عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

امتحان عسير لمصداقية مبادئ التضامن العالمى

الأخبار

السبت، 16 أكتوبر 2021 - 06:58 م

لم نكن، ربما، فى حاجة إلى هذه الأزمة الصحية العالمية الطارئة الذى تسبب فيها فيروس كوفيد 19 لندرك تأثير الديون الخارجية على مجمل الاقتصادات فى العالم، لأنه ما كان، ولايزال ثابتا ومؤكدا، أن الديون الخارجية تمثل اللجام الذى تقبض به الدول العظمى والأوساط المالية النافذة فى العالم برقاب الدول الفقيرة والصاعدة، وتتحكم من خلاله فى مقود مسار النظام الاقتصادى العالمي، ولكن تداعيات انتشار هذا الوباء اللعين زاد من حدة تفاقم تأثير الديون الخارجية على اقتصاديات الدول التى اعتادت التنفس الاصطناعى من خلال الضخ المتواصل للسيولة المالية فى رئات اقتصادياتها. ذلك أن الانكماش الاقتصادى المهول الذى عانى منه النشاط الاقتصادى العالمى بسبب الظروف الصعبة التى عاشها العالم منذ بداية انتشارهذه الجائحة، والتى فرضت تدابير وإجراءات احترازية مشددة، تمثلت فى إغلاق مختلف وحدات ومراكز الإنتاج وخنق شرايين التجول ونقل البضائع وتعطيل سلاسل الإنتاج أفضى إلى نتائج وخيمة طالت ليس فقط، مواصلة ضمان التمويل، بل أيضا قدرة الدول الدائنة على استمرار تحمل أعباء الديون الخارجية.


 وتؤكد مصادر متخصصة أن هذا العجز لا يقتصر على البلدان الضعيفة أوالمنخفضة الدخل، بل أيضا يشمل الدول المتوسطة الدخل والتى تمثل 75 من سكان العالم و62 بالمائة من فقرائه، والتى أضحت فى الظروف الراهنة وبسبب العواقب الكارثية التى ترتبت عنها معرضة بدورها وبشدة إلى ضعف قدرة تحملها لما يترتب على الديون الخارجية، وأيضا إلى فقدان فرصها فى النفاذ إلى الأسواق.


 وتشير منظمة العمل الدولية فى هذا الصدد، إلى أن المعطيات الاقتصادية المستجدة فى ظل الانتشار المتواصل للوباء قد تتسبب فى إلغاء ما يناهز 195 وظيفة بدوام كامل فى العالم فى المدى المنظور جدا.


البنك الدولى دخل من جهته على خط هذه القضية الساخنة بأن حذر رئيسه السيد ديفيد مالابى قبل أيام قليلة من المخاطر الكبيرة التى تكتنف هذه المسألة على الدول الفقيرة، حيث كشف على أن عبء المديونية على الدول المتدنية الدخل ارتفع بنسبة 12 بالمائة، ليصل إلى مستوى قياسى بلغ 860 مليار دولار سنة 2020، منبها إلى «أن الخطر الحقيقى حاليا يتمثل فى أن عددا كبيرا جدا من البلدان ستخرج من أزمة كوفيد 19 مثقلة بديون قد تستغرق معالجتها سنوات طويلة». 


طبعا، لا يسود اقتناع لدى الرأى العام العالمى بوجود إرادة حقيقية لدى الدول العظمى لإيجاد تسوية عاجلة ومنصفة لهذه الإشكالية البالغة التعقيد، بقدر ما ستحرص القوى العظمى على توظيف العواقب المترتبة عنها بما يقوى حظوظها فى مواصلة التحكم فى النظام الاقتصادى العالمي، وبما يمكنها من ضمان استدامة تبعية الدول ضحايا هذا التوظيف المشبوه على المستويات السياسية والاستراتيجية، لأن التسوية الحقيقية لا تحتمل الخروج عن سياق تحرير رقاب هذه الدول من هذا الحبل الذى يلفها.


وفى هذا السياق لا مناص من الوقف الفورى وبدون شروط لديون جميع الدول ذات الدخل الضعيف والمحدود، التى تعجز عن الوصول إلى الأسواق المالية ولا تستطيع سداد ما يترتب عن خدمة ديونها. وفى أقسى الحالات، فإن الأوضاع الإنسانية الخطيرة السائدة حاليا والتى تكاد تكون غير مسبوقة، تستوجب إجراء تقييم موضوعى للحالة الراهنة والبحث فى سبل وإمكانيات إسعاف الدول المتضررة لزيادة قدرتها على تحمل ما يترتب عن هذه الديون، على الأقل بتمديد طويل لفترة السماح والتأجيل، وإعادة جدولة لمجمل هذه الديون مع إعفاء شامل وكامل من الفوائد المترتبة على خدمة هذه الديون إلى حين تعافى الاقتصاد العالمى، إن هو تعافى فعلا، أو إلى تحويل هذه الديون إلى استثمارات فى الدول الدائنة بما سيساهم لا محالة فى إنعاش الاقتصاديات الضعيفة ويسرع من وتيرة تعافيها من مخلفات الأوضاع الصعبة السائدة حاليا.


إن مبادئ التضامن العالمى التى لا تتوانى الدول العظمى عن ترديدها فى كل مناسبة وبدونها، والتى تزخر بها أدبيات الأمم المتحدة تعيش امتحانا حقيقيا فى هذه الظروف الصعبة، وأن (خطة القدرة على تحمل الدين) التى نوقشت داخل أجهزة الأمم المتحدة وتمت المصادقة عليها، والتى وردت فى خطة أديس أبابا الشهيرة التى تعكس معظم المبادئ وأفضل الممارسات التى تستند إليها تسوية الديون لدى صندوق النقد الدولى والبنك العالمى، تواجه حاليا اختبارالمصداقية والمشروعية، وسيتبين ما إذا كان الأمر مجرد دغدغة للعواطف أو لا يعدو أن يكون ادعاء بالقيام بالواجب، وهذا هو المرجح ؟ أم أن الأمر يتعلق هذه المرة بإرادة حقيقية لتحقيق تسوية شاملة وعادلة لقضية لا يمكن فصلها عن مظاهر وتجليات سيادة الاستعمار بشكله المعاصر، الذى يستغل حاجة الفقراء من شعوب العالم فى السعى نحو ضمان الحدود الدنيا فى عيش أقل كرامة من أجل الإخضاع والخنوع لعلاقات دولية سياسية واستراتيجية ظالمة.


بيننا الزمن الكشاف بتفاصيله التى تسكنها الشياطين.


نقيب الصحفيين المغاربة

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة