صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


دبلوماسية الإبداع على أرض التاريخ

آمال عثمان تكتب عن معرض «الأبد هو الآن»: إبداعات العالم تتحاور فوق سفح الأهرامات

الأخبار

الجمعة، 15 أكتوبر 2021 - 06:53 م

 

يلعب الإبداع الفنى دوراً عظيماً فى حياة الشعوب، ويرتقى بفكر وثقافة وقيم المجتمع، التى تمثل عصب نجاح وتطور أى مجتمع معاصر، لذا صار الاختلاف بين الدول المتقدمة والمتخلفة أو النامية، فى مدى امتلاك تلك الدول للعقول المبدعة، وصار الإبداع الوسيلة الناجعة فى الإسراع بتقدم شعب أو تخلف شعب آخر، وسقوطه فى هوة سحيقة من الجهل والتخلف، ولا يقتصر دور الإبداع الفنى على تشكيل وجدان الأمم، والارتقاء بمشاعر وسلوك الشعوب وتشكيل وعيها تجاه القضايا الإنسانية والوطنية الكبرى، فقد استطاع الفن على مدى التاريخ أن يتصل بحياة الإنسان ويحقق له التوازن الروحى، ويتفاعل مع قضاياه وهمومه وطموحاته، ويجسد أهم أحداث المجتمع السياسية والوطنية والاجتماعية.  من هنا تأتى أهمية حدث دولى كبير يقام على أرض مصر، يجمع بين سحر وأصالة التاريخ، وبين جاذبية وروعة الحداثة، ويمزج بين عبق التراث الحضارى القديم، وبين الإبداعات الفنية العالمية المعاصرة، ليتحاورا ويعزفا معاً سيمفونية الخلود والأبدية، بين أحضان أعظم منطقة أثرية عرفتها البشرية، هضبة «أهرامات الجيزة» الخالدة، ذلك الموقع الفريد الذى ظل 4500 عام شاهداً على عبقرية الإبداع المصرى القديم، ومصدراً لإلهام الشعراء والكتاب والفنانين من جميع أنحاء المعمورة، وكان ولا يزال حتى يومنا أقدم وآخر ما تبقى من عجائب الدنيا السبع فى العالم القديم، وأهم مواقع التراث العالمى فى قائمة منظمة اليونسكو.

الفنون المعاصرة والحضارة تعزفان سيمفونية الخــــــــلود والأبدية

هنا وعلى بعد خطوات من سفح هرم الملك خوفو، أعجوبة الزمن القديم والحديث، وأعظم ما أنتجته الإنسانية فى العالم القديم والحديث، يجتمع فنانو العالم فى معرض «الأبد هو الآن» ليقدموا إبداعاتهم، قربان أمل ورجاء، وتطلعاً لمستقبل أفضل للبشرية، واعترافاً بقيمة الحضارة التى تحدت تحولات وتغيرات السنين، وصمدت أمام تقلبات الزمن.

والمعرض يعد حدثاً فنياً دولياً، يعكس التأثير العالمي العميق لمصر القديمة، ويعتبر الأول من نوعه على مدار تاريخ منطقة هضبة الأهرامات، ويقام فى الفترة من 21 أكتوبر إلى 7نوفمبر، بحضور شخصيات فنية ودولية ومصرية مرموقة، ويضم أعمال 10 من كبار الفنانين فى العالم، يمثلون ثقافات ومدارس ورؤى فنية مختلفة، تنظمه مؤسسة «آرت دى إيجيبت»، المنصة الرائدة التى تسعى إلى تغيير الطريقة التى ينظر بها العالم للفن المصري المعاصر، وذلك من خلال الدمج والتقريب بين القديم والحديث، لتربط بين ثراء الماضى وإبداع الحاضر، وتختار موقعاً تراثياً فى كل عام لتقيم معرضها السنوى بهدف الترويج للفن المصري المعاصر على المستوى الدولي، حيث أقيم المعرض الأول «الضوء الأبدي» بالمتحف المصري بالتحرير عام 2017، والثانى «لا شيء يتلاشي» بقصر المنيل عام 2018، والمعرض الثالث «روايات معاد تخيلها» فى شارع المعز بالقاهرة الفاطمية عام 2019، وهذا العام ينتقل المعرض إلى هضبة الأهرامات. 

الدبلوماسية الثقافية

ويقام هذا الحدث الثقافى والفنى والدبلوماسى الدولى تحت رعاية د.سامح شكرى وزير الخارجية، ووزارة السياحة والآثار، ومنظمة اليونسكو، كما يقدم د.زاهى حواس عالم المصريات الشهير الدعم والمشورة الخاصة بمسار المعرض، وخريطة الهضبة، والإرشادات الأثرية حول دمج الآثار القديمة فى الموقع، مع أعمال الفنانين المعاصرين، كما يحظى المشروع أيضاً بدعم «د.بيتر مانويليان» أستاذ علم المصريات بجامعة هارفارد.

وتقول نادين عبد الغفار رئيسة المؤسسة: هناك جهد مستمر لدعم الدبلوماسية الثقافية من خلال معارضنا وفعالياتنا ونشاطاتنا، ونخطو خطوات كبيرة نحو دمج الفنون والتاريخ على أمل النهوض بالثقافة فى مصر، والعمل على جعل الفن أكثر سهولة ويسرا فى الوصول للجماهير، حتى نجهض الادعاء بأن المعارض الفنية شيء نخبوى، لذا نجلب الفن إلى الأماكن العامة لنجعله فى متناول الجميع.

حضارة عظيمة

وتضيف: «لطالما شعرت بالرهبة من هذه الحضارة المصرية العريقة التى استطاعت بناء تراثٍ عظيمٍ لا يمكننا كبشر أن نفهمه أو نضاهيه ونكرره حتى اليوم، تلك الحضارة العظيمة التى أثرت العلوم والفنون والرياضيات، وعلمت الدنيا القيم والعدالة الاجتماعية، والتنمية الثقافية والابتكار، ستظل هدية مصر للبشرية، والغرض من هذا المعرض هو عرض هذه الكنوز فى حوار مع الإبداع الدولى المعاصر، ولأن مصر القديمة كان لها تأثير كبير على جميع الفنانين فى أنحاء المعمورة، فإننا نأتى بالعالم إلى مصر، ونقدم مصر إلى العالم من خلال الدبلوماسية الفنية والثقافية. 

والمعرض يعتمد على الشمولية المستمرة والإبداعات الثقافية المعاصرة، سواء ما أبدعه المصريون القدماء أو الفنانون المعاصرون، باعتبار أن صناعة الفن تسمح لجيل واحد بأن يشهد للحاضر، ويتحدث إلى الجيل الذى يليه، وهى مهمة تعكس الموهبة البشرية الدائمة والمستمرة فى خلق الأعمال الفنية التى تلهم الخيال، وتكشف عن عظمة الإنسانية وثباتها ووحدتها.

ويضم مجموعات من أجمل القطع والتركيبات النحتية لعشرة من أبرز وأشهر الفنانين المعاصرين على مستوى العالم، وهم الفنان الروسى «ألكساندر بونوماريف» الذى اختارته مجلة «فورين بوليسي» كأحد أهم المفكرين فى العالم، حيث تعود إليه فكرة إقامة «بينالى الفن المعاصر» بالقطب الجنوبى على متن سفينة أبحاث أكاديمية، والفنان البريطانى «ستيفن كوكس» صاحب الرحلات الاستكشافية للبحث عن الأحجار فى مصر والهند، والإيطالى «لورينزو كوين» ابن الممثل العالمى أنتونى كوين وصاحب جسر الأيدى المتشابكة فى إحدى قنوات فينيسيا الكبرى، أحد أشهر الأعمال التشكيلية فى الفراغ، والفنان الفرنسى «جيه آر» الذى يجوب العالم ليجسد تجاعيد وجوه المدن، واشتهر بأعمال تعتمد على الخداع البصرى، مثل فجوة برج أيفل الشهير ومبنى فى فينيسيا.

الفن والعلم

كما يضم المعرض أعمالاً للفنانة الأمريكية المعاصرة «جيزيلا كولون» التى تعتمد أعمالها على نقاط تقاطع الفن والعلم، وتخلق قطعاً نحتية يتم تفعيلها بالضوء من مواد مثل الإكليريك البصرى، وألياف الكربون، والفنان البرازيلى «جوا تريفيسان» الذى اشتهر بصنع أعماله النحتية من القطع الحديدية المهملة، والخردة المعدنية ويخلق منها تشكيلات جمالية، كذلك أعمال الثنائى البريطانى «كولوديا موسلي وإدوارد شوستر» واللذين تعتمد أعمالهما على التأمل فى الروحانيات والكونيات، وأثمرت عن العمل الفنى الافتراضي الشهير «تحديق العقل»، بالتعاون مع علماء فى جامعة كامبريدج وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، إلى جانب الفنان السعودى صاحب السمو الملكي الأمير «سلطان بن فهد» صاحب معرض «القصر الأحمر» الذى ضم رسوماً تجريدية ولوحات وقطع نحت وتشكيل فى الفراغ، وجسد من خلاله مفهومه حول الفن كرحلة ما بين الذكريات غير الملموسة، والثقافات الملموسة، كما يشارك في المعرض الفنان المصرى «معتز نصر» الحائز على الجائزة الكبرى فى بينالى القاهرة الدولى الثامن، والذى يعد أحد أهم ممثلى الفن العربى المعاصر، والفنانة مصرية الأصل أمريكية الجنسية «شيرين جرجس» التى تقتنى أعمالها متاحف دولية عديدة مثل متحف مقاطعة لوس أنجلوس للفنون، ومتحف مينيسوتا للفن الأمريكى.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة