من يسترجع سيرة السلطان قابوس يجد نفسه أمام قائد يتحلي بالحكمة والتوازن والصبر في العديد من المواقف خصوصاً أن السلطنة تقع في منطقة فوق صفيح ساخن علي مدار السنين

في الأول من فبراير عام ١٩٨٣ ركبت الطائرة لأول مرة ومعي صديق الدراسة والعمل في الأخبار محمد درويش في طريقنا إلي سلطنة عُمان للعمل بجريدة عُمان.. وكان في استقبالنا مجموعة من الزملاء والأصدقاء الذين قادوا والنهضة الصحفية في السلطنة لتواكب مراحل التطور الذي تشهده البلاد منذ تولي السلطان قابوس للحكم عام ١٩٧٠. وهؤلاء الزملاء والأصدقاء أصبحوا قادة للعمل الصحفي والإعلامي في مصر بعد العودة.
عشت هناك سبع سنوات وعاصرت مراحل التطور وكيف حوّل السلطان قابوس البلاد من مجرد بلد تعيش العصر الجاهلي الي بلد تتبع كل السبل العلمية الصحيحة من أجل النهضة والتقدم.. فقد كانت مسقط «مدينة مسحورة» لا يجوز الدخول إليها أو الخروج منها بعد الثامنة مساءً. الأبواب موصدة علي من فيها.. فلا الراغبون بالدخول عاد بإمكانهم أن يطرقوها ليؤذن لهم، ولا من يريد الخروج صار قادراً علي تجاوز الأسوار أو التسلل عبر بوابات الحراسة. عاش العمانيون في الداخل فريسة سهلة للعقارب والأفاعي.
وجاء السلطان قابوس للحكم.. وقاد البلاد إلي التقدم.. ووضع المواطن هدفا ووسيلة.. كل شيء سخر من أجله.. وخلال السبع سنوات تعاملت مع المواطن العماني بدءا من الوزير وانتهاء بالموظف الصغير.. كانوا جميعاً في منتهي الرقي بادلوني الحب بالحب.. عشت مع أصدقائي وزملائي أحلي سنوات العمر.. حتي جاءت ساعة الرحيل والعودة للوطن في الأول من إبريل عام ١٩٩٠.
ومنذ العودة.. لم تغب عمان عن الذاكرة.. أتذكر الأيام بكل تفاصيلها.. أتذكر حديقة ريام والوادي الكبير وشط السوادي وروي والسيب ومرتفعات القرم.. ونادي فنجا ومسقط والأهلي وظفار والسويق.. والكثير من الأماكن والأشخاص.. وبعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي عادت العلاقة من جديد مع أصدقاء العمل في جريدة عمان.. أتواصل مع حمود السيابي وسعيد النعماني ومحمد الحضرمي وحسن البريكي وسالم الجهوري وخالد المعمري وعبدالله شامريد ومحمد اليحيائي ومحمد الرحبي وأحمد الفلاحي وعزيزة الحبسي.
وفي هذه الأيام تلقيت من صديق الدراسة عاصم رشوان- مدير مكتب جريدة الخليج الاماراتية في سلطنة عمان - أحد مؤلفاته و هو كتاب «قابوس.. سلطان أم صاحب رسالة» وفي هذا الكتاب يلقي المؤلف الضوء علي شخصية السلطان قابوس وفلسفته وأفكاره ومواقفه التي تضعه ضمن أعظم القادة في العالم.. فقد نجح في اعادة صياغة مجتمعه واحتفظ بأمنه واستقراره بعيدا عن الحروب الإقليمية.. وأندمجت فيه كل الأطياف وأخذ بيده من مجتمع متخلف إلي مجتمع ينمو ويتقدم باستمرار وحول البلاد إلي دولة تحترم القانون وتطبقه علي الكبير والصغير والغني والفقير.
ولا ننسي الجولات الداخلية التي يقوم بها سنوياً في الولايات وفيها يلتقي بالمواطن وجها لوجه ليتعرف علي كل المشاكل التي تواجهه بشكل مباشر ويضع الحلول المناسبة لها.. مع الاهتمام بالشباب وتوفير فرص العمل لهم في مؤسسات القطاع الخاص.
ومن يسترجع سيرة السلطان قابوس يجد نفسه أمام قائد يتحلي بالحكمة والتوازن والصبر في العديد من المواقف خصوصاً أن السلطنة تقع في منطقة فوق صفيح ساخن علي مدار السنين.. وهو الذي حذر مبكراً من مخاطر التطرف ومصادرة الفكر ودعاوي فئات معينة لامتلاك الحقيقة دون غيرهم.. يدرك دائماً إعمال العقل بعيداً عن التعصب والانحياز لطرف وإهمال الآخر.. استعاد لعمان مكانتها اللائقة بين الدول.. حريص علي بناء الانسان قبل البنيان.