الإمام الشعراوي
الإمام الشعراوي


خواطر الإمام الشعراوي.. الرسول ومنهج الحق

الأخبار

الخميس، 21 أكتوبر 2021 - 07:16 م

يقول  الحق فى الآية 47 من سورة القصص: «وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»، المعنى: لولا أن تصيبهم مصيبة بما قدَّمَتْ أيديهم لَعذَّبناهم فاحتجوا قائلين: «رَبَّنَا لولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين» فلو عذَّبهم الله دون أن يرسل إليهم رسولاً لكانت حجة لهم.
 

سبق أنْ قُلْنا: إنه لا عقوبة إلا بتجريم، ولا تجريم إلا بنصٍّ ولا نصَّ إلا بإعلام، لذلك تُنشر الأحكام فى الوقائع الرسمية ليعرفها الجميع، فتلزمهم الحجة، ولا يُعْذَر أحد بالجهل بالقانون، ولا يُعفى من العقاب.


 إذن: قطع الله عليهم الحجة، حين بعث إليهم رسول الله بمنهج الحق الذى يدلهم على الخير والثواب عليه فى الجنة، ويحذرهم من الشر والعقاب عليه فى النار: «لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرسل...» «النساء: 165».


إذن: الحكمة من إرسال الرسول إقامة الحجة على المرسَل إليهم مجرد إقامة الحجة؛ لأن قضايا الدين قضايا حقٍّ فطرى يهتدى إليها العقل السليم بفطرته؛ لذلك وقف المستشرقون طويلاً عند شخصية عمر - رضى الله عنه - يقولون: تذكرون عمر فى كل شيء: فى العدل تقولون عمر، وفى القوة تقولون عمر، وفى وجود رسول الله تقولون نزل القرآن موافقاً لكلام عمر، أليس عندكم إلا عمر؟


 وكأن الحق تبارك وتعالى يدلُّنا بشخصية عمر إلى أنه سبحانه لم يُكلِّفنا بقضايا تنفر منها الفطرة، إنما بقضايا تقبلها فطرتنا السليمة، وتهتدى إليها بطبيعتها السوية الخالية من الهوى، وهذا عمر لم يكُنْ نبياً ولا رسولاً، لكن كان يصل إلى الحق بما فيه من فطرة إيمانية وعقلية سالمة من الأهواء، حتى وصلت به الفطرة السليمة إلى أنْ ينطق القرآن بنفس ما نطق به.


 وكلمة «ولولا...» تأتى بأحد معنيين: إنْ دخلتْ على الجملة الأسمية فهى حرف امتناع لوجود، كما لو قلت: لولا زيد عندك لَزرتُكَ، فامتنعتْ الزيارة لوجود زيد، ومن هذه قوله تعالى: «ولولا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ...» والتقدير: لولا إصابتهم.


 فإنْ دخلتْ (لولا) على الجملة الفعلية أفادتْ الحثَّ والحضَّ، كما تقول لولدك: لولا ذاكرتَ دروسك، وكذلك لولا الثانية فى الآية «فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين».


 ثم يقول الحق سبحانه وتعالى فى الآية 48 من سورة القصص: «فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ».. قوله تعالى: «فَلَمَّا جَآءَهُمُ الحق مِنْ عِندِنَا...» أى: الرسول الذى طلبوه «قَالُواْ لولا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ موسى...» سبحان الله، إنْ كنتَ كذوباً فكُنْ ذَكُوراً، لقد طلبتم مجرد الرسول ولم تطلبوا معه معجزة معينة فقلتم: «رَبَّنَا لولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً...» والآن تطلبون آيات حِسيِّة كالتى أرسل بها موسى من قبل.


 والمتأمل يجد أن الآيات قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كانت آيات حِسيِّة كونية، مثل سفينة نوح عليه السلام، وناقة صالح عليه السلام، وعصا موسى عليه السلام، وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله بالنسبة لسيدنا عيسى عليه السلام. وهذه كلها معجزات حسية تنتهى بانتهاء وقتها، فهى مناسبة للرسل المحدودى الزمن، والمحدودى المكان.


أما الرسول الذى أُرسِلَ للناس كافَّة فى الزمان وفى المكان، فلا تناسبه الآية الحسيِّة الوقتَية؛ لأنها ستكون معجزة لزمانها، وتظل العصور فيما بعد بلا معجزة، لذلك جاء الحق تبارك وتعالى على يد محمد صلى الله عليه وسلم بمعجزة باقية خالدة محفوظة بحِفْظ الله إلى يوم القيامة.


 وقلنا: إن الرسل قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يأتون بمعجزة تثبت صِدْق بلاغهم عن الله، ومعهم كتاب يحمل منهجه، فالكتاب غير المعجزة، أما محمد صلى الله عليه وسلم فجاءت معجزته هى عَيْن الكتاب والمنهج الذى أُرسِل به ليظل الدليل على صِدْقه باقياً مع المنهج الذى يطالب الناس به، وإلى أن تقوم الساعة نظل نقول: محمد رسول الله معجزته هى عَيْن الكتاب والمنهج الذى أُرسل به ليظل الدليل على صِدقْه باقياً مع المنهج الذى يطالب الناس به، وإلى أن تقوم الساعة نظل نقول: محمد رسول الله وهذه معجزته.


 أمَّا إخوانه من الرسل السابقين فنقول فلان، وكانت معجزته كذا على سبيل الإخبار، والخبر يحتمل الصِّدْق ويحتمل الكذب.


 وقد صدَّقنا بهذه المعجزات كلها؛ لأن الله أخبرنا بها فى القرآن الكريم، فللقرآن الذى جاء معجزة ومنهجاً الفضل فى إبقاء هذه المعجزات؛ لأنه أخبر بها وخلَّد ذكرها.


 ثم يرد الله عليهم: «أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ موسى مِن قَبْلُ...» ثم يحكى ما قالوا عن معجزة موسى، وعن معجزة سيدنا محمد «قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا...» أى: أن سيدنا موسى جاء بسحر، وسيدنا محمد جاء بسحر آخر، وقد «تَظَاهَرَا..» علينا يعنى: تعاونا، وهى مأخوذة من الظهر كأنك قُلْت: أعطنى ظهرك مع ظهرى لنحمل الحِمْل معاً، والظهْر محلُّ الحمل.


 والرد على هذا الاتهام يسير، فمعجزة موسى وإنْ كانت من جنس السحر إلا أنها ليست سحْراً، فالسحر يُخيِّل لك أن الحبال حية تسعى، أمّا ما فعله موسى فكان قلب العصا إلى حية حقيقية تسعى وتبتلع سحرهم، لذلك أُلقى السحرة ساجدين؛ لأنهم رأوا معجزة ليستْ من جنس ما نبغوا فيه فآمنوا من فورهم.


 أما الذين قالوا عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: إنه ساحر فالردُّ عليهم بسيط: فلماذا لم يسحركم أنتم أيضاً كما سحر المؤمنين به؟.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة