رغم زملكاويتى الشديدة منذ الصغر إلا أن والدى الحاج احمد مبارك الأهلاوى الصميم متعه الله بالصحة والعافية زرع بداخلى أنه من أراد أن يتحلى بالأخلاق الحميدة فعليه أن يشجع الأهلى باعتباره النادى صاحب مدرسة القيم والمبادىء التى تفتقدها جميع المدارس الأخرى، وبلغ من يقين الحاج احمد بهذه الحقيقة أنه كان يعتبر نفسه قد فشل فى تربيتى فشلا ذريعا إذ أننى مرقت وانحرفت وانضممت لشلة السوء التى أغوتنى وعرفتنى طريق الشيطان الرياضى المتمثل فى تشجيع نادى الزمالك فلم يكن الانحراف من وجهة نظره أن يتعرف ابنه على صديق بايظ يغمزه بسيجارة ليسحبه لعالم التدخين والمخدرات مثلا بقدر ما كان الانحراف الحقيقى هو أن يقوم هذا الصديق البايظ بغمز ابنه بتذكرة قيمتها بريزة (أى عشرة قروش وليست عشرة جنيهات كما تعنى كلمة بريزة هذه الأيام) حتى يشاركه الفرجة على مباراة للزمالك بالمقهى الوحيد الذى كان فى قريتنا وكنت كلما عدت للبيت بعد انتهاء المباراة يستقبلنى والدى بنظرات الشك والريبة وكان يتفحصنى من فوق لتحت فإذا أردت الكلام صرخ فى وجهى قائلا: اخرس خالص مش طايق ريحة بقك فأرتبك محاولا أن أشرح له أننى كنت على القهوة أشاهد الماتش وليس فى كباريه لكنه يصر أن رائحة هتافات تشجيع الزمالك تفوح منى!
وهكذا عشت طفولتى وشبابى مشكوك فى أخلاقى تطاردنى نظرات المذلة والهوان خاصة أن شقيقاتى البنات كلهن كن يشجعن الأهلى مما زاد من صعوبة موقفى وكنت لا أستطيع ممارسة سطوة الولد الصعيدى الوحيد على شقيقاته البنات إذ كان يكفى أن تشكونى الواحدة منهن لوالدى بادئة كلامها بعبارة: إلحقنى يابابا ابنك الزملكاوى عايز يضربنى فيسارع الحاج احمد شاخطا بصوت مرتفع ليردعنى قبل أن أفكر فى مد يدى عليها قائلا وهو يحتضنها ليحميها منى: مش فاضل غير زملكاوى زيك يمد إيده على اخته الأهلاوية حتى امى الحبيبة شفاها الله وعافاها كثيرا ما انتحت بى جانبا قائلة: امتى بقى تبطل طيش وترجع عن الفرجة على الفريق الزفت ده إللى حايوديك فى داهية يابنى اعقل بقى وخليك مؤدب زى اخواتك البنات، وعندما لا تجد فائدة ترجى منى تندب حظها قائلة وهى توجه كلامها لى لتستعطفنى: آه ياميلة بختك فى ابنك الوحيد يا أم هشام، وبالطبع فشلت كل محاولاتى فى اقناع أمى بأن الزمالك ليس بهذا السوء وأن حكاية نادى الأخلاق الحميدة التى يدعيها الأهلاوية دى مبالغ فيها حبتين حيث كانت تضع يدها على فمى وهى تقول فى شفقة: يعنى مش كفاية إنك زملكاوى لا وكمان عايز تغلط فى الأهلى، طب وطى صوتك لحسن أبوك يسمعك ويخليها ليلتك النهاردة!
حتى عندما حزمت حقائب الأحلام وانتقلت للحياة فى القاهرة استمر الذل الأهلاوى لى ولمثلى من الزملكاوية حيث كانت عبارة نادى القيم والأخلاق الحميدة تظهر فى عناوين الصحف ونشرات الأخبار لدرجة أننى بدأت أشك فى نفسى وصدقت أن الأهلى بالفعل مدرسة الأخلاق الحميدة حتى استيقظت مصر كلهاعلى زلزال النجم المعتزل عادل هيكل الذى اعترف بأن الأهلى لا يمكن أن ينسى مواقف عم عبده البقال رحمه الله حيث كان يقوم برشوة لاعبى الفرق الأخرى لتفويت الماتشات للأهلى نادى المبادىء والأخلاق الحميدة فشعرت أن اللحظة التى كنت أنتظرها من زمان قد حانت حيث أسرعت طالبا والدى فى التليفون قائلا فى شماتة غير خافية: معقولة كده ييجى اليوم إللى تتهد فيه مدرسة الأخلاق الحميدة وتظهر على حقيقتها وأتاريكم بتكسبوا برشاوى عبده البقال؟: فقال: «هو انت طالبنى علشان كده؟ طب ايش قولك بقى إن عبده البقال ده ولا عمره كان بيفهم حاجة فى البقالة؟»، ثم أغلق السماعة فى وجهى!.