جمال فهمى
جمال فهمى


الـ«نعم» ليست دائما حكيمة

جمال فهمي

الثلاثاء، 19 أكتوبر 2021 - 07:54 م

 

الأديب والمسرحى الألمانى العملاق بريتولد بريخت «1892 1956» كتب نصا مسرحيا طريفا جدا أثار، عندما عرضت هذه المسرحية فى العام 1930، عاصفة هائلة من الضجيج والتساؤلات المندهشة خصوصا من قبل جمهور النقاد التقدميين والاشتراكيين الذين كانوا تعودوا أن يستقبلوا بحماس شديد كل عمل جديد لهذا المسرحى الفذ.


 المسرحية التى أثارت تلك العاصفة وهزت، أو كادت، جبل الدعم التقدمى الراسخ لكل إبداعات بريخت تحمل اسم «ذاك الذى يقول نعم، و ذاك الذى يقول لا».


وكما ترى عزيزى القارئ فإن غرابة المسرحية ربما تبدأ من عنوانها ثم سرعان ما يتأكد انطباع الدهشة عندما نعرف أنها ليست نصا مسرحيا واحدا وانما اثنين مختلفين تماما وإن كانا يعرضان لحدث واحد وبنفس الشخصيات، ولكن لكل منهما نهاية مختلفة. وقد أصر بريخت على أن يعرضا دائما معا.


النص الأول، «الذى يقول نعم»، يحكى عن مدينة انتشر فيها وباء مجهول لكنه معد وقاتل، ما دفع أستاذا فى مدرسة إلى جمع عدد من طلابه ليقوموا جميعا برحلة إلى خارج المدينة حيث يقيم مجموعة من العلماء والحكماء، على أمل أن يجد الجمع حلا أو ترياقا ينقذ أهل المدينة من هذا الوباء.


يبدأ جمع الطلاب مع مدرسهم الرحلة الطويلة، لكن يحدث فى الطريق أن فتى من الطلبة تظهر عليه أعراض اعياء شديد، وعلى نحو يجعله غير قادر على الاستمرار فى الرحلة وقد بدا هو نفسه مصابا بالوباء المجهول، وفى لحظة يتحلق حول هذا الفتى عدد من زملائه ويسألونه السؤال المعتاد: هل تستطيع مواصلة السير معنا؟


يرد الفتى المريض بأنه: لن يستطيع، ثم يتابع معترفا بأنه شارك بحماس فى هذه الرحلة لأن أمه مصابة بالداء المجهول وأنه يسعى ليجلب لها ترياقا ينقذها.. يعود رفاقه ليسألوه إن كان يرضى أن يبقى فى مكانه ويكملوا هم المشوار؟ فيجيب: «نعم أتركونى هنا، فلست أرغب فى تعطيلكم عن أداء مهمتكم، لكنى استأذنكم أن تحملوا معكم هذا الوعاء، فإن وجدتم عند العلماء ترياقا فأرجوكم أن تأخذوا فيه ما يكفى لشفاء أمى.. لكننى أخاف لو تركتمونى هنا أن أتعذب وحدى وأنا أموت ببطء، لذلك أتمنى لو تلقوا بى الآن فى الوادى حتى أموت فورا».


هنا يتحرك ثلاثة من رفاقه ويحملونه ثم يلقون به الوادى السحيق، ويكملون الرحلة من دونه.
أما نص المسرحية الثانى، أى «الذى قال لا»، فإنه يكرر وقائع الأول، بيد أنه حين يصل إلى الجزء الذى يتكشف فيه توعك الفتى وعدم قدرته على إكمال الرحلة، فإن مسار المسرحية يختلف كليا عما جرى فى نص أل «نعم»، إذ عندما يسأل زملاء الطالب المصاب أن كان يقبل أن يتركوه ويكملوا هم من دونه تكون إجابته «لا»، ويكمل: «.. ربما ترون أن هذه الإجابة سيئة، لكنكم ستكتشفون، ببعض التأمل، أن سؤالكم كان أسوأ كثيرا.. يارفاق: من يقوم بالخطوة الأولى ليس مجبرا بالضرورة أن يقوم بالثانية، أما التقاليد وشعارات التضحية العمياء بالنفس من دون تدبر وتفكير، فهى وإن كانت شعارات براقة، تفتقد الحس الإنسانى السليم.. أيها الأصدقاء علينا من الآن أن نصنع تقاليد أخرى بديلة تحل محل التقاليد البالية .. تقاليد أكثر إنسانية وأكثر رشدا واحتراما للعقل».

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة