المشهد المرتبك الذى يعيشه مجلس النواب الجديد قبل أن ينعقد رسميا بسبب استمرار الخلافات والصراعات حول الائتلافات الحزبية والسـياسية فى البرلمان يدفعنى - بصفتى شاهد عيان - لعقد مقارنة سريعة بين مفاتيح الضبط والربط تحت القبة خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة من عهد مبارك التى أحكم فيها كمال الشاذلى ومن بعده أحمد عز سيطرة الحزب الوطنى على البرلمان ومحاولة اللواء سامح سيف اليزل رئيس ائتلاف دعم مصر لعب نفس الدور الآن.. إذن هى مقارنة بين الشاذلى وعز وسيف اليزل.
أبدأ بكمال الشاذلى الذى عرفته عن قرب منذ بداية عملى فى الصحافة قبل ٤٠ عاما.. شديد الذكاء.. يعرف كيف يطور امكانياته وقدراته ليكتسب كل يوم خبرات جديدة وكيف يدعم علاقاته على كل المستويات بما يدفع به لمقدمة الصفوف.. الوكيل البرلمانى كان أول منصب يتولاه الشاذلى تحت القبة من خلال تجربة استحدثها الحزب الوطنى فى بداياته آواخر السبعينيات.. لم يكن الشاذلى الوكيل البرلمانى الوحيد لكن كان هناك ثلاثة آخرون يتولون نفس المهمة وهى التنسيق بين الوزراء والنواب.. كل منهم مسئول عن عدة وزارات لكن سرعان ما لمع نجم الشاذلى وأثبت أنه الأجدر بالتصعيد داخل الحزب حتى أصبح أمينا للتنظيم وزعيما للأغلبية.
أمين التنظيم هو من يختار مرشحى الحزب وزعيم الأغلبية هو من يحرك نواب الحزب بنظرة أو اشارة أصبع.. المنصبان لم يضيفا للشاذلى وإنما هو الذى أضاف إليهما بقوة شخصيته حتى أصبح كل من فى القاعة يتمنى رضاه بمن فيهم نواب المعارضة والمستقلون.. وأشهد أننى رأيت نواب الاخوان ومنهم الرئيس المعزول مرسى يقفون أمامه كالقطة!! ويتوددون إليه كلما سمحت لهم الفرصة.. قد يهاجمون سياسات الحكومة والحزب الوطنى أمام الميكروفون لكن أمام مقعد الشاذلى أو فى قاعات وردهات المجلس يتحولون إلى قطط.
لم أسمع أبدا أحدا ينادى الشاذلى إلا بكمال بك.. كان بك فعلاً ساعده فى ذلك ضخامة جسده.. وفى السياسة كان «معلم» وأهم ما نجح فيه أنه لم يجمع النواب حوله خوفا منه بل حبا فيه.. أدار علاقاته الانسانية بمنتهى الذكاء.. لهذا كان ينظر دائما لمحاولات خلفه أحمد عز الذى تولى أمانة التنظيم من بعده للسيطرة على النواب والتحكم فى مصائرهم بسخرية وأحيانا ما يتهكم بعبارات يفهم منها إلى أى مدى أحمد عز «صغير» مقارنة به.
اتبع أحمد عز اسلوب «التخويف والترهيب» للنواب ومراقبتهم وتسجيل كل ما يقولون تحت القبة سواء فى وجوده أو غيابه من خلال مجموعة شباب كانوا يزاحموننا فى شرفة الصحافة وفى يد كل منهم نوتة لمتابعة ومراقبة نواب محافظات معينة.. كثيراً ما استمعت إلى نواب ينادونه بأحمد بك لكن شتان الفارق بين كمال بك وأحمد بك! ليس فى حجم الجسد فقط لكن فى الشخصية نفسها.
صحيح أن أحمد عز نجح فى السيطرة على نواب الحزب الوطنى فى برلمان ٢٠٠٥ وكانوا يرتعدون لو سمعوا أسمه لكنها سيطرة صنعها الخوف وليس الحب.. وكثيراً ما ارتكب أخطاء وتجاوزات أغضبت وأحرجت رئيس المجلس د.فتحى سرور.. وعندما اقتربت انتخابات ٢٠١٠ راودنى احساس خفى أنه سيتسبب فى كارثة لأنه لا يسمع إلا صوته ولايعير اهتماما لأى رأى آخر.. أدار المعركة الانتخابية بعنجهية غير مسبوقة أطاحت بكل القوى المعارضة ولم تمض إلا أيام حتى أطاحت بالنظام كله.
الآن وبعد ٥ سنوات من سقوط مبارك بسبب ممارسات أحمد عز والحزب الوطنى نجد هذه الممارسات تطل علينا من جديد من خلال محاولة اللواء سامح سيف اليزل -القادم من خلفية عسكرية ولم يمارس السياسة من قبل- تشكيل ائتلاف سياسى داخل البرلمان يضمن أغلبية الثلثين بأى شكل مستخدما فى ذلك اسلوبا عفا عليه الزمن واسقطته ثورة ٢٥ يناير بالضغط على النواب وتخويفهم والتلويح بأنهم إذا لم ينضموا للائتلاف فإن مجلس النواب سيكون مهددا بالحل!!
إيه الحكاية ياسيادة اللواء؟ حتى المقربون منك وأولهم مصطفى بكرى اعترف أن الانشقاقات التى شهدها الائتلاف الوليد سببها طريقة ادارتك للأمور وانفرادك بالقرارات.. هذا الائتلاف -كما قلت الأسبوع الماضي- لا مبرر له فى ضوء ما أسفرت عنه الانتخابات وهو أن كل الاحزاب الممثلة فى البرلمان و٩٩٪ من النواب المستقلين يدعمون النظام والرئيس السيسى.
لماذا لاتترك التجربة تكشف عن ايجابياتها وسلبياتها؟ وتدريجيا ستتشكل ائتلافات تتغير مع كل تشريع أو قضية يناقشها البرلمان.
اترك النواب يتنفسون الحرية ويتدربون على الممارسة البرلمانية.. لاتضغط عليهم فلن تصبح كمال الشاذلى آخر ولا أرضى لك أن تصبح أحمد عز جديد!