الحاجة بدرية
جحود الأبناءl تركت والدتها في موقف أتوبيس وفرت هاربه
الأحد، 17 أكتوبر 2021 - 01:45 م
حبيبة جمال
ابنة مات قلبها، أصبحت لا تعرف للرحمة طريقًا، بعد سهر الليالي من أجل تربيتها كانت الضريبة ورد الجميل أن تلقي والدتها بالشارع.. إنها مأساة جديدة تضاف لمسلسل عقوق الوالدين، تجسدت في حكاية الحاجة بدرية التي اقترب عمرها من الثمانين، مات زوجها منذ ٠٢ عامًا ولم يتبق لها سوى نجلتها التي لم ترحم أمها العجوز وألقت بها في الشارع واستولت على أموالها، لكن القدر كان رحيمًا بتلك العجوز وأرسل إليها من يرعاها وينقذها من الضياع والنوم على الرصيف.. في السطور التالية نسرد لكم تفاصيل مأساة الحاجة بدرية ضحية ابنتها العاق.
القصة بدأت بمنشور تداوله مستخدمو الفيس بوك، حول سيدة مسنة غير قادرة على الحركة، تركتها ابنتها في موقف الأتوبيس، بمنطقة القللي بوسط القاهرة، ثم عادت لبيتها بالمنصورة، حالة من الغضب والحزن سيطرت على الجميع خاصة أهالي المنصورة الذين كانوا يريدون معرفة أي تفاصيل عن تلك السيدة لإنقاذها، حتى تدخل فريق الإنقاذ السريع ونقلت السيدة العجوز، العاجزة عن الحركة لدار قنطار الخير لإيواء الكبار، لتبدأ تلك السيدة حياة جديدة داخل تلك الدار لعلها تنسى جحود ابنتها وما فعلته.
«أخبار الحوادث» من منطلق مسؤوليتها انتقلت لدار إيواء الكبار، لمعرفة ما الذي جرى مع الحاجة بدرية؟!، ولماذا فعلت ابنتها هذا؟!، رغم أن أي مبررات لا يمكن أن تشفع لهذه الابنة أن تفعل هذا بأمها؛ أن تلقي بها وحيدة في الشارع بلا مأوى.
داخل الدار
هنا داخل الدار، كانت الحاجة بدرية تجلس على كرسي متحرك، اقتربنا منها، سيدة عجوز ذات وجه بشوش، لكن بداخلها خيبة أمل وحسرة بدت في عينيها ونبرة صوتها، بدأت تحكي لنا وهي في كامل وعيها تفاصيل سنوات عاشتها في بيتها بالمنصورة، قالت: «تزوجت من تاجر منذ أن كنت صغيرة، عشت معه أجمل أيام حياتي، حتى رزقني الله بسحر، هي ابنتي الوحيدة، توسمت فيها الخير، أحسنت تربيتها، تمنيت أن تكون عوضًا لي وسندًا في الحياة عند الكبر لكنها كانت منذ صغرها متمردة علينا وعلى حياتها، وكبرت البنت التي كانت يوما صغيرة وظننا أنه طيش شباب، حتى تزوجت وأنجبت ثلاثة من الأبناء، وتوفى زوجي وقتها كان عمري ٤٧ عامًا، ظللت جالسة وحدي داخل شقتي، حتى شعرت يومًا بالمرض وتم احتجازي داخل الرعاية المركزة بإحدى المستشفيات، وبعدما كتب الله لي الشفاء عدت لبيتي وكانت المفاجأة التي لم يتحملها قلبي عندما وجدت بيتي بلا أثاث وكأن لصًا زارني وانا في المستشفى؛ لكن علمت بعدها أن ابنتي فلذة كبدي هي التي باعت عفشي وكل ما أملك، لم أجد امامي إلا الشوارع اتجول فيها، تارة انام على سلالم العمارات وتارة أخرى في الحدائق».
صمتت الحاجة بدرية قليلا وكأن شريط ذكرياتها مع زوجها يمر أمام عينيها، ثم انهمرت الدموع من عينيها، وقالت: «لو كان زوجي إبراهيم عايش ماكنتش اتبهدلت كده، بعد ما عشت أجمل أيام حياتي في كنفه يكون الشارع مصيري، منذ تلك الليلة التي جلست فيها وحيدة في الشارع وعيني لم تذق طعمًا للنوم، اتذكر أيضا كيف كنت أجلس على الأرض في عز البرد واطلب منها أن تعطيني غطاء أو طعاما ولكنها كانت ترفض، اتذكر جيدًا كيف اصطحبتني من بيتنا وجاءت لتلقي بي هنا في الشارع كي اتسول».
انهارت الأم العجوز ودخلت في نوبة من البكاء حاولنا معها تهدئتها، وسألناها إذا عادت إليكِ ابنتك نادمة وحاولت أن تأخذك للعيش معها، هل ستذهبين معها أم؟!، وقبل أن نكمل السؤال، قالت منفعلة: «لا.. لن أذهب معها مرة أخرى، فأنا لا أريد أن اترك هذه الدار، لقد أنقذوا حياتي ويتعاملون معي بكل حب ورحمة، فهنا لا ينقصني شيئا، هنا وجدت الراحة والطمأنينة على عكس ما شعرت به ووجدته في ابنتي التي من المفروض أن تكون أحن الناس عليّ».
طلبنا منها أن توجه رسالة لابنتها، فقالت: «منك لله على كم الضرب والإهانات التي تعرضت لها على يدك، تركتيني شهرا كاملا انام على بلاط البيت، أتوسل إليكِ أن تجعليني أنام على السرير ولكن كنتِ ترفضين، ماكنتش اتوقع منك أن يكون هذا هو رد الجميل وتعبي على تربيتك».
«أي بنت تفكر تعمل كده في امها أفضل لها ان تموت بدلا من هذا الذل»؛ رسالة وجهتها الحاجة بدرية لكل البنات حتى لا تتألم أي أم وتتذوق مرارة ما عاشته.
على الرغم من الجحود وقسوة قلب ابنتها، إلا أن الحاجة بدرية قلبها يفيض حنانا وبالها مشغول بحفيدها الذي تدعو الله أن تجد فيه الحنان الذي افتقدته في أمه خاصة وأنه الآن في سن الشباب.
مسئولة الدار
فاطمة جمعة، هي مسئولة تلك الدار، والتي أسستها منذ شهر يونيو الماضي، حرمها القدر من والدتها، فأصبحت ابنة بارة لكل أم مسنة دفعتها الظروف للعيش داخل دار رعاية، بدأت تحكي لنا كيف استقبلت الحاجة بدرية، فقالت: «تلقيت اتصالا في الثالثة فجرًا من فتاة تدعى سمر نديم، وهي فتاة لديها صفحة لعمل الخير على الفيس بوك، تخبرني بوجود سيدة مسنة تركتها ابنتها في موقف الأتوبيس بعدما أخذت أموالها والفيزا الخاصة بها، فطلبت منها أن تأخذها الى أقرب مستشفى لإجراء الكشف الطبي عليها، ثم ذهبت لقسم شرطة الأزبكية لعمل محضر وإثبات حالة، بعدها استخرجنا لها شهادة ميلاد، وبعدما أنهينا كل الإجراءات اصطحبتها معي الى الدار، حاولت التحدث معها لمعرفة التفاصيل، وتمكنت من الوصول لأشقائها الذين أكدوا لي سوء معاملة ابنتها لها منذ أن كانت صغيرة؛ كانت تمنع عنها الطعام، وفي النهاية تركتها بالشارع تتسول طعامها ابسط الأشياء، وبعدما دخلت الحاجة بدرية الدار عرضناها على أخصائي نفسي في محاولة للتخفيف عنها لأنها كانت تبكي دائما ولا تستطيع النوم».
سألناها ماذا تعلمت من كل القصص التي عاشتها مع المسنين والمشردين، فقالت: «تعلمت الصبر، أشعر براحة بال وطمأنينة، فأنا حرمني الله من امي مبكرا، لكن رزقني بكل هؤلاء المسنات».
ووجهت فاطمة رسالة لكل فتاة عاقة: «قبل أن تلقي والدتك بالشارع تذكري تعبها وسهرها على تربيتك ورعايتك، تذكري كم ابنة حرمها القدر من والدتها».
أخذنا جولة في الدار وكيف هي مجهزة بكل وسائل الراحة لاستقبال المسنات، رأينا كيف يتعامل القائمون عليها مع كبار السن من السيدات، تأكدنا أن في هذه الدار ستبدأ الحاجة بدرية حياة جديدة بعيدة عن الجحود والعقوق، ستعيش وسط أناس أحاطوها بالحب الذي لم تره منذ سنوات.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة