ثلاث دوائر كانت تحكم سياستنا الخارجية: العربية، الاسلامية، الافريقية، وثمة تجاذبات اعترت التحركات المصرية بعد حكم الزعيم عبدالناصر، تحولت احيانا إلي إكفاءة، جعلت مصر أسيرة علاقة غير متكافئة مع واشنطن، وعلي مدي 40 عاما لم يطرأ تغير ملموس، وإن حاول البعض إضفاء لمسات شكلية علي حالة العرج بل الشلل التي عانت منها سياستنا الخارجية. بعد انتخاب الرئيس السيسي، وربما بدأت البشائر خلال حكم الرئيس المؤقت عدلي منصور، عادت مصر للاقتراب من دوائرها الاستراتيچية، دون أن تعادي أحداً، أو تتعمد استبعاد عاصمة، لكن التطلع إلي تنشيط الحركة في الدائرة المتوسطية بات واضحاً علي مستوي الفعل والحركة. هكذا يمكن تثمين خطوة اطلاق الشراكة الاستراتيچية بين مصر وقبرص واليونان، وقد يحسبها البعض مكايدة مع تركيا، إلا أن أصحاب هذا التقييم لا يعوون جوهر توجهات مصر التي تسعي للتأكيد علي دورها دون التجاوز في حق أحد، وبالمثل فإنها لا تقبل أن يمس كائن من كان حقوقها. قراءة »إعلان القاهرة»‬ الصادر عن قادة مصر واليونان وقبرص من هذا المنظور، تعني أننا بصدد صناعة نموذج محترم لعلاقات إقليمية قائمة علي التعاون لا الصراع، وفي هذا السياق فإن المنافسة تكون مقبولة شرط ألا يسعي أي طرف للجور علي الحقوق، أو المساس بسيادة واستقلال الآخر. أن يتحول البحر المتوسط إلي جسر للتواصل، والتعاون، والسلام مرهون بإرادة جماعية، ولا يكفي اطلاق مبادرات من نوع ماتبنته القاهرة إلي جانب أثينا ونيقوسيا، وإن كان إعلان القاهرة لبنة في صرح يمكن أن يرتفع إذا وصلت رسائله الصحيحة إلي كل من يعنيهم الأمر من دول المتوسط.