كوميديا سوداء عن القبح والفقر فى فيلم عبثى
كوميديا سوداء عن القبح والفقر فى فيلم عبثى


ريش | كوميديا سوداء عن القبح والفقر في فيلم عبثى

هويدا حمدى

الثلاثاء، 19 أكتوبر 2021 - 05:43 م

 

فارق كبير أن تصنع فيلمًا ليبقى فى الذاكرة والوجدان ويمس القلب، وأن تصنع فيلمًا لإبهار المتخصصين والمهرجانات، فلا تهتم إلا بجماليات التكوين والكادرات، لما تتخيل أنه واقع أو لا واقع، تتعمد أن تظهر قبحه ولا ترى فيه إلا قبحًا.. 

فى الفيلم المصرى «ريش» لعمر الزهيرى الذى اقتنص الجائزة الكبرى لأسبوع النقاد الدولى فى مهرجان «كان» فى مايو الماضى ويتنافس على جوائز «الجونة» الآن، لم ير المخرج إلا القبح والتلوث، وتساوت عنده الأمور والعوالم، ففى الفقر قبح وفى الثراء أيضًا..

 

 

فى فيلم كل كادراته مدروسة ومحسوبة ومقصودة لتظهر على الشاشة كلوحات تشكيلية بدلا من ميلها إلى طابع سيريالى ربما أراده المخرج، جاءت منفّرة وصادمة، ومنزوعة الجمال والروح، تبدو الطبيعة قبل الديكور لوحة خانقة، من دون مبرر فنى، ولم يسلم البشر أيضا مما اتسمت به اللوحة من التلوث والنمطية والعته المقصود. 

 


 ما قيمة الفن إذا لم يضف إلى الحياة جمالًا؟ حتى القبح يمكن التعبير عنه بجماليات لا تنقل عدواه إلى المشاهد فينفر منه. 

 

 


 بضع جوائز يستحقها الفيلم، ولكن لن يشاهده أحد مرة ثانية أبدا، حتى من منحه الجائزة لن يضطر إلى إعادة مشاهدته، ليس لأنه تجربة الفيلم مؤلمة، وإنما لأن هناك تعمدا لإيلام المشاهد، كالوقوع فى بالوعة صرف صحى غطاؤها جميل متقن الصنع لكن ماذا بعد؟ 


 فى مصر، فى مكان وزمان ليس الآن بالطبع، يغلف ويحاط بكل عوامل التلوث التى يمكن تخيلها.. البيت لوحة عتيقة لبؤساء يعيشون بلا روح، كائنات جامدة لا تثير التعاطف ولا تختلف عن المكان ضبابى الملامح، وكأن التلوث والفقر أصابهما بالغباء..

بيت صغير فقير وقذر وأسرة رجلها مستبد تطيعه زوجته طاعة عمياء ودون كلمة واحدة، تخدمه وأولادهما الثلاثة فى صمت تام، يعدهم الأب الفقير الأبله بفيلا بحمام سباحة ويأتى بنافورة كديكور للغرفة العشوائية القذرة ليضيف إليها جمالا فى حفل عيد ميلاد ابنه الصغير، يحييه ساحر عجيب، يُدخل الأب صندوقه الخشبى القذر ليخرج منه دجاجة وسط ذهول الأسرة والضيوف الذين يحملون الساحر المسئولية لكنه يصرخ فيهم بعنف ألا يتدخل أحد فى عمله! ويترك لهم الدجاجة ويرحل..

 

 

ويبدو أن المخرج متأثر بفيلم «الأصليين» كل إنسان تم وضعه فى نظام معين فى حياته يتحول لكائن داجن فحول رب الأسرة المعدمة إلى دجاجة! 


تجد الأم نفسها فجأة مسئولة عن إعالة أطفالها والدجاجة..تكافح البيروقراطية التى لا تعترف بهذا التحول وتلقى على كاهلها ديونا تسددها بأثاث متهالك ثم بتشغيل طفلها الصغير بالمصنع بدلا من الأب الدجاجة.. 

وتضطر الأم للعمل كخادمة بقصر لأثرياء، القصر أيضا قبيح بلا روح.. يزينه تمثال رخامى يشبه سيدة القصر الشمطاء، تنظف الأم الأرض تحته بحركات آلية تشبه الحياة هناك.. ويغريها ثراء المكان وفقرها بسرقة قطع لحم ومصاصة وأشياء بسيطة تستدعى توثيقها وطردها بلا رحمة..

يطمع فيها كل رجال الفيلم ويستغلها كل بطريقته بينما هى كالجماد لا يهتز لها جفن ولا مشاعر.. وتستمر الأحداث الغريبة حتى يعود الأب كالميت، تخدمه وترعاه كما كانت تخدم وترعى الدجاجة.. يضاعف المخرج المتأثر بكافكا جرعة السوداوية باستعراض ما أصاب الأب من أمراض وقيح وصديد وغيره من صنوف التعذيب للمشاهد مقابل المتعة البصرية بتكوينات الكادر والتشكيل. 

 مبروك للمخرج الموهوب عمر الزهيرى جائزة «كان» ويبدو أنه لا سبيل لجوائز مرموقة إلا بافتعال القبح، وإن تعمد تجهيل الزمن بأغنيات السبعينيات والثمانينيات كتعليق ساخر على أحداثه المؤلمة.. كنت أتمنى أن استمتع بالفيلم والتكنيك المبهر وجماليات الصورة والإضاءة والديكور، لكنى لم أحب هذا الفيلم منزوع الروح. 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة