‎لو صحت المشورة القانونية للسيد أمين هيئة قضايا الدولة فهل يتفضل ويفسر لنا لماذا « تنحررت» الحكومة للطعن علي الحكم؟

‎يبدو أن الإخفاق في التعبير أصبح حليفاً دائما للمتحدثين باسم الهيئات الرسمية، حتي بدأ الناس يشعرون أن العيب ليس فقط في هؤلاء المتحدثين ولا في فقر قدراتهم البلاغية بقدر ما هو كامن في السياسات المتضاربة وإنكار الإخفاقات المطلوب منهم تجميلها أمام الرأي العام، أو التعتيم عليها ودفنها في غياهب الذاكرة. لهذا - وبعد العديد من التجارب - علينا أن نعترف بأن كل الممارسات الحكومية تتم في إطار اللعب علي مساحات حسن الحظ والنوايا، وليس علي حسابات العلم والدبلوماسية والمنطق والقانون.
‎ففي موضوع حكم التعويض الصادر ضد مصر لصالح إسرائيل - علي سبيل المثال - تشعر أنه بقدر ما أشاع تصريح المتحدث باسم مجلس الوزراء السفير حسام قاويش قليلاً من الارتياح حول اعتزام الحكومة المصرية الطعن علي حكم التعويض الذي أصدرته غرفة تحكيم سويسرية ضد «مصر» لصالح شركة الكهرباء الإسرائيلية بعد توقف تصدير الغاز المصري لإسرائيل، بقدر ما أخفق في إزالة الغصة التي أصابت حلوق المصريين من صدور مثل هذا الحكم في غفلة من الجميع. وبعد ما اطمأننا لعدم وجوبية نفاذ الحكم لأنه ليس نهائياً وليقظة حكومتنا إلي التحرك السريع لمجابهة هذا الحكم بالطرق القانونية، لم نلبث أن نكتشف الحقائق التي كشفها خبراء القانون الدولي بأن الطعن لن يكون علي الموضوع ولكن علي الإجراءات، وبالتالي فإن فرصتنا ضئيلة في نقض الحكم وإلغائه.
‎وفي ذات السياق يأتي نفي المستشار محمد عبد اللطيف أمين عام هيئة قضايا الدولة لما «تردد» عن صدور حكم يلزم الحكومة المصرية بدفع ١٫٧٦ مليار دولار تعويضاً لشركة كهرباء إسرائيل مثيراً للدهشة والاستنكار، وكأن الحكم صدر ضد دولة ميكرونيزيا الشقيقة! فقد بني السيد المستشار رأيه هذا علي أساس أن الدولة المصرية التي تمثلها هيئة قضايا الدولة لم تكن طرفاً في نزاع دولي صدر فيه حكم! وفسر لنا مقصده بأن «الحكم يتعلق بنزاع تجاري بين شركات تجارية وأن هذا النوع من النزاعات يخرج عن اختصاص هيئة قضايا الدولة لعدم نيابتها قانوناً عن الهيئات العامة والشركات القابضة والعامة وبالتالي فإن صح صدور حكم في هذا النزاع ( لاحظ هنا التشكيك في صحة الخبر) فإنه لا يلزم الدولة المصرية بشيء، ولا يجوز التنفيذ علي أموالها بمقتضاه سواء في الداخل أو الخارج». وهكذا ينام السيد المستشار قرير العين وعلي الحكومة المصرية أن تطمئن بدورها لرأيه وتضع بطيخة صيفي بحالها في بطنها.
‎لو صحت المشورة القانونية التي أدلي بها السيد أمين هيئة قضايا الدولة فهل يتفضل ويفسر لنا لماذا « تنحررت» الحكومة للطعن علي الحكم؟
>>>
‎الآن وبعد أن فشلت الخطة «أ» في إدارتنا للعلاقة مع إسرائيل في موضوع وقف تصدير الغاز حتي أدي بنا الحال لصدور مثل هذا الحكم السابق، انتقلنا للخطة البديلة «ب» والتي نلجأ فيها للتفاوض واللعب بأوراق القوة والضغط التي نمتلكها علي أمل إقناع تل أبيب بالتنازل عن التعويض المحكوم لها به، هي محاولات نأمل أن تكلل بالنجاح، لكنها في المقابل تحتاج إلي كثير من اليقظة والحذر عند إدارة هذا الملف في مرحلته الراهنة.
‎ولعل الهدوء والحذر الذي اتسم به استقبال إسرائيل للحكم يوحي باحتمال التوصل لحل ودي لاسيما وأن الدولة العبرية تصدِّر لغة الحسابات والمصالح علي لغة القانون، كما أنها حريصة علي علاقتها بأول دولة عربية وقعت معها اتفاقية سلام، وأكثر حرصاً علي مصالحها وأحلامها في تصدير الطاقة لجيرانها وعلي رأسهم تأتي مصر التي جمدت مفاوضات استيراد الغاز الإسرائيلي حتي إشعار آخر.
‎قد يكون هذا التجميد هو أحد العوامل المهمة التي تجعل إسرائيل تعيد التفكير في كيفية الاستفادة من الحكم أو التخلي عنه من الأساس مقابل استمرار اتفاقات تصدير الغاز لمصر. لكن الأهم وما ينبغي الانتباه له هو أن الدولة العبرية وهي تواجه أزمة داخلية بشأن الغاز تحشر نفسها في كل نشاط متوسطي خاصة في مسار التعاون المصري اليوناني القبرصي. ومنذ عام كامل وهي تحاول الضغط لاستغلال اليونان وقبرص لتكونا بوابة دخولها إلي الاتحاد الاوروبي وإقناع دول الاتحاد بتمويل إنشاء خط تصدير الغاز يبدأ من ميناء عسقلان وصولاً إلي اليونان وبالفعل ظهرت عناوين الأخبار الإسرائيلية بالتزامن مع زيارة الرئيس السيسي لليونان لتزعم التوصل إلي اتفاق علي إنشاء كونسورتيوم رباعي يضمها مع مصر واليونان وقبرص لهذا الغرض. كثير من الانتباه قبل أن يتكرر سيناريو ملف سد النهضة