أصبح معتاداً أن يخرج المسئول الحكومي علينا بتكذيب لما تنشره وسائل الإعلام من أخبار يصفها بالإثارة والتهييج وعدم الدقة مطالباً تلك الوسائل بتحري الدقة فيما تنشره من أخبار. إنها متلازمة الكذب والتضليل التي تتسم بها تصريحات المسئولين وهم مقتنعون بأنهم فقط يتجملون أو يخففون من وقع الصدمة علي المواطنين. مؤخراً ثاراللغط حول تسعير تذكرة مترو الأنفاق ذلك المرفق الحيوي الذي ينقل عشرات الآلاف من المستخدمين. لإنهاء اللغط نفي المتحدث الرسمي باسم وزارة النقل صحة ما تناقلته عدة مواقع الكترونية إخبارية عن زيادة أسعار تذاكر الخط الثالث من مترو الأنفاق لتصبح ثلاثة جنيهات بدلاً من جنيه واحد.
لم تمض ساعات أو أيام حتي اعترف وزير النقل شخصياً في تصريحات خاصة للمصري اليوم (ولاحظ نص مفرداته) بأنه ستتم زيادة «تكلفة» تذكرة مترو الأنفاق «بشكل تدريجي» حسب كل مرحلة، وأن خط المترو يكلف «الدولة والمواطن» نحو 48 مليار جنيه. وتابع أنه يوجد «علي الحكومة التزام لسداد القروض»، وأن ذلك «يتطلب العمل علي تحقيق ذلك»!
الوزير أكد أن المرحلة الأولي للخط الثالث «ستبدأ» التكلفة فيها بثلاثة جنيهات «تنتهي» إلي عشرة جنيهات في نهاية الخط. وأن الأمر ذاته سيطبق علي الخطين الرابع والخامس.
قبل مناقشة تفاصيل تصريحات الوزير من المهم أولاً التوقف أمام التناقض المخجل الذي ظهر بين تصريحاته وتصريحات المتحدث باسمه، بين تأكيده لزيادة أسعار المترو ونفي متحدثه لتلك الزيادة. فهل أراد المتحدث التزام حدود وظيفته بالدفاع عن الوزارة حقاً وباطلاً؟ أم أراد ترك مهمة «المفاجأة» للوزير كي يعلنها بنفسه؟ وما هي مقتضيات وظيفة «المتحدث».. أي متحدث؟
ثم يأتي دور التمعن في تصريحات معالي الوزير الذي قال كلاماً مفزعاً يشي بطريقة تعامل الحكومة مع أزماتها المالية. صحيح أننا اعتدنا علي مفردات الحكومة التجميلية التي تسمي رفع الأسعار تحريكاً لها، لكن الجديد هو أن الوزير وضع الدولة والمواطن في سلة أعباء واحدة حين قال إن المترو «يكلف الدولة والمواطن...» مع أن المواطن يدفع الضرائب المستحقة عليه للدولة مقابل ما يحصل عليه من خدمات. ومعروف أن طبقة الموظفين هم أكثر الفئات التزاماً بهذا الاستحقاق لأنه يخصم من المنبع والدولة تحصل حقها منهم تاماً كاملاً، وهم ليسوا كباقي فئات العمل الحر التي يمكنها التهرب من سداد ما عليها من ضرائب. كما أن التعامل مع هذا التهرب هو شأن الحكومة ومسئوليتها في تحصيل مستحقاتها، والتهاون في ذلك أو حتي الفشل فيه هو خطيئتها هي. ومعروف أيضاً أن الطبقات المتوسطة والفقيرة وفئات الموظفين والطلاب هم الأكثر استخداماً للمترو. بذلك تصب أي زيادة في أسعار النقل الجماعي في خانة تحميل المواطن غير القادر مسئولية حل الأزمات المالية للحكومة.
لذلك نسأل السيد الوزير باعتباره عضواً في الحكومة: هل الطريق الوحيد كي تسدد الحكومة ديونها من وجهة نظركم هو أن تزيد من الأعباء علي المواطنين؟ وهل ننظر إلي هذا القرار وأمثاله باعتباره مؤشرا علي توجه خفي للحكومة بالتخلي عن مسئوليتها الاجتماعية رغم النداءات المتكررة للرئيس بالانحياز للفقراء، ورغم الدور الإيجابي الذي يلعبه الجيش الوطني في تعويض عجز الحكومة عن القيام بدورها؟
المدهش في كلام الوزير أنه يبشرنا بأن تلك الأسعار تقل في كل الأحوال عن أسعارالنقل الخاص! أي أنه بدلاً من أن تتدخل الحكومة لتخفيف استغلال القطاع الخاص للمواطنين تتخذ من أسعاره مؤشراً استرشادياً تقيس عليه وتقارن به. يعني احمدوا ربنا إحنا أرخص من غيرنا.. أما ما يثير الاستياء فعلاً من كلام معالي الوزير فهو محاولة التضليل حين قال إن المرحلتين الأولي والثانية للمترو لن تمسا محدودي الدخل والطلاب، وستكون بهما تعديلات محدودة(!) لم يفصح عن طبيعة تلك التعديلات ولا تكلفتها، لكن يمكننا التنبؤ بأنها علي الأقل ستكون من قبيل رفع أسعارها إلي الحد الأدني الجديد وهو ثلاثة جنيهات.أو.. أو ربما يقصد فعلاً أنه قد يقتصر فقط علي زيادة عربات المترو بسعة محدودة وبسعر أعلي، وهو أمر مشكوك في استمراره بنفس مستوي الخدمة المرجوة كعادتنا في التعامل مع كل غربال جديد.
عزيزي خالد يوسف:
تأخرت كثيراً في إعلان موقف واضح عما أثير عن قبولك الاعتذار من الإعلامي أحمد موسي عما اقترفه في حقك وعن مصالحتك معه بوساطة من شخصيات مرموقة في المجتمع وفي ائتلاف في حب مصر. إعلانك أول أمس مع الإعلامي شريف عامر جاء باهتاً عن عدم قبولك الاعتذار العلني لأنك لا تملك هذا القبول. صمتك الطويل كان مخيباً لآمال الكثيرين ممن يقدرون فنك ونشاطك السياسي وأثار التساؤلات بدلاً من أن يقدم الإجابات وكلامك الأخير زاد من حيرة محبيك بدلاً من أن يبددها.