الطفلة جميلة
بسبب سلسلة فالصو.. «جميلة» عادت من الموت بعد ٧ أيام فى الغيبوبة
الأحد، 24 أكتوبر 2021 - 03:03 م
حبيبة جمال
هنا داخل غرفة العناية المركزة بمستشفى قصر العيني، كانت ترقد الطفلة «جميلة» بين الحياة والموت.. سبعة أيام كاملة وهي غائبة عن الوعي، هي والأموات سواء، والأم المكلومة تجلس على الأرض أمام غرفتها تناجي ربها، تطلب منه أن يشفي ابنتها وتعود إليها كما كانت، الأم في حيرة لاتصدق أن ابنتها التي كانت تلعب وتجري أمام عينيها منذ دقائق الآن ترقد على فراش المرض وهي في عالم آخر، لا تعرف ماذا أصاب ابنتها، ماذا حدث لها لتعود إليها غارقة في دمائها ثم تفقد الوعي بعدها، لم يشغل بالها أن تعرف الحقيقة قدر ما كانت تريد أن تفيق ابنتها من غيبوبتها، فقلبها يتمزق في كل لحظة حزنًا وخوفًا، وكأنها هي التي بين الحياة والموت لا صغيرتها، حتى كتب الله للطفلة «جميلة» الشفاء لتحكي ما حدث لها وكأن الله أراد أن تفضح الصغيرة من أراد قتلها وشوه وجهها حتى لا يهرب من جريمته.. في السطور التالية نسرد لكم التفاصيل التي تدمي لها القلوب قبل العيون.
داخل شقة صغيرة بمنطقة المريوطية، تعيش الطفلة جميلة مع والدتها وشقيقتها الكبرى، جميلة طفلة تبلغ من العمر ١١ عامًا، هي لها من اسمها نصيب، جميلة الملامح رقيقة، عيناها تملؤها البراءة والحب، حرمت جميلة من والدها منذ أن كان عمرها عامًا، فقررت والدتها أن تقوم بدور الأم والأب؛ خرجت بحثًا عن لقمة العيش دون أن تلجأ لأحد حتى تربي طفلتيها وتعوضهما عن كل شيء، لم تبخل عنهما بأي شيء، وقبل أن تتمنى إحداهما شيئًا كانت الأم تحضره لهما، أمنيتها كانت بسيطة جدا وهي أن يكبر الصغيرتان ويصبحان ذات شأن كبير ويعيشان حياة سعيدة، لكن القدر كانت له كلمة أخرى، فبين عشية وضحاها انقلبت حياة تلك الأسرة الصغيرة رأسًا على عقب، تحولت من الطمأنينة للخوف والقلق طول الوقت، والسبب صبي أحمق كاد أن يرتكب جريمة قتل بسبب سلسلة فالصو، يالها من مأساة.
هدية لـ جميلة
يوم السبت الموافق 2/10، بينما كانت جميلة تقاوم النوم مرة ثانية، سمعت خطوات والدتها وهي تدخل من باب الشقة، فأحست بفرحة، هبت تجري نحو مصدر الصوت، حتى ارتمت في حضن أمها وأخذت تقبلها، «جبت لك هدية حلوة»، هكذا قالت الأم لابنتها، المفاجأة هي أن الأم اشترت لها سلسلة جديدة، كادت الطفلة الصغيرة تطير من السعادة، ظلت في حضن والدتها لبضع دقائق وكأنها لا تريد أن تفارقه لحظة، فوالدتها اشترت لها هذه السلسلة حتى تحضر بها فرح أحد أقاربها، وبعد تبادل مشاعرهما الجميلة بدأت الأم في الأعمال المنزلية، بينما دخلت جميلة غرفتها تحاول أن تنام قليلا قبل موعد الفرح.
ليلة الجريمة
استيقظت جميلة من نومها بدت وكأنها ملاك يتهادى من فوق سريرها، اسرعت بتجهيز فستانها وتولت امها تصفيف شعرها، لم يبق إلا أن تتحلى بالسلسلة التي اشترتها امها لها، الصغائر دائمًا يحبون الحلوى؛نزلت جميلة لشراء حلوى استقلت توك توك تتدلى ضفائرها الصغيرة تُضفي عليها براءة، لم تتخيل صاحبة تلك الخطوات الصغيرة أن حظها التعس سوف يوقعها بين براثن صبي بدرجة مجرم، سولت له نفسه أن يسرق تلك الطفلة، وبمجرد أن خرجت من باب عمارتها كان ينتظرها هذا الشيطان الصغير، فتمكن من نزع سلسلتها ثم فر هاربا، أسرعت خلفه وهي تبكي فقدان هديتها الجديدة، وما أن وصلت لشارع مهجور، اخذت تترجى المتهم أن يترك لها السلسة؛ لم تدرك الصغيرة أنها امام مجرم مهما كان عمره عديم الرحمة؛ انهال على رأسها بقالب طوب دون شفقة أو رحمة، حتى سقطت غارقة في دمائها، اعتقد أنها ماتت ثم فر هاربًا، فاقت الصغيرة وبدأت تزحف على الأرض حتى وصلت أمام عمارتها؛ وفجأة انقلب الشارع وكأن زلزالا يضربه، سمعت الأم كلمات مزقت قلبها «الحقي يا أم جميلة بنتك بتموت»، جملة وقعت على أذن الأم جعلتها تصرخ وتهرول كالتي فقدت عقلها، هبطت درجات السلم كأنها تطير في الهواء حتى وصلت إلى الشارع،وأخذت طفلتها بين أحضانها التي غابت عن الوعي.
رحلة لساعات خاضتها الأم داخل المستشفيات، حتى وصلت لمستشفى قصر العيني، كانت المسكينة غائبة تمامًا عن الوعي، حملها الأطباء الى غرفة العناية المركزة، مرت عدة ساعات خرج بعدها طبيب الحالات الحرجة يقول للأم؛ قمنا بخياطة رأس ابنتك لكنها لا تزال في غيبوبة، ادعي لها»، اسبوع كامل وجميلة تصارع الموت في صمت الحملان، رفضت الأم أن تغادر المستشفى إلا وهي معها، وكان القدر بها رحيمًا؛ كتب الله للصغيرة النجاة وفاقت من غيبوبتها.
الأم تتحدث
تواصلنا مع والدة جميلة لتحكي لنا تفاصيل القصة، وهل ما حدث لابنتها كان بدافع السرقة أم هناك شيء آخر؟، فقالت بنبرة صوت يعتليها الحزن: «اتذكر تفاصيل هذا اليوم جيدا، فقد اشتريت لطفلتي سلاسل جديدة ليحضران بها حفل زفاف أحد اقاربنا، وقبل ذهابنا للحفل، قررت جميلة النزول للشارع حتى تشتري حلوى وفي نفس الوقت تطلب توك توك لينقلنا لهناك، وبمجرد نزولها وجدت المتهم يقف لها بالمرصاد كأنه ينتظرها، ظن المجرم أن السلسلة ذهب وهي في الحقيقة فالصو، لذلك قررت ابنتي أن تجري خلفه لعله يرحم توسلاتها ويعيدها إليها، حتى وصل لأحد الشوارع الجانبية الخالية من كاميرات المراقبة والناس وانهال عليها بالضرب حتى سقطت على الأرض، اعتقد أنها ماتت، لكنها تمكنت من الزحف حتى وصلت لشارعنا وفجأة علا الصراخ والعويل، ونقلتها للمستشفى وأنا لا أعرف ماذا حدث لها، لأنها دخلت في غيبوبة».
طلبنا منها أن تحكي كواليس ٧ أيام عاشتهم مع ابنتها داخل المستشفى، صمتت قليلا قبل أن تجيب وكأنها تتذكر هذه الساعات الصعبة التي مرت عليها، ثم بدأت تحكي والدموع تملأ عينيها، قالت: «ساعات وأيام مرت عليّ وكأنها دهر، قلبي يتمزق كل دقيقة وأنا أراها لا تتحرك، لم يكن لدي أي علم عن ماذا حدث، فقط كنت أتمنى أن تعود كما كانت، وبمجرد أن عادت للحياة مرة أخرى، قالت لي كلمات مزقت قلبي أكثر فأكثر»أنا هموت يا ماما»، حاولت تهدئتها حتى بدأت تتحسن حالتها وحكت لي القصة كاملة، فهذا الشخص من المنطقة، لكننا لا نعرفه معرفة شخصية، فقط جميلة قابلته مرتين، مرة في حمام السباحة بنادي قريب منا، ومرة أخرى عندما أرادت أن تشتري منه كلبًا، ولكني رفضت، ولا أعرف لماذا فعل بها هذا، كل ده عشان سلسلة وياريتها دهب، فمنذ ما حدث وابنتي في حالة نفسية سيئة تستيقظ من النوم في حالة رعب، حتى شقيقتها منعتها من الخروج وحدها خوفا على حياتها، فكل ما أريده هو حق ابنتي التي تشوهت جسديًا ونفسيًا».
حاولنا الحديث مع الطفلة، فكانت كلماتها قليلة ولكنها مليئة بالألم النفسي والجسدي، حكت لنا التفاصيل كما سردناها، ثم قالت: «أنا خايفه افضل كده على طول الخياطة في راسي تبقى باينه والناس تشوفها أنا مش عارفه هو عمل كده ليه».
المتهم لا يزال هاربًا
تواصلنا أيضا مع محمد كساب محامي الطفلة، قال: «ذهبت مع الأم لقسم شرطة الهرم، بعدما أخبرتها الطفلة بكل شيء، وحررنا محضرا سردنا فيه كل التفاصيل، وأكدت تحريات المباحث صحة الواقعة، حتى كاميرات المراقبة رصدت الطفلة وهي تجري خلفه، وبعد دقائق عادت وهي غارقة في دمائها، حتى أمرت النيابة بضبط وإحضار المتهم، ونحن ننتظر ضبطه، ففي خلال ساعات سيكون ماثلا أمام جهات التحقيق».
وعن العقوبة التي تنتظر المتهم، قال: «حتى الآن لا نعرف سن المتهم تحديدًا ولكنه مازال حدث، ويواجه تهمتين؛ سرقة بالإكراه وشروع في قتل، وسيعاقب عليهما بأقصى عقوبة بقانون الطفل».
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة