البروفيسور‭ ‬والمترجم‭ ‬مايكل‭ ‬هوفمان‭
البروفيسور‭ ‬والمترجم‭ ‬مايكل‭ ‬هوفمان‭


قصص كافكا المجهولة

أخبار الأدب

السبت، 23 أكتوبر 2021 - 04:26 م

ترجمة‭:‬‭  ‬محمد‭ ‬عثمان

فى‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬نشر‭ ‬البروفيسور‭ ‬والمترجم‭ ‬مايكل‭ ‬هوفمان ‬نسخته‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬ترجمته‭ ‬لقصص‭ ‬فراتس‭ ‬كافكا‭ ‬فى‭ ‬كتاب‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬تحريات‭ ‬كلب‭ ‬ومخلوقات‭ ‬أخرى‮»‬‭ ‬واحتوى‭ ‬على‭ ‬42‭ ‬قصة‭ ‬قصيرة‭ ‬لم‭ ‬تُنشر‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬كان‭ ‬كتبها‭ ‬كافكا‭ ‬تقريبًا‭ ‬فى‭ ‬آخر‭ ‬عمره‭. ‬اختار‭ ‬هوفمان‭ ‬ثلاث‭ ‬قصص‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬ونشرها‭ ‬بموقع‭ ‬ذا‭ ‬باريس‭ ‬ريفيو‭. ‬وفى‭ ‬مقابلة‭ ‬له‭ ‬مع‭ ‬جريدة‭ ‬ذا‭ ‬نيويوركر‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يتصور‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬كتابات‭ ‬مجهولة‭ ‬لكافكا‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬وإن‭ ‬كتابات‭ ‬كافكا‭ ‬قصيرة‭ ‬للغاية،‭ ‬فبعض‭ ‬القصص‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬النصف‭ ‬صفحة‭ ‬ولكنها‭ ‬كافكاوية‭ ‬بامتياز‭. ‬يجعلك‭ ‬كافكا‭ ‬تضحك‭ ‬لحدث‭ ‬ما‭ ‬فيما‭ ‬فى‭ ‬الحقيقة‭ ‬يُلهيك‭ ‬ويقودك‭ ‬إلى‭ ‬ممر‭ ‬مظلم‭ ‬ومرعب،‭ ‬المزيج‭ ‬الأصيل‭ ‬من‭ ‬السخرية‭ ‬والحسرة‭.‬

 

بوسيدون‭ ‬

‭   ‬كان‭ ‬بوسيدون‭ ‬جالساً‭ ‬إلى‭ ‬مكتبه‭ ‬يعمل‭. ‬فإدارة‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬البحار‭ ‬مهمة‭ ‬ضخمة‭. ‬كان‭ ‬يمكنه‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬العدد‭ ‬الذى‭ ‬يريده‭ ‬من‭ ‬المساعدين،‭ ‬فى‭ ‬الحقيقة‭ ‬لديه‭ ‬بالفعل‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الموظفين،‭ ‬ولكن‭ ‬لأنه‭ ‬يأخذ‭ ‬عمله‭ ‬على‭ ‬محمل‭ ‬الجد‭ ‬ويقوم‭ ‬بالحسابات‭ ‬كلها‭ ‬بنفسه،‭ ‬فالمساعدون‭ ‬قليلو‭ ‬الفائدة‭. ‬أيضاً‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للمرء‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬العمل‭ ‬يُسعده؛‭ ‬إنه‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬لأنه‭ ‬فقط‭ ‬واجبه‭. ‬نعم،‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬طلب‭ ‬عملًا‭ ‬أكثر‭ ‬بهجة،‭ ‬كما‭ ‬يحب‭ ‬وصفه،‭ ‬ولكن‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬الاقتراحات‭ ‬التى‭ ‬يعرضونها‭ ‬عليه‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬شىء‭ ‬يعجبه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عمله‭ ‬الحالى‭. ‬فى‭ ‬الحقيقة‭ ‬من‭ ‬العسير‭ ‬إيجاد‭ ‬شىء‭ ‬مختلف‭ ‬له‭. ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬جعله‭ ‬مسئولاً‭ ‬عن‭ ‬بحر‭ ‬محدد،‭ ‬فبعيداً‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬الحسابات‭ ‬حينها‭ ‬ستكون‭ ‬أقل‭ ‬إرهاقاً،‭ ‬بل‭ ‬ستكون‭ ‬تافهة‭ ‬ولكن‭ ‬لأن‭ ‬مكانة‭ ‬بوسيدون‭ ‬العظيمة‭ ‬لا‭ ‬تليق‭ ‬إلا‭ ‬بمشرف‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬البحار‭. ‬وعندما‭ ‬عُرِضَ‭ ‬عليه‭ ‬عمل‭ ‬بقسم‭ ‬مختلف،‭ ‬مجرد‭ ‬الفكرة‭ ‬جعلته‭ ‬يشعر‭ ‬بالغثيان،‭ ‬وجعلت‭ ‬أنفاسه‭ ‬الإلهية‭ ‬تضطرب‭ ‬وصدره‭ ‬البرونزى‭ ‬يرتجف‭. ‬لا‭ ‬يأخذون‭ ‬شكواه‭ ‬بجدية‭: ‬لو‭ ‬ثار‭ ‬غضبه،‭ ‬يهدئونه‭ ‬معترفين‭ ‬له‭ ‬بجهده،‭ ‬وحتى‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬أكثر‭ ‬دوافعه‭ ‬يأساً؛‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ ‬يفكر‭ ‬بجدية‭ ‬فى‭ ‬إزاحة‭ ‬بوسيدون‭ ‬من‭ ‬مكتبه،‭ ‬إنه‭ ‬إله‭ ‬البحار‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الزمن،‭ ‬وهكذا‭ ‬سيظل‭ ‬للأبد‭.‬

‭   ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يغيظه‭ ‬–‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬الرئيسى‭ ‬لتعاسته‭ ‬فى‭ ‬عمله–‭ ‬عندما‭ ‬يسمع‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬العمل،‭ ‬إذ‭ ‬يظنونه‭ ‬لا‭ ‬يفعل‭ ‬شيئاً‭ ‬سوى‭ ‬التلويح‭ ‬للأمواج‭ ‬بحربته‭ ‬ثلاثية‭ ‬الشعب‭. ‬بينما‭ ‬هو‭ ‬يقضى‭ ‬كل‭ ‬وقته‭ ‬جالساً‭ ‬فى‭ ‬قاع‭ ‬المحيط‭ ‬غارقاً‭ ‬حتى‭ ‬أذنيه‭ ‬فى‭ ‬الأرقام،‭ ‬زيارته‭ ‬المعتادة‭ ‬والوحيدة‭ ‬لجوبيتر‭ ‬هى‭ ‬ما‭ ‬تكسر‭ ‬عزلته؛‭ ‬زيارة‭ ‬دائماً‭ ‬ما‭ ‬يعود‭ ‬منها‭ ‬معتل‭ ‬المزاج‭ ‬وغاضبا‭. ‬ولكن‭ ‬حين‭ ‬يحث‭ ‬خطاه‭ ‬فى‭ ‬طريقه‭ ‬لجبل‭ ‬الأوليمبوس‭ ‬تكون‭ ‬تلك‭ ‬فرصته‭ ‬الوحيدة‭ ‬ليلمح‭ ‬البحار،‭ ‬التى‭ ‬لم‭ ‬يبحر‭ ‬عبرها‭ ‬أبداً‭. ‬كان‭ ‬يميل‭ ‬للقول‭ ‬بأنه‭ ‬ينتظر‭ ‬نهاية‭ ‬العالم‭ ‬أولاً،‭ ‬لأنه‭ ‬حينها‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬لحظة‭ ‬هادئة‭ ‬قبل‭ ‬النهاية‭ ‬فحينها‭ ‬سيوقع‭ ‬على‭ ‬حساباته‭ ‬الأخيرة‭ ‬وسيكون‭ ‬فى‭ ‬استطاعته‭ ‬أن‭ ‬يبحر‭ ‬بمفرده‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬ما‭. ‬

مصابيح‭ ‬جديدة

‭   ‬بالأمس‭ ‬زُرت‭ ‬شركة‭ ‬HQ‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭. ‬نوبة‭ ‬عملنا‭ ‬المسائية‭ ‬اختارتنى‭ ‬مُتحدثاً‭ ‬باسمها،‭ ‬ولأن‭ ‬تصميم‭ ‬مصابيحنا‭ ‬الزيتية‭ ‬وإعادة‭ ‬ملئها‭ ‬لا‭ ‬يفيان‭ ‬بالغرض،‭ ‬كان‭ ‬عليَ‭ ‬الذهاب‭ ‬للاستفسار‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬حل‭ ‬هذه‭ ‬الشكاوى‭. ‬دلّنى‭ ‬أحدهم‭ ‬إلى‭ ‬مكتب‭ ‬الموظف‭ ‬المسئول،‭ ‬طرقت‭ ‬ودخلت‭. ‬شاب‭ ‬نحيل،‭ ‬شاحب‭ ‬للغاية،‭ ‬ابتسم‭ ‬لى‭ ‬من‭ ‬خلف‭ ‬مكتبه‭ ‬الكبير‭. ‬أوْمَأ‭ ‬برأسه‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬كثيرة،‭ ‬وبالغ‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭. ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬متأكداً‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬عليَّ‭ ‬الجلوس‭ ‬أم‭ ‬لا‭ ‬–‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬كرسى،‭ ‬ولكنى‭ ‬فكرت‭ ‬أنه‭ ‬بمناسبة‭ ‬زيارتى‭ ‬الأولى‭ ‬فربما‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬أجلس،‭ ‬لذا‭ ‬شرحت‭ ‬أسبابى‭ ‬واقفاً‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬وقفتى‭ ‬المتواضعة‭ ‬سببت‭ ‬مصاعب‭ ‬للشاب‭ ‬الصغير،‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يشرئب‭ ‬بعنقه‭ ‬ويرفع‭ ‬وجهه‭ ‬إليَّ‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يحرك‭ ‬كرسيه،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يُرد‭ ‬تحريكه‭. ‬ومرة‭ ‬أخرى،‭ ‬وكلما‭ ‬حاول‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬أن‭ ‬يُحنى‭ ‬رأسه‭ ‬بشكل‭ ‬كافٍ،‭ ‬لذا‭ ‬وطوال‭ ‬فترة‭ ‬تحدثى‭ ‬كان‭ ‬ينظر‭ ‬شزراً‭ ‬للسقف،‭ ‬كنت‭ ‬أتابعه‭ ‬ولم‭ ‬أستطع‭ ‬مساعدته‭. ‬عندما‭ ‬انتهيت،‭ ‬وقف‭ ‬ببطء‭ ‬على‭ ‬قدميه‭ ‬ورَبَـت‭ ‬على‭ ‬ظهرى‭ ‬وقال‭: ‬أفهم،‭ ‬أفهم‭. ‬ودفعنى‭ ‬إلى‭ ‬المكتب‭ ‬المجاور‭ ‬حيث‭ ‬سيد‭ ‬محترم‭ ‬بلحية‭ ‬كثيفة‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أنه‭ ‬ينتظرنا،‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬علامة‭ ‬لأى‭ ‬عمل‭ ‬على‭ ‬مكتبه‭. ‬بينما‭ ‬يوجد‭ ‬باب‭ ‬زجاجى‭ ‬مفتوح‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬حديقة‭ ‬مُزينة‭ ‬بالزهور‭ ‬والشجيرات‭. ‬همسات‭ ‬جانبية‭ ‬خافتة‭ ‬بكلمات‭ ‬معدودة‭ ‬من‭ ‬الشاب‭ ‬الصغير‭ ‬كانت‭ ‬كافية‭ ‬ليُقيم‭ ‬هذا‭ ‬السيد‭ ‬المحترم‭ ‬مشاكلنا‭. ‬وقف‭ ‬منتبهاً‭ ‬وقال‭: ‬حسنًا‭ ‬الآن‭ ‬يا‭ ‬عزيزى‭ ‬–‭ ‬اعتقدت‭ ‬أنه‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬اسمى،‭ ‬وهممت‭ ‬بفتح‭ ‬فمى‭ ‬لأقدم‭ ‬نفسى‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬ولكنه‭ ‬قاطعنى‭: ‬حسناً،‭ ‬كل‭ ‬شىء‭ ‬واضح،‭ ‬أنا‭ ‬أعرفك‭ ‬تماماً‭ ‬–‭ ‬حسنا،‭ ‬إلتماسك‭ ‬أو‭ ‬شكواك‭ ‬لها‭ ‬أسبابها‭. ‬أنا‭ ‬والسادة‭ ‬المحترمون‭ ‬بالمجلس‭ ‬سنكون‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يهتم‭ ‬بها‭. ‬فرفاهية‭ ‬القوى‭ ‬العاملة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا‭ -‬صدقنى‭- ‬أكثر‭ ‬أهمية‭ ‬من‭ ‬سلامة‭ ‬المصنع،‭ ‬ولم‭ ‬لا؟‭ ‬فى‭ ‬الحقيقة،‭ ‬المصنع‭ ‬يُعاد‭ ‬بناؤه‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬وقت،‭ ‬إنها‭ ‬مجرد‭ ‬أموال،‭ ‬ومن‭ ‬يهتم‭ ‬بالأموال‭. ‬ولكن‭ ‬إذا‭ ‬خَسر‭ ‬إنسان‭ ‬حياته،‭ ‬فعندئذ‭ ‬يخسر‭ ‬الإنسان‭ ‬حياته،‭ ‬ويكون‭ ‬هناك‭ ‬أرملة‭ ‬وأيتام‭. ‬سيدى‭ ‬العزيز،‭ ‬نعم،‭ ‬كل‭ ‬اقتراح‭ ‬لتطبيق‭ ‬معايير‭ ‬جديدة‭ ‬للسلامة،‭ ‬ولتخفيف‭ ‬العمل،‭ ‬وللراحة،‭ ‬وللرفاهية،‭ ‬مُرَحًَب‭ ‬بها‭ ‬تماماً‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا،‭ ‬وأيًا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬يأتى‭ ‬به‭ ‬فهو‭ ‬رجلنا‭. ‬لذا‭ ‬من‭ ‬فضلك‭ ‬اترك‭ ‬اقتراحاتك‭ ‬هنا،‭ ‬وسندرس‭ ‬أدق‭ ‬تفاصيلها‭: ‬باحثين‭ ‬عن‭ ‬أى‭ ‬اختراع‭ ‬مدهش‭ ‬لنضيفه‭ ‬إليها،‭ ‬وإذا‭ ‬وجدناه‭ ‬فأنا‭ ‬واثق‭ ‬بأننا‭ ‬لن‭ ‬نغفله،‭ ‬وفى‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر‭ ‬ستحصل‭ ‬على‭ ‬مصابيحك‭ ‬الجديدة‭. ‬الآن‭ ‬اذهب‭ ‬واخبر‭ ‬زملاءك‭ ‬بالأسفل‭: ‬لن‭ ‬نرتاح‭ ‬حتى‭ ‬نحول‭ ‬منجمكم‭ ‬إلى‭ ‬قاعة‭ ‬استقبال‭. ‬ولن‭ ‬تموتوا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنعموا‭ ‬بارتداء‭ ‬الأحذية‭ ‬الجلدية‭ ‬اللامعة،‭ ‬والا‭ ‬فلن‭ ‬تموتوا‭ ‬أبداً،‭ ‬والآن،‭ ‬أتمنى‭ ‬لك‭ ‬يوماً‭ ‬طيباً‭!‬

النسر

‭  ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬نسر‭ ‬يُمزق‭ ‬قدمَى‭. ‬كان‭ ‬قد‭ ‬قَطّعَ‭ ‬قبلها‭ ‬حذائى‭ ‬وجواربى،‭ ‬والآن‭ ‬يهاجم‭ ‬قدمَى‭. ‬كان‭ ‬يخدشهما،‭ ‬ثم‭ ‬طار‭ ‬حولى‭ ‬عدة‭ ‬دورات‭ ‬بجَفُولِ،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعاود‭ ‬عمله‭. ‬جاء‭ ‬سيد‭ ‬محترم‭ ‬ووقف‭ ‬يشاهد‭ ‬لبرهة،‭ ‬ثم‭ ‬سألنى‭ ‬لِمَ‭ ‬أتحمل‭ ‬هذا‭ ‬النسر‭. ‬قلت‭ ‬له‭: ‬‮«‬‭ ‬أنا‭ ‬عاجز‮»‬‭. ‬‮«‬لقد‭ ‬أتى‭ ‬وبدأ‭ ‬فى‭ ‬مهاجمتى،‭ ‬وبالطبع‭ ‬أردت‭ ‬إبعاده،‭ ‬حتى‭ ‬أنى‭ ‬حاولت‭ ‬صدَّه،‭ ‬ولكن‭ ‬وحش‭ ‬كهذا‭ ‬لديه‭ ‬قوة‭ ‬جبارة،‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الوثوب‭ ‬على‭ ‬وجهى،‭ ‬لذا‭ ‬فكرت‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الأفضل‭ ‬التضحية‭ ‬بقدمَى،‭ ‬وها‭ ‬هما‭ ‬الآن‭ ‬قد‭ ‬مُزِقا‭ ‬تماماً‭. ‬قال‭ ‬السيد‭ ‬المحترم‭:‬‮«‬‭ ‬كيف‭ ‬يمكنك‭ ‬احتمال‭ ‬هذا‭ ‬العذاب؟‮»‬،‭ ‬‮«‬طلقة‭ ‬واحدة،‭ ‬ويصبح‭ ‬هذا‭ ‬النسر‭ ‬فى‭ ‬طى‭ ‬النسيان‮»‬،‭ ‬سألته‭: ‬‮«‬حقاً؟‮»‬،‭ ‬‮«‬وهل‭ ‬ستسدى‭ ‬لى‭ ‬هذا‭ ‬المعروف؟‮»‬‭ ‬قال‭ ‬السيد‭ ‬المحترم‭: ‬‮«‬برضا‭ ‬تام‮»‬،‭ ‬‮«‬عليّ‭ ‬أن‭ ‬أرجع‭ ‬للمنزل‭ ‬وأجلب‭ ‬مسدسى‭. ‬هل‭ ‬تحتمل‭ ‬الانتظار‭ ‬لنصف‭ ‬ساعة‭ ‬أخرى؟‮»‬‭ ‬قلت‭ ‬له‭:‬‮«‬لا‭ ‬أعلم‮»‬،‭ ‬ووقفت‭ ‬لبرهة،‭ ‬متصلباً‭ ‬من‭ ‬الألم‭. ‬ثم‭ ‬قلت‭:‬‮«‬طيب،‭ ‬على‭ ‬أى‭ ‬حال،‭ ‬هل‭ ‬ستحاول؟‮»‬،‭ ‬قال‭ ‬السيد‭ ‬المحترم‭:‬‮«‬هائل،‭ ‬سأُسرِع‭ ‬قدر‭ ‬استطاعتى‮»‬‭.‬

‮ ‬كان‭ ‬النسر‭ ‬يستمع‭ ‬لمحادثتنا،‭ ‬وظل‭ ‬يردد‭ ‬نظره‭ ‬بينى‭ ‬وبين‭ ‬السيد‭ ‬المحترم‭. ‬والآن‭ ‬أشعر‭ ‬بأنه‭ ‬فهم‭ ‬كل‭ ‬شىء،‭ ‬طار،‭ ‬جانحاً‭ ‬للخلف‭ ‬ليكتسب‭ ‬مزيداً‭ ‬من‭ ‬الزخم،‭ ‬وبعدها،‭ ‬ومثل‭ ‬رامى‭ ‬رمح،‭ ‬أقحم‭ ‬مِنقاره‭ ‬فى‭ ‬فمى‭ ‬عميقاً‭ ‬بداخلى‭. ‬وبينما‭ ‬أسقط‭ ‬للخلف،‭ ‬شعرت‭ ‬بالخلاص،‭ ‬بينما‭ ‬هو‭ ‬ينغمس‭ ‬ويُغْمَرُ‭ ‬بالدم‭ ‬الذى‭ ‬ملأ‭ ‬الآن‭ ‬كل‭ ‬عروقى‭ ‬وفاض‭ ‬متدفقاً‭.‬

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة