الدكتور فوزى فهمى
د.مصطفى سليم : فوزي فهمي .. الرمز المركزى الخالد فى وجداننا
السبت، 23 أكتوبر 2021 - 04:21 م
د.مصطفى سليم
الكاتب والقائد والأستاذ الدكتور فوزى فهمى من وجهة نظرى هو البناء العظيم في الثقافة المصرية عامة والأكاديمية خاصة، باعتباره قد وضع الأسس العلمية وأسس الأبنية التعليمية التي تسمح، بالنهوض بفنون الأداء والعرض فى مجالات السينما والمسرح والباليه والموسيقى الغربية، والموسيقى العربية بالاضافة لدراسات الفنون الشعبية وفنون التأليف المسرحى وأصول كتابة السيناريو وعلوم النقد الفنى والأدبى.
فحين تأسست أكاديمية الفنون كانت اللوائح والبنية التحتية تقوم على نظم وخبرات الخبراء الروس وعام ١٩٦٩ عندما تم تعيين أول رئيس لأكاديمية الفنون .. وكانت معاهد الأكاديمية وفرقها محدودة نسبة للطفرات التي حدثت بعد ذلك وكانت مساحة الأكاديمية محدودة وفيها مبنى واحد يجمع معاهد الموسيقى العربية والنقد والتذوق الفنى والفنون الشعبية بجانب مدرستى الباليه والكونسرفتوار داخل معهديهما بالإضافة لمبنى معهد الفنون المسرحية ومعهد السينما وقاعة سيد درويش وهي بذلك لا تقارن بمساحتها الآن التى أضيف إليها تسعة عشر فدانا، ولم يكن للأكاديمية أى فروع اللهم إلا مدرسة للدراسات الحرة للباليه والكونسير فى الإسكندرية ولم تكن هناك مراكز أو وحدات ذات طبيعة خاصة، وفي عام ١٩٨٩ تولى الرائد الراحل المعلم القائد، المبدع المستنير الأستاذ الدكتور فوزى فهمى رئاسة الأكاديمية فصار، بحق مؤسسا جديدا للأكاديمية المتطورة، فقد أسس بنية جديدة ومعاهد جديدة، وفرق جديدة ومهرجانات جديدة ووحدات ومراكز جديدة، وخاض معركة عنيفة مع المجموعة التى استولت على الأراضى التي سعى وزير الثقافة العملاق د. ثروت عكاشة لتخصيصها للأكاديمية في ستينات القرن الماضى وبدعم، معنوى كبير من الدكتور ثروت عكاشة استطاع الدكتور فوزى فهمى أن يحصل على التسعة عشر فدانا المخصصة للأكاديمية في مطلع العقد، الأخير من القرن العشرين وسعى لإقامة صروحا جديدة وفقا لمعايير، الجودة العالمية مستعينا بخبرات مصرية وروسية ولا أنسى حين كنت أصعد لمكتبه عام ١٩٩٣ بعد تكليفى بالعمل معيدا كيف كان يجلس، أمام الماكيت المجسم الضخم لمشروعات الصروح التي ستقام فى هذه الأرض ليشرحها لى ولزملائى، وكله فخر وسعادة فهنا ستكون قاعة مؤتمرات وهنا مسرح دائرى، وهنا مسرح مكشوف وهنا مستشفى وهنا معهد لفنون الطفل وإلى هنا سينتقل معهد فنون شعبية وإلى هنا سينتقل معهد النقد الفنى وهنا سيكون مجمع المدارس وهنا ستكون معاهد جديدة للترميم ... وهنا ... وهنا .. كان حلمه ضخما ومبهرا ويهدف لبنية غير مسبوقة وخلاقة لتعليم مواد الفنون تنهض بفنون الأداء والعرض ومستقبلها فى مصر فتم وضع تخطيط غير مسبوق في ضخامته قياسا بأكاديميات الفنون فى أنحاء العالم.
على التوازى مع وضع أساسات الأبنية التعليمية الجديدة أنشأ الدكتور فوزى وحدة إصدارات لأول مرة فى تاريخ الأكاديمية وكانت تصدر ترجمات لعدد كبير من الكتب الهامة في مجالات الفنون من اللغات الأجنبية إلى العربية، بواسطة مجموعة من المترجمين المتخصصين الذين عينهم فى مركز جديد أطلق عليه مركز اللغات والترجمة وكان يقدم أكثر من ثلاثين إصدارا سنويا بخلاف مجلات متخصصة محكمة مثل مجلة الفن المعاصر وقد شرفنى الأستاذ حين اختارنى كأول سكرتير تحرير لإصدارات الأكاديمية فور تعيينى معيدا لخبرتى السابقة فى مجال الطباعة والتحرير الصحفى، وكنا نطبع إصداراتنا حينها فى مطبعة هيئة الآثار بحى الزمالك.
في الوقت نفسه أسس الأستاذ الفرقة الطليعية لأكاديمية الفنون التى أنتجت عرض كاليجولا للكاتب الفرنسى ألبير كامى، وإخراج الاستاذ سعد أردش وبطولة نور الشريف وإلهام شاهين وكمال أبو رية وخليل مرسى ومجموعة من أساتذة التمثيل والخريجين والطلاب وسافرنا لمهرجان موتريل بإسبانيا وكنت أحد أعضاء الفريق الذي شهد نجاح العرض فى مسارح إسبانيا.
كما قام بتحديث اللوائح العلمية للمعاهد المختلفة واستصدر قرارات بإنشاء معاهد جديدة مثل المعهد العالي لفنون الطفل الذى لم يفعل إلا فى فنرة رئاسة الدكتور أشرف زكى للأكاديمية، ومن ناحية أخرى استعان بالخبراء الروس فى الموسيقى والباليه أمثال جيلوفانى وتيمور أباشيزى، وأعاد تهيئة حرم الأكاديمية القديم وتمهيد الطرق غير الممهدة وقام بتحديث البنيات الأساسية للمعاهد القديمة وأسس مهرجان المسرح العربى (زكى طليمات) وقام بدور كبير من خلال بنية الأكاديمية فى استمرار ونجاح مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى الذى كان رئيسه لعقدين من الزمان منذ الدورة الثانية عام ١٩٨٩ وحتى تولى الدكتور سامح مهران إدارة المهرجان وبرفقته الأستاذ عصام السيد و طوال هذه الفترة تعلمت منه الكثير من الدروس في فن الإدارة فقد كنت لاعبا أساسيا في محراب إدارته.
ويجب أن أعترف بأن الدكتور فوزى فهمى صارحنى مؤخرا حين شهد خطوات الدكتور أشرف زكى بأنه سعيد بتحويل حلمه لحقيقة بعد توقف هذه المشروعات لسنوات طويلة عقب تركه لمنصب رئيس الأكاديمية فى مطلع الألفية الثالثة وقد أوصاني بالعمل مع الدكتور أشرف بإخلاص على طريق استكمال الصروح التي وضع أساسها.
ذكرياتى كثيرة كثيرة مع هذا الرمز المركزى في حياتنا الأكاديمية عامة والمسرحية خاصة وسأذكر منها بعض اللقطات السريعة واللقطة الأولى حين تقدمت للالتحاق بقسم الدراما والنقد المسرحى عام ١٩٨٨ وكان حينها الأستاذ نائبا لرئيس الأكاديمية وكان حينها الشاعر د. عز الدين إسماعيل هو الرئيس وكان د. فوزى فى طريقه لرئاسة الأكاديمية، وأثناء امتحاناتى للقبول بقسم الدراما والنقد المسرحي حدثه بعض الأحبة عن طالب الثانوية العامة الشاعر الذى ظهر من خلال مداخلاته الشائعة فى ندوات الدورة الأولى لمهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى عام ١٩٨٨ وأصر سيادته على حضور امتحانات القبول لأنه لم يكن يحب الوساطة ولكنه أدرك أن الوسطاء زملاء وخارج الدوائر الشخصية بالنسبة لى وليس لى دخل مباشر بوساطتهم، وفى امتحان القبول وجدنى الأعلى درجات بين المتقدمين فشعر بارتياح مشوب بالشك في احتمالية تدخل الآخرين لصالحى، وفى المقابلة الشخصية أصر رغم انشغاله على أن يحضر ويسألنى بنفسه أسئلة تختبر الذكاء وتكشف مصادر ثقافتى وأخيرا ابتسم حين أعجب بردودى وحين حاولت أن ألقى بعض أشعارى رد قائلا (خلاص يا بنى كفاية اللى قلته مش محتاجين نسمعك تانى بعدين هنسمعك كتير) وكان هذا بمثابة إعلان مبكر لنجاحى وقبولى وخرج ورائى أستاذى النبيل محمد عبد الهادى وقال لى )كنت رائع يابنى انت أفضل طالب جالنا فى العشر سنين اللى فاتو انا شايفك معيد).
منذ هذه اللحظة وكان اهتمام الأستاذ بى اهتماما خاصا وحين تخرجت عام ١٩٩٢ عينت مباشرة فى مؤسسة دار التعاون كما عملت مع صاحبة الفضل الدكتورة هدى وصفى وحين علم الأستاذ أننى فى طريقى لاستلام العمل بمؤسسة دار التعاون أصدر فورا قرارا بتكليفى بالعمل معيشدا بالقسم طبعا بعد موافقة مجلس القسم بالإجماع.
ثم أصدر بعدها قرارا بتكليفى بالعمل سكرتير تحرير لاصدارات الأكاديمية ومنسقا للجنة الندوات بالمهرجان التجريبى وكان رئيس اللجنة الاستاذ سعد أردش.
كان الأستاذ كتابا مفتوحا على كل الثقافات وكان يعاملنى كمعيد منذ كنت طالبا وكان لا يدخن سوى سيجارة صباحا يحصل عليها من المعيد الأستاذ محمد عبد الهادى الذى ترك المعهد وبعدها كنت أنا رفيق سيجارة الصباح.
كان بالنسبة لى المعلم والأب والداعم والنقطة الفاعلة التي نلتقى جميعا أنا وزملائى عندها، فحين تزوج أخى وزميل ثانوى وقسم الدراما إسماعيل مختار رئيس البيت الفني للمسرح حاليا من زميلتى بقسم الديكور راما فاروق كانت أمنيتهما أن يمرا بالركب على الأكاديمية لالتقاط الصور التذكارية مع الأستاذ فاستجاب لهما بتواضع وخرج لهما خارج حرم الأكاديمية بنبل وتواضع وكانت سعادة غمرتهما وغمرتنا جميعا.
إنه المعلم الذى كان مصدرا للثقافة الروسية والآسيوية بالأكاديمية بوجه خاص والأوروبية بوجه عام .. وعلى مستوى الإدارة علمنا أن الإدارة فن وعلم ولغة واقتدار ..
لا أنسى مقولاته الشهيرة مثل:
»أنتم عقل الأكاديمية يا أبناء قسم الدراما والنقد«
»المدينة المحاصرة لا تسقط لكثرة عدد من يحاصرونها وإنما تسقط حينما يشعر حماتها بلا جدوى حمايتها«
»سيأتي يوم ينتهي فيه العذاب الأسود ويصبح الموت عدلا .. طوفان بلا فلك«
أستاذي الجليل وأبى فوزي فهمي ألم الفراق ألم بى وبتلامذتك فعجز القلم عن كتابة كل شىء ولكن أعدك بكتاب يليق بتاريخك واسمك، وفضلك .. على أمل اللقاء في البرزخ.