مهنة توارثها العاملون بـهـــــــــــــا أبـــا عن جد لكنها تواجه حالياً تحديات كبيرة
مهنة توارثها العاملون بـهـــــــــــــا أبـــا عن جد لكنها تواجه حالياً تحديات كبيرة


فن ينسج الخيزران فى قطع الأثاث l «الكانيه».. على وشك الضياع

آخر ساعة

السبت، 16 أكتوبر 2021 - 11:10 ص

 

علا نافع

منذ دخول االكانيه أو الخيزران إلى مصر على يد الإنجليز الذين نقلوه من الهند، برع الفنان المصرى فى تحويله إلى فن مبهر، حيث طوّع أعواد الخيزران وحولها إلى قطع عجين يشكلها كما يشاء، واستمد من تراث أجداده أفكاراً ولوحات تشكيلية نفذها على الأثاث الخشبي، ولم يكتفِ بذلك بل كان يحوّل الأثاث المتهالك للوحات فنية رائعة، وباتت منطقتا الحسين والناصرية نقطتا انطلاق كبار أسطوات هذا الفن.

وبمرور الأعوام تضاعف عشاق هذا الفن، وكان منهم الأمراء والباشوات، مثل الأمير محمد على نجل الخديو توفيق، الذى خصَّص غرفة كاملة فى قصره بمنطقة المنيل لأثاث الكانيه، وكان يستقبل بها كبار ضيوفه، إلا أن الأحوال تبدّلت وأوشكت هذه الحرفة أن تندثر وتغيب شمسها عن مصر بسبب قلة المواد الخام وارتفاع أسعارها واحتكار كبار التجار لها.

آخرساعة زارت منطقة الناصرية، وهناك التقت الأسطى محمد فتحي، أحد شيوخ المهنة للتعرف إلى تاريخ هذا الفن وأسراره، والعقبات التى تعوق استمرار الحرفة وانتشارها.

فى حى الناصرية العتيق بنكهته الشعبية وطابعه الأصيل، تتناثر ورش االكانيهب على استحياء بعد أن اندثر أغلبها وعزف أسطوات الحرفة عن العمل بها، حيث إن ارتفاع أسعار أعواد البامبو أو الخيزران المستورد من شرق آسيا دفع الكثيرين منهم للتخلى عن حرفتهم التى توارثوها أباً عن جد، لكنهم لا يزالون يتذكرون الأيام الخوالي، إذ كانوا يحولون قطع الخيزران إلى أثاث كلاسيكى راق ويتهافت عليهم الأجانب وعشاق الفن اليدوي، كما كانوا يتبارون فى تكوين أشكال زخرفية على الأثاث الخشبى القديم لإضفاء لمسة جمال حداثية عليه، لكن للأسف تبدلت الأحوال ووصل عدد فنانى الكانيه إلى أقل من 50 فناناً فى ربوع مصر كلها، وحلت الأعواد البلاستيكية محل الخيزران واستخدمتها ورش الأثاث بكثرة مستغلين تدنى الذوق الجمالى وجهل الكثيرين بفن الكانيه.

وفى غرفة صغيرة بطابق أرضى فى إحدى عطفات الحي، يجلس الأسطى محمد فتحى منكباً على كرسى خشبى يتفحصه بدقة كى يبدأ فى رتق جوانبه بأعواد الخيزران، فأصحابه رفضوا التخلى عنه، لأنه من اريحة العِزب كما يقولون.. يمسك برجله الخشبية ليحدد المسافات المتساوية على قطعة الخشب، ليتسنى له ملء الفراغات الضيقة بحيث يتساوى الجانبان الأيمن مع الأيسر، والأمامى مع الخلفي، لتكون سلسلة تصل إلى نهاية القطعة الخشبية.

أعواد الخيزران الرفيعة بلونيها الذهبى والبنى معلقة على شرفتى الحجرة، أما بقاياها فهى متناثرة فى الربوع.. يهم بالتقاط أحد الأعواد ليقوم بترطيبها فى الماء حتى تصبح لينة قبل عملية النسج، ويتذكر والده بين الحين والآخر فهو الذى علّمه أصول الصنعة منذ أن كان فى الحادية عشرة من عمره، فيقرأ له الفاتحة ويترحم عليه، قبل أن يتجاذب أطراف الحديث مع أشرف ومحمود، مساعديه بالورشة، عن أحوال المهنة وارتفاع سعر طن الخيزران وبدائله المطروحة بالسوق، ويطمأنهم من آن لآخر ويثنى على مهاراتهم.

تحديات وإبداعات

ويـقـــول الأســطــى فتحــــى لـاآخــرساعةب: ااشتهرت مصر بصناعة الكانيه منذ عقود طويلة وتفوقوا على صناعها الأصليين من الهنود، فأغلب القصور وحتى البيوت البسيطة كانت تعتمد على الأثاث الخشبى المطعم بالكانيه لرخص سعره فضلاً عن فوائده الطبية وقدرته على علاج آلام العمود الفقري، وبمرور السنوات جرى إدخال أشكال جديدة مثل قرص الشمس والستارة، وكلما كانت الفراغات فى الكانيه أكثر ضيقا كان الشكل جميلاً ورائعاًب، مؤكدا أن الكثيرين يخلطون بين الكانيه وأثاث البامبو وأغلبه يستخدم فى الحدائق والبلاجات، ويتم استخدام الساق فى صنع الأثاث مقارنة بالكانيه المعتمد على قلب عود البامبو.

يتابع: تمر صناعة الكانيه بعدة خطوات، أولها ترطيب الأعواد التى لا يتجاوز سمكها 2.5 ملم، ليسهل تشكيلها بعد ذلك، وتبدأ مراحل العمل بتحديد مسافات متساوية على قطعة الخشب باستخدام برجل خاص، ثم يليها عمل الفراغات الضيقة شريطة أن يتساوى الجانب الأيسر مع الأيمن والأمامى مع الخلفي، وصولاً إلى نهاية القطعة الخشبية، وبعد ذلك نعمل على نسج الفراغات بغرز متماثلة من فتلة الخيزران، ونثبتها بالغراء مع وضع مسمار صلب لتصبح مثل اللوحة الخشبية المشدودة، ونستخدم فى ذلك آلات كالمطرقة.

فيما يخص مدة نسج الكانيه، أوضح أن كل قطعة تختلف عن الأخرى، فالكراسى الصغيرة تستغرق ساعتين أو ثلاثا على الأقل، أما السرير الكبير فقد يستغرق يومين أو ثلاثة، لافتاً إلى أنها مهنة تحتاج لدقة عالية ونظر ثاقب.

وعن الأزمة الحالية التى يعانون منها يقول: بدأت الأزمة مع نهاية 2013، عندما انخفضت حصيلة استيرادنا من أعواد الخيزران، وبمرور السنين وصلت تراجعت حصة المصنعين المصريين ككل إلى أقل من نصف طن مثلما هو الوضع فى العام الحالي، وهذا بالطبع أثر سلباً فى أعمالنا، وأصبحنا لا نستطيع عمل أثاث جديد أو حتى تجديد القديم، مضيفاً أن كبار ورش الأثاث فى دمياط لجأت إلى استخدام الأعواد البلاستيكية والتى يدخل بها نسبة من الخيزران الطبيعي، لكن لا تتمتع بنفس الجودة والمتانة، فضلاً عن أن كبار المستوردين رفعوا سعر المتر الواحد ليتجاوز 600 جنيه، مما يهدد بركود المهنة واندثارها.

عشق الذوات

أما أشرف، أحد عمّال الورشة، فيقول: االكانيه له طابع خاص، وأغلب عشاقه كانوا من الذوات والطبقة الراقية، حيث كانت تتزين به بيوتهم ويتبارون فى اقتناء هذا الفن، وكان أشهرهم الأمير محمد علي، وقد شرفنا بترميم طقم كراسى مائدته، وكذلك قصر الملكة فريدة بمصر الجديدة وغيرها من بيوت الأعيانب.

يتابع: اترتبط المهنة بسعر الخيزران ومدى توافره، وقد بات الحصول عليه صعباً، ما يهدد مهنتنا التى توراثناها من أجدادنا، ولا نعرف غيرها، ولعل هذا ما جعل الكثير من الأسطوات يتركونها ويتجهون إلى مهن أخرى أكثر استقراراًب، مؤكداً أن الصنايعى المصرى يتفوق على الهندى والأندونيسي، فخياله واسع، ويستطيع ابتكار لوحات وأشكال هندسية جديدة ذات ألوان مختلفةب.

ويطالب الدولة بتقديم يد المساعدة لأصحاب الحرف اليدوية، من خلال توفير المواد الخام ومساعدتهم فى تسويق منتجاتهم فى الأسواق العالمية، فأغلب الأجانب يأتون إلى حى الناصرية خصيصاً لشراء الكانيه مثل الفرنسيين والإيطاليين، ولكن بعد أزمة الكورونا انخفض عددهم.

يلا على الورشة

فيما يقول مصطفى كامل، مؤسس مبادرة ايلا على الورشةب: اأطلقت مبادرتى منذ نحو عامين بهدف الحفاظ على فنون الحرف القديمة المهددة بالاندثار وتوثيقها، إضافة إلى خلق فرص عمل للشباب من خلال ورش مجانية لهمب، لافتاً إلى أن فن الكانيه يعد أشهر هذه الحرف، ويمتاز بأن صانعه لا بد أن يتحلى بالدقة والقدرة على الابتكار، وقد عرفه المصريون مع الاحتلال الإنجليزي، وتوافد الأجانب على مصر خصوصاً الفرنسيين والإيطاليين الذين كانوا يقدرون هذا الفن، وبمرور الأيام ذاع صيته بين الأمراء والذوات وأورث الصُنّاع المهنة لأبنائهم وأحفادهم.

يضيف: الكن المهنة حاليا تواجه الكثير من التحديات، أبرزها ارتفاع سعر أعواد الخيزران، فضلاً عن العائد المادى الضعيف مع قلة الاهتمام بمثل هذه الأنواع من فنون الأثاث، لذا على الجهات المعنية الاهتمام بصنّاع الحرف اليدوية وتقديم الدعم لهمب.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة