رجائى عطية
رجائى عطية


مدارات

صداقة السراب!

رجائي عطية

الجمعة، 15 أكتوبر 2021 - 06:48 م

هل صحيح ما قاله التوحيدى فى كتابه عن الصداقة والصديق، من أن الصداقة أحيانًا كالسراب، وجودها خيال، وعمقها ضحل، والوفاء فيهاـ من البعض ـ محال!


     بلغ من تشاؤمات التوحيدى وصفه للدنيا بأنها امتلأت بالذئاب ، وأن الصداقة مشوبة من الأزل بالحسد، مكدرة بالحقد مهددة دائمًا بالخيانة. وظنى أنه ليست كل الصداقات ولا الأصدقاء سواء، حتى توصف بأنها دائمًا مهددة بالخيانة. 


 نعم، تحدُث الخيانات، ويصاب الإنسان بالإحباط فى بعض الصداقات، بيد أن المشكلة ليست فى الصداقة ذاتها، فهى المحبة والوفاء والصفاء، وإنما فى العجلة فى اعتبار «العلاقة» صداقة، مع أنها قد تكون وقد لا تكون. فليس كل ما يصادفه المرء، وتقذف به المصادفات، من علاقات وصلات ينطوى فى جوهره على «صداقة»، وإنما قد يكون الظن بوجودها هو «السراب».. قد تتعدد الخيانات، ولكن ليس من الأصدقاء، وإنما من المظنون ـ انخداعًا ـ أنهم أصدقاء!
 دائمًا لكل شىء وجهه الآخر، فمن فوائد اكتشاف الخيانة التى توجع، أن ترفع من صفحة وجدانك من ظننته صديقًا، وهوليس بصديق، وأن تنتبه إلى الواقف جنبك، فقد تكون عنايته بطعن ظهرك وهو يتظاهر بأنه معك وإلى جوارك، فمن أبلغ فوائد كشف الخيانة أن كشفها الذى أمضّ وأوجع، قد أتاح لك أن تنحى من حياتك من توسمت فيه إخلاص الصداقة ومحبة الصديق، فاستبان أن ما توسمته غير صحيح، وأن الصدر مطوى على غير ما ظننت، فلك إذن أن تحمد الله الذى عافاك وأبعد عن طريقك من كنت تظنه صديقًا، فإذا به مطوى على الكره والمقت والغيرة والحسد والغدر، يظهر لك غير ما يبطن، ويصانع ولا يخلص، ويرائى ولا يصدق، ويخادع ولا ينصح، ويتحين الفرص لطعنك فى ظهرك دون أن يهتز له رمش!


وحين نتعمق، نجد أن التشاؤم جاء من الخلط والتخليط بين الصداقة وما يُظَن أنه صداقة.. لذلك قيل إن معظم الملوك لا صداقة ولا صديق لهم، فأمورهم جارية على توابع السلطان من القدرة والغلبة والهوى والمحبب والمبغض ، وهذه وتلك أبعد ما تكون عن الصداقة. وهذا هو حال «البطانات»، فهى من الخدم والأولياء ـ مهما علت مناصبهم إلاَّ من ندر.. وهى محكومة بالطاعة والصدوع والنفاق والرياء والمصانعة ، وهذه خصال لا تنتج صداقة، ولا مجال لها بين الأصدقاء. لذلك لم تصح للملوك والمستبدين أحكام فى الصداقة وآصرتها ومعناها.


أما أصحاب الضياع والإقطاعيات وثروات المليارات فى العصر الحديث، فليس لهم ـ فيما يقول التوحيدى. عير ولا نفير فى الصداقة، كذلك غلاة التجار المشغولون بالتربح الذى يسد بينهم وبين المروءة، ويحجزهم عن المشاعر الإنسانية التى تولد الصداقة وترعاها.

وقد تعز الصداقة بل كثيرًا للأسف ما تعز، بين الكتاب وأهل العلم، لأن الغيرة والتحاسد والتمارى والخصومات، تذهب بالصداقات وتستبدلها بالمصانعات!


فهل حقيقة ما يقوله التوحيدى من أنه «لا صديق ولا من يشبه الصديق» ؟!


لا أعتقد أن هذا صحيح على إطلاقه!


الصديق موجود، ولكنه عزيز ونادر!


أما أشباه الأصدقاء فهم كُثُر، الذين يتشبهون بالأصدقاء، ولا صداقة لهم. 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة