يحيى وجدي
مجيب الرحمن عامر.. المكتشف
الجمعة، 22 أكتوبر 2021 - 01:11 م
يحيى وجدي
التقيت الدكتور مجيب الرحمن عامر لأول مرة عام 2018، كان في زيارة عمل قادما من فرنسا ليجمع معلومات أوفى عن القاهرة، يستعين بها في استكمال رسالة الدكتوراة التي يعدها عن منطقة وسط البلد.
ومجيب الرحمن عامر مواليد عام 1986 مهندس معماري وباحث، تخرج في كلية الهندسة جامعة القاهرة 2008 ، ثم حصل على درجة الماجستير عام 2014. عمل بعدد من المكاتب الهندسية الاستشارية وقام بالتدريس في جامعة القاهرة كطالب باحث، وكمعيد في عدة جامعات خاصة، ثم مدرس مساعد في جامعة مصر الدولية، وتعد جامعة جرونوبل الذي قدم لها رسالته للدكتوراة واحدة من أقدم الجامعات الفرنسية، إذ يرجع تاريخها للقرن الرابع عشر وقد تخرج فيها عالم المصريات الفرنسي جان فرنسوا شامبليون وعمل أستاذًا فيها.
فوجئت وقتها بحماسه الشديد ورؤيته المختلفة تماما لهذه المنطقة العريقة شديد التعقيد، وقدرته على تفكيكها إلى وحدات زمنية ونوعية، مختلفة بالكلية عن السردية السائدة لوسط البلد، وحكى لي أن اختياره لمنطقة وسط البلد للبحث نابعًا من أهميتها باعتبارها قلب العاصمة وأصل كل المراكز الخدمية، كما أنها تعبر عن حالة سياسية ومجتمعية مختلفة بدأت بطموح الخديوي إسماعيل في تأسيس حاضرة على النسق الأوروبي جنبًا إلى جنب مع القاهرة الإسلامية، وهو ما أدى لظواهر مجتمعية وعمرانية مختلفة أضافت وجها جديدا للقاهرة غير التي عرفها الرحالة والمستشرقون، هذا إلى جانب سبب شخصي وراء اختياره المنطقة، فهو من سكان وسط البلد وخلال طريقه اليومي من منزله بشارع شامبليون إلى مدرسة الفرير بباب اللوق، عرف الكثير عن المنطقة ومعمارها.
قال لى مجيب الرحمن، إنه سيعتمد في رسالته للدكتوراة على قراءات الأدب والسينما تحديدا لوسط البلد، جنبا إلى جنب مع خرائط التنظيم والتأريخ المعماري للمنطقة.. رسالة دكتوراة مختلفة، ترصد ما أسماه بوجوه وسط البلد السبعة. وبالفعل وبعد ثلاث سنوات من العمل الشاق والدراسة المعمقة، حقق مجيب الرحمن عامر طموحه الأكاديمي هذا وحصل على درجة الدكتوراة من الجامعة الفرنسية العريقة التي تجاور جبال الألب، بعنوان “العمارة والتطور المجتمعي والسياسي، نحو قراءة متعددة لوسط مدينة القاهرة.. وجوه وسط البلد السبعة من 1869 إلى 1973”.
وتعد الفترة التي عمل عليها مجيب الرحمن في رسالته، هي الأطول على الإطلاق في التأريخ لقلب القاهرة وتمتد لما يزيد عن قرن كامل.
وميزة الرسالة التي ستصدر قريبة مترجمة إلى اللغة العربية في كتاب، أنها تعتمد السينما والرواية في التأريخ للمدينة.. روايات لكتاب من كل الأجيال، وأفلام سينما لمدارس مختلفة في الإخراج، قرأها مجيب الرحمن عامر من زاوية خاصة جدا، فهو مهندس وليس سينمائيا أو مؤرخا، لكنه اعتمد أدوات السيميولوجيا، أو علم الدلالات والمعنى وذلك منذ أن أعد أطروحته للماجستير بكلية الهندسة جامعة القاهرة عام 2014 تحت عنوان “العمارة والقيم المجتمعية في ظل التحولات السياسية، العمارة في مصر ما بعد ثورة يوليو إلى ما بعد ثورة يناير”
يدمج مجيب الرحمن عامر إذا، بين أكثر عين ليرى بها المدينة في تحولاتها المختلفة.. عين المهندس المعماري وعين الناقد السينمائي وعين قارئ الأدب، وهو ما يجعل رسالته للدكتوراة عملا نوعيا ومرجعا في قراءة وسط البلد الخديوية، وليس فقط إنجازا أكاديميا مهما ومختلفا.
المؤكد أن القاهرة بتراكماتها لم تكتشف كليا بعد، والمؤكد أيضا أن مجيب الرحمن عامر بجهده البحثي هذا صار واحدا من أهم المكتشفين للمدينة العريقة.