شقة المعلم عمارة
شقة المعلم عمارة


فرفش كده | شقة المعلم عمارة

الأخبار

الخميس، 21 أكتوبر 2021 - 05:29 م

عبد الصبور بدر

 

شد المعلم عمارة السمسار نفسا طويلا من الشيشة وأنا أجلس معه على المقهى، ونفخ الدخان فى وجهى قبل أن يقول:

لاقيت لك شقة مفروشة إنما أيه، شرحة، وبرحة، وهواها بحرى، وفيها أوضة بتطل على الشارع، ورخيصة على أد الأيد.. بس فيها عيب صغير 

مشبوهة يا معلم؟!


رفع عمارة كفيه وكأنه يقيم الصلاة وقال: عييييب.. شريفة وعفيفة وطاهرة.. كل الحكاية إنها «مسكونة».

مسكونة!؟


آه مسكونة.. وبعدين هو انت لاقى. قالها المعلم عمارة وهو يقلب عينيه فى هيئتى باحتقار، ثم تنخم وبصق على الأرض وتابع: على الأقل العفاريت بتستخبى.. يعنى مؤدبين ومحترمين ..

مش زى البق والبراغيت والصراصير اللى مش لاقيين حد يلمهم فى لوكاندات كلوت بك المنتنة اللى انت خللت فيها، وأهو تلاقى حد يونسك بدل ما انت مقطوع من شجرة.


وهكذا أقنعنى المعلم عمارة وتمت الصفقة، لهف أجرة شهر، وانتقلت إلى الشقة الجديدة، وبمجرد أن فتحت الباب ودخلت برجلى الشمال شعرت بهم يمرحون ويتقافزون، فخطوت بحذر خوفا من أن أدوس على واحد منهم ويلبسنى.


جلست على الكنبة وأنا أحبس أنفاسى، واتفرج على عرض العفاريت اللا مرئى، أحس بهم، لكنى لا أعرف أين هم بالتحديد، ما الذى يميز ملامحهم؟ ما هى أحجامهم؟ وكيف يتخاطبون؟.. من أين يحصلون على طعامهم وشرابهم وكل شىء كما هو دون نقصان؟!.


ويوما بعد آخر صارت عشرة وأدركت أنهم يستخدمون حوائط البيت وأثاث وأجهزة المنزل فى أغراض أخرى، ويقتسمون الحياة معى بطريقة عادلة، على سبيل المثال يتركون لى السرير لأنام عليه، بينما يتمددون على السقف ويتقلبون دون أن يقع أحد منهم على وجهى، أما أطفالهم الأشقياء - ربنا يخلى - فحين كانوا يلعبون الاستغماية  لا يحلو لهم الاختباء إلا فى قفايا، بين الجلد والفانلة.


يتفرغ نساؤهم للنميمة فى بطن البوتاجاز، بينما يلتقى رجالهم على مقاهى داخل كشكشة ستارة الحمام، فى حين أن المقابلات الغرامية بين العشاق تتم داخل الأدراج المغلقة، مما كان يجبرنى على القيام بجولات تفتيشية مستمرة على درج درج، حتى أحافظ على احترام البيت الطاهر الشريف، ولا تقع فيه الفاحشة وتصيبه اللعنة.


لكن العشاق الملاعين اعتبرونى عدوا، وقلقوا منامى بالكركبة والخبط والرزع طيلة الليل، ورغم ذلك لم يتلفوا شيئا من محتويات الشقة، مجرد أصوات على الفاضى، تعودت عليها، وليلة بعد ليلة تجاهلتها، ونمت مطمئنا. 


كنا بنتخانق زى أى 2 اخوات عايشين مع بعض، لكن لم يفكر أحدنا فى إيذاء الآخر، حين ينكسر كوب زجاجى على الأرض أخشى أن يكون بيتا لأسرة منهم، وقبل أن ألقى  به إلى سلة المهملات، أتركه على حاله فترة طويلة حتى أعطيهم فرصة للعزال، وفى المقابل منحونى الحماية من بلطجية الشارع، فبمجرد أن يعرف أحدهم أنى مخاوى يبتعد عن طريقى ولا يجرؤ أن يلمسنى.


المرات النادرة التى كنت ألمح فيها طيفهم، عندما أغلق مصابيح البيت ويعم الظلام، اعتقد أنهم يحبون تلك اللحظات جدا، ويتخلون فيها عن الحذر، يتحركون بانسيابية من حولى، قد يلمسنى أحدهم دون قصد فأحس بتلك القشعريرة الحلوة من الخوف المخلوط بالونس، وأنا أبتسم.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة