يقول المثل الإنجليزي: هناك دائماً مرة أولى. هذه المرة الأولى فى حياتنا النيابية الطويلة ( بعد ثورة 1952)هى تشكيل ائتلافات برلمانية لتكوين أغلبية قادرة على تسيير الأمور السياسية وعدم وقوع البلاد فى براثن ما يسمى بالثلث المعطل كما هو واقع فى لبنان الشقيق مثلاً، لاسيما بعد إخفاق كافة الأحزاب المتنافسة فى تحقيق الأغلبية التى تمكن أياً منها من تشكيل الحكومة. الأمر على هذا النحو يبدو مقبولاً ومقنعاً وربما ضرورة. لكن المؤرق فى هذا الأمر هو استخدام فزاعة الانهيار وتخويف الأحزاب والنواب بتحذير «أنا أوالفشل» أى إما الانضمام لائتلاف الأغلبية المراد تشكيله تحت اسم دعم الدولة المصرية او دعم مصر - أياً كان المسمى - أو الفشل فى القيام بدور نيابى محترم. والأهم الفشل فى الحصول على نصيب من الكعكة البرلمانية برئاسة لجان المجلس.
ورغم الأزمة التى حلت بائتلاف الأغلبية الوليد وتعرضه للانهيار فى لحظة حساسة من عمر مجلس النواب قبل أيام من بدء أولى جلساته، فقد انتابت حالة غريبة من التلاسن اعضاء ائتلاف دعم مصر «دعم الدولة المصرية سابقاً» سواء المؤسسين أوالمنسحبين بلا رجعة أوالعائدين.
كانت نغمة الاستغناء والتصغير التى تحدث بها السيد أسامة هيكل فى الحوار الذى أجرته معه صحيفة الشروق المصرية لافتة للانتباه، لاسيما فى تعليقه على انسحاب حزب مستقبل وطن.. معروف طبعاً ان هيكل من اقطاب ائتلاف دعم مصر ومن قبله قائمة فى حب مصر، من ثم فإن حديثه لا يمكن ان يؤخذ على محمل شخصي، إنما يمكن اعتباره أحد الأصوات التى تعبرعن رؤية أصحاب التحالف رغم ما بينهم من اختلافات وخلافات يحاولون لملمتها.
فى تعليقه على انسحاب حزب «مستقبل وطن» من الائتلاف قال :»إن ائتلاف دعم مصر ليس زواجاً كاثوليكياً ومن يريد ان يخرج يخرج»!. قال أيضاً: «ان الائتلاف لن يتأثر بانسحابهم لكن هم (يقصد حزب مستقبل وطن) سيتأثرون». ثم جاءت عبارة: «ما هى مؤهلات بدران ليقول انه يريد رئاسة الحكومة؟» وبدران الذى يقصده هو محمد بدران رئيس الحزب المنسحب الذى عاد بعد مفاوضات استمرت ست ساعات لإقناعه هو وقيادات الحزب الأخرى بالعدول عن الانسحاب مع تقديم كل «عرابين» الترضية والاستسماح، وتلبية كل الشروط لعودة الحزب المنسحب.
فى المقابل وصف بدران عودة حزبه للائتلاف بأنها أعطت قبلة الحياة لائتلاف دعم مصر بمعنى أن العودة أنقذت الائتلاف من التفكك وفقدان ميزة الأغلبية التى يسعى اليها خاصة بالتزامن مع انسحاب أعضاء من حزب الوفد أيضاً.
هذا التلاسن والمنّ على الآخر بأنه هو المحتاج يعد بداية غير مبشرة، لو كان هذا هو أساس العلاقة التى تربط أعضاء الائتلاف. وكل الخوف ان يسيطر هذا الشعور عليهم فيكون نقطة قوة لكل حزب لفرض شروطه وتتوارى مصلحة مصر أمام المصالح الفردية ولايجدى ساعتها «حب» أو «دعم».
الطبيعى أن تكون هناك مبادئ وشروط موضوعية تحكم العلاقة بين أعضاء الائتلاف، لكن استعمال مبدأ «الغلبة مقابل الاحتياج» أسلوب منفر يشعر المواطنين بالتوجس وعدم الاطمئنان.
ولأنها المرة الأولى أيضاً فإن الخيط الرفيع الفاصل بين الالتزام الحزبى وحرية الرأى لا يبدو واضحاً فى أذهان كثير من نواب البرلمان الجدد. أفهم أن ينضم حزب بأكمله لائتلاف الأغلبية أو ينسحب منه، لكن أن يفعل ذلك - بشكل فردى - أعضاء فى حزب نجحوا على قوائمه وحصلوا على فرصة دخول البرلمان بفضله فهذا هو الغريب والمعيب أيضاً، حتى لو كانت شعبيتهم الطاغية بدوائرهم سبباً فى ضمهم لقوائم الحزب من الأساس. فلو كانوا ضامنين لقوتهم وقدرتهم على الفوز بمقعد مستقل لما تدثروا بالغطاء الحزبى. لهذا يصبح خروجهم عن الالتزام الحزبى واتخاذ مواقف فردية سواء بالانضمام إلى ائتلاف الأغلبية أو الانسحاب منه أمراً مشبعاً بالانتهازية المقيتة. والانتهازية هنا متبادلة بين كافة الأطراف سواء من الحزب الذى ضم أسماء إلى قوائمه لشعبيتها وقدرتها على التنافس، أو من تلك الأسماء التى رضيت بالانضمام إلى قوائم حزب لمجرد ضمان فرصة دخول البرلمان أو من ائتلاف الأغلبية الذى يريد توفير أغلبية ساحقة بأى ثمن فيغرى أفراداً بالانقلاب على أحزابهم ويدخل بهم فى معركة تكسير عظام للأحزاب المنافسة بتخفيض قوتهم التمثيلية فى البرلمان.
وهنا أظن أن هذا الوضع يخلق أزمة أخلاقية قبل أن تكون تصويتية وعددية لأحزاب هؤلاء «المهاجرين». هكذا يبرز اختلاط المفاهيم والكيل بمكيالين وينضح الفكر الاستبدادى الذى يصيبنا بالخوف على مستقبل الأداء البرلمانى.