنّ العباد كلهم إخوة»، وقال: «المسلمُ من سلمَ النَّاسُ من لسانِهِ ويدِهِ والمؤمنُ من أمِنهُ النَّاسُ على أموالِهم وأنفسِهم».


وحول خصوصية مصر وتأثيرها فى العلماء يتحدث العوارى عن الإمام الشافعى الذى كان له مذهب فى العراق يراعى حال المجتمع الذى يعيش فيه، وحين انتقل إلى مصر وجد لأهلها أعرافا لا تتناسب مع ما أخذه من النصوص الشرعية من أحكام فقهية تعالج قضايا الناس وتراعى أحوالهم ومصالحهم.

 

فأعاد النظر من جديد فى أحكام الشريعة الكلية مستخرجا من الجزئيات ما يتواءم وقضايا الوطن الجديد الذى حل فيه، بما لا يخالف أبدا نصوص الشريعة، ولا يلزم للاجتهاد الجديد أن يكون ناسفا للقديم بل يضاف إليه..

 

وأضاف: انصهر عقل الإمام الشافعى مع أعراف وتقاليد أهل مصر، ما يدل على أن مصر لها خصوصية، وبلد صاحب حضارة عريقة ضاربة بجذورها فى التاريخ.

كما أن الديانات والشرائع الإسلامية كلها كانت فى مصر، إضافة إلى الحضارات الإنسانية..

 

 

 

 

واستطرد: شاءت إرادة الله أن تكون مصر بأزهرها مرجعية العالم الإسلامى أجمع لقرابة ألف وثمانين عاما، ومن العجيب أن الثقافة المتعددة والمتنوعة فى الأزهر الشريف (معهد الفقه الوسطى المعتدل) أثبتت أن الأزهر مثل الشيخ المهيب الذى يوازن بين الأدلة والحجج، ومن ثم معينه الفياض انتشر فى المشرق والمغرب الإسلامى دون أن يشكو أحد من أى انحراف فكرى فى الأزهر الشريف.


على قلب رجل واحد 

 

 


وتابع: بات الازهر الشريف هو المرجعية العظمى للعالم الإسلامى فى كنانة الله أرض مصر التى تجلى عليها الخالق والم يتجلى على غيرها وأقسم بها قبل أن يقسم بالبلد الحرام كما جاء فى قوله تعالى « والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين».

 


وأشار إلى الليث بن سعد إمام الفقهاء فى العالم، وقرين الإمام مالك فى المدينة، ويقول: لا عجب أن تكون مصر مانحة بعطائها العالم أجمع لما تتمتع به من حضارات وثقافات..

 

 

 

وأوضح عميد كلية أصول الدين السابق أن جميع أهل مصر من مسلمين ومسيحيين ويهود وغيرهم من الأجناس التى كانت موجودة على مدار هذا التاريخ العظيم العريق، لم نر بينها ما يدعو إلى التناحر والتنازع والحقد، بل كانوا جميعا على قلب رجل واحد تحت مظلة الوطنية المصرية، ولكن فى الآونة الأخيرة منذ قرابة الـ40 عاما حدثت قلائل فكرية واضرابات، ليبدأ الحديث حول العقائد والتى محلها البحث العلمي، عن طريق فكر وافد متشدد وبغيض، بينما لو غاب الأزهر عن مصر لوقعت إيديولوجيات وأفكار وحلت نزاعات طائفية ومذهبية الوطن فى غنى عنها، وحرى بأهل مصر أن يتمسكوا بمرجعية الأزهر حتى نحافظ على لحمتنا بعيدا عن الغلو والتطرف.

 


الله تعالى جعل هذا الدين وسطا قال تعالى «يريد الله يكم اليسر ولا يريد بكم العسر» وقال «ما جعل عليكم فى الدين من حرج» وقال النبى صلى الله عليه وسلم «هلك المتنطعون..

هلك المتنطعون..

هلك المتنطعون» وقال «خير الأمور الوسط» وليس هناك بقعة على وجه البسيطة إلا وفيها سفراء من الأزهر الشريف، ينشرون الفكر الوسطى المعتدل للقضاء على الأفكار المتطرفة.

 

 

 


وأشار إلى أن تجدبد الخطاب سنة من السنن التى وعتها نصوص الشريعة الإسلامية والتى فى معظمها كليات، والكليات محكمة قطعية، ويقع تحتها جزئيات كثيرة، ومن مرونة الشريعة أنها أعطت للعلماء الذين وصلوا إلى رتبة الاجتهاد النظر فى هذه الجزئيات من أجل استنباط الأحكام، والحصول على ما يعالج واقع الناس، ويتناول مستجدات حياتهم، لأن الزمن متجدد، والناس أيضا فى العصور متجددون ومصالحهم ليست جامدة، والشريعة مرنة وتتسع دلالات ألفاظ نصوصها للمجتهدين ليستخرجوا منها ما يكون صالحا، فى كل عصر ومصر.


العجب العجاب 


وأضاف: معظم المجددين فى المشرق والمغرب من علماء الأزهر سواء كانوا من أبناء مصر أو غيرها، وحين ترجع إلى ذاكرة الأزهر وتقرأ سير أعلامه سوف ترى العجب العجاب حيث الألوف المؤلفة من علماء الأمة فى كافة المجالات وسائر الفنون كان أبناء مصر من الأزهر الشريف..

ولفت إلى أن أول رحلة ارسلها محمد على لدراسة الطب كانت من أبناء الأزهر، والأزهريون هم من انشأوا مدارس الطب والحقوق والرياضيات وغيرها، فالشريعة لا تفرق بين العلم الدينى والدنيوي.


قال الامام على رضى الله عنه « الناس أحد رجلين إما ان يكون أخا لك فى الدين او مساو لك فى الإنسانية» وقال تعالى: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى» «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة» لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة وآمن من فى الأرض فقد خلق الله الناس للتعدد.


وتحدث د. عادل عبد الحافظ حمزة أستاذ تاريخ العصور الوسطى بجامعة المنيا عن العصر الأيوبى والمملوكى والذى كانت مصر خلالهما قائدة للعالم الإسلامي، و الأزهر مرجعية للمذاهب الأربعة والعلماء، ومعظم المؤلفات والتى لم تكن قاصرة على العلوم الدينية كان يتم إنتاجها فى مصر.


وقال: كانت مصر فى ذلك الوقت بمثابة قوى عظمى فى العالم، تزامنا مع إحياء الخلافة العباسية، بعد سقوطها فى بغداد، وكان الخليفة موجودا فى مصر وهو من يولى السلاطين، وإذا كانت فترة الأيوبيين التى لم تستمر أكثر من 80 عاما كلها حرب فقد رفعت فيها مصر الراية الإسلامية وهى تخوض كفاحا ضد الصليبيين، وتعلى من شأن الفكر المستنير كما حدث مع صلاح الدين الأيوبى القائد المتدين الذى كان وزير المالية فى عهده مسيحيا، فى أحلك الفترات التى عاشتها مصر أثناء حصار عكة الذى استمر لمدة عامين، ويقوم بتويع المرتبات، وشراء الأسلحة، وغيرها من المسؤوليات الجسام.


وأوضح: صلاح الدين قائد عسكرى وحد بين مصر والشام وعمل على تحرير المنطقة من الاحتلال الغربى الصليبي، وكان يتمنى أداء فريضة الحج، ولم يفعلها طيلة حياته بسبب انشغاله فى المعارك.


وتابع: حين جاء المماليك كانت امكانياتهم الاقتصادية أفضل من الأيوبيين وامتدت فترة حكمهم لفترة طويلة، اهتموا فيها بالناحية الدينية لأنهم يحكمون شعبا يميل إلى التدين والقرب إلى الله، فاهتموا بالمحمل، وإرسال الناس إلى الحج مجانا، وبناء أكبر وأجمل عدد من المساجد، وبالتالى كانت مصر ملاذا لكل العلماء الفارين من العالم الإسلامى خاصة بعد هجمات التتار.


وأوضح: كان العلماء يجدون أن مصر هى البيئة السليمة لتنمية أفكارهم وتعليمهم واحتضان علمهم، والمركز الرئيسى للعلماء، والموسوعات العلمية التى تم إنتاجها فى العصور الوسطى.


وأشار إلى أن المماليك اهتموا بالأصمتة والأسبلة والتكيات، وساعدهم فى ذلك ارتفاع الناحية الاقتصادية والتحكم فى تجارة العالم عن طريق البحرين الأحمر والأبيض المتوسط على مدار 250 عاما، ما جعل مصر فى عصر الدولة الأيوبية بمثابة القوى العظمى فى العالم.


الاهتمام بالناحية الدينية


ويرى د. عادل ارتباطا بين ازدهار الدولة المملوكية والحفاظ على الفكر الإسلامي، والاهتمام بالناحية الدينية، وظهور الفرق الصوفية الذين كانوا يعيشون فى زوايا، ما يعنى أن مصر كانت تستوعب جميع الأفكار.


واختتم بقوله: مصر لا تتأثر بمن يأتى إليها، ولكن تؤثر فيه، لم يستطع الاحتلال أن يمس الشخصية المصرية، أو يغير لغتها، فى الوقت الذى يتعلم فيه الوافدين العربية وأساليب الزراعة وغيرها، فى وقت كانت تعيش فيه اوروبا داخل ظلام دامس.


ويؤمن د. أشرف العتبانى أستاذ تاريخ الفن والتذوق بجامعة عين شمس أن العمارة الإسلامية فى مصر كانت مصدر جذب للعلماء من كل مكان، لما لها من تأثير روحى على الإنسان، وساهمت بشكل كبير على ازدهار الفكر الإسلامي.


وأشار إلى الأمير تشارلز ولى عهد إنجلترا الذى أعجيب بالإسلام بسبب العمارة ومفرداتها، ولديه دراسات كثيرة بهذا الشأن، وكأن العمارة الإسلامية المصرية تقوم بعمل السفير الإسلامى دون الحاجة إلى سفر..

وأضاف: ترسيخ لمفردات العمارة المتنوعة والمختلفة الفائدة، مثل الشرافات فى نهاية الجامع، حتى تمهد العين للفراغ بعد كتلة الجامع الذى كان اعلى مبنى، إضافة إلى الخنقاوات (الغرف الملحقة بالمساجد) للناس غير القادرين حتى يجدون المأكل والمشرب، وكأن العمارة الإسلامية فى مصر مرتبطة ارتباطا وثيقا بالفقراء.


وشرح أن هناك انواع من العمارة تراعى الجانب الاقتصادي، حيث يتكون المسجد من دورين، الأول عبارة عن محلات موقوفة للصرف على المسجد فى الدور الثاني، كما هو موجود بالجامع الازرق بالدرب الأحمر، وجامع المردانى وغيرهما، فى الوقت الذى كانت فيه المآذن تنتهى بشكل خوذة الجنود فى الجيش، سواء مدببة أو على شكل بصلة، لان كل فترة لها خوذة بشكل مختلف.


كما اهتمت مفردات العمارة بالرشاقة والسمة الخاصة التى أرستها فلسفة بناء المئذنة فى مصر والتى تتكون من ثلاثة محطات الأول مربع، والثانى مثمن والأخير أسطواني، فضلا عن المقرنصات الحجرية خاصة فى جامع السلطان حسن وجامع الأقمر وجامع الأزهر، وجام الناصر فرج بن برقوق، أما المنابر فقد كانت هناك منابر حجرية ومطعمة بالأبنوس ومذهبة.


كما يوجد فلسفة فى بناء القصور مثل السلاملك والحرملك وملقف الهواء والشخشيخة وغيرها، ما يعنى أن الإسلام ليس مجرد تعاليم دينية ولكنه مرتبط أيضا بالعمارة والفن.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة