لا شك أن الكابوس الذي يعيشه العالم كله - وليست مصر وحدها - هذه الأيام بسبب أحداث إرهابية هنا أو هناك تجعلنا قلقين علي حاضرنا.. ومستقبلنا.

التحدي الحقيقي الذي نواجهه هو كيف ننظر إلي الأمام.. أو كيف نستعد للغد.. إذا إستمر الماضي يسيطر علي حالتنا وتفكيرنا فإننا لن نتقدم إلي الأمام خطوة واحدة. الكل يواجه الأزمات ويقع في الحفر والمطبات.. لكن الذي يستمر في الحياة هو فقط من يقدر علي اجتياز أزماته.. وهو فقط من يستطيع الوقوف والتغلب علي عثراته.
كيف نواجه أزمتنا ؟
كانت هذه هي رسالة مؤتمر « أخبار اليوم « الذي حمل عنوان : دعم السياحة في شرم الشيخ.. ولكنه في الحقيقة يناقش مصير أمة.. لأن الأمة المصرية في خطر.. بل تهددها العديد من الأخطار.. ليس أولها أو آخرها حادث سقوط الطائرة الروسية بركابها فوق سيناء بعد إقلاعها من شرم الشيخ بدقائق. وإنما الأخطار المحدقة بمصر أكثر مما نتصور.. إنها معركة بين الحق والباطل.. بين النور والظلام.. بين التسامح والحقد.. بين البناء والخراب.
هي حرب بلا شك.. بين الذين يريدون الحياة في أمن وسلام.. يبنون ويعمرون ويضيفون للإنسانية.. وبين من يريدونها خرابا ودمارا وسوادا علي الجميع. النصر في النهاية هو لمن يبني ويعمر ولن يكون أبدا لمن يخرب ويدمر.. حتي لو حقق هؤلاء ما يتصورونه نصرا.. لأنهم أفسدوا وقتلوا ودمروا.
حادث سقوط الطائرة.. هو بلا شك حادث أليم.. راح ضحيته أكثر من مائتي سائح.. وحرمنا من أكثر من مليوني سائح.. وهدد صناعة السياحة المصرية بما تدره للدولة من دخل معظمه بالعملة الصعبة.. وأصاب أكثر من عشرة ملايين بخراب البيوت المباشر ومثلهم بالضرر الجسيم. كان لدينا أمل كبير في تجاوز تلك الأزمة بسرعة مثلما تجاوزنا أزمات كبيرة أخري.. ولكن بعد الإعلان الروسي بأن سقوط الطائرة كان نتيجة عمل إرهابي أصبح الموقف صعبا والضربة قاصمة والعلاج سيحتاج إلي وقت.
ولولا التفهم الروسي لموقف مصر.. وتقديره للتعاطف المصري الرسمي والشعبي مع الحادث وضحاياه وتعاونهم الواضح مع السلطات الروسية لاستجلاء الحقيقة لكان هناك موقف آخر. وقد ظهر هذا التفهم الواضح خلال المحادثة الهاتفية بين الرئيسين السيسي وبوتين التي اتفقا فيها علي دعم نظام تأمين المطارات بصورة غير معلنة وإن كانت مفهومة. وربما تكون تلك المحادثة وما تم فيها بداية لانفراج الأزمة وعودة السياحة إلي المدينة الجميلة.
ولأن الرئيس قد وعد بألا تنطفئ أنوار شرم الشيخ فكان لابد لنا أن نفكر في حلول إضافية وحلول أخري خارج الصندوق.. إنقاذ بيوت صناع السياحة من الخراب هي أولي المهمات.. ولعل ما أتخذ من قرارات في هذا الاطار كانت موفقة.. إعفاء المنشآت السياحية من بعض الالتزامات وتأجيل سداد البعض منها.. إنشاء صندوق لدعم صناعة السياحة وقت الأزمات.. تشجيع السياحة المحلية أو العربية أو القادمة من دول تتفهم الاعتبارات المصرية.. البدء في حملة إعلامية دولية لتحسين الصورة السياحية والأمنية عن مصر.. تخفيف إجراءات الحصول علي تأشيرة الدخول إلي مصر.. الاهتمام بعرض المقاصد السياحية المصرية في الدراما المصرية سينمائيا وتليفزيونيا مثلما تقوم به الدول السياحية المنافسة لنا في المنطقة.. كلها وغيرها خطوات مهمة لتقليل حدة وزمن الأزمة وتأثيرها علي المتضررين منها.
المجهود المطلوب منا أن نبذله كبير.. والتضحيات المطلوب أن نقدمها أيضا كبيرة.. ولكننا علي ثقة كبيرة أيضا من أننا سنتجاوز الأزمة بأسرع ما يمكن وندعو الله وننبه أنفسنا كي لا تتجدد الأزمة بأخري.. فنحن لا نتوقع أن تنتهي الحرب أو يتوقف أعداء الحياة عن بث السموم وتدمير الأمل.
وعلينا أن نذكر العالم بأن الإرهاب قد أصاب ويصيب كل الدنيا.. حتي البلاد التي تتباهي بقوتها وأمنها وتكنولوجياتها المتقدمة.. وأن تهديداته تقلق كل الدول.. وأننا نكتوي مثلهم بنفس النار.. يعني لا تعايرني ولا أعايرك.. الهم طايلني وطايلك.
وعلينا أيضا أن نتذكر أن العالم كان دائما وسيظل يكيل بمكيالين.. ويعتبر النفس التي تقتل لديهم تعادل ألف نفس تقتل في دولنا.. لذلك هم يتعاملون مع الضحايا الذين يقتلون عندنا بقدر كبير من اللا مبالاة.. بالرغم من أننا نقدم الواجب وزيادة عند أي حادث لديهم.
ولا شك في أن هذا الموضوع يقلقنا كثيرا ويشعرنا بالمهانة وعدم جدية العالم في مواجهة الإرهاب.. ويجعلنا نشعر بأنهم فقط يقصدون مواجهته إن نال من مواطنيهم أو امتد إلي أراضيهم مع إن الله خلق البشر جميعا سواء.. وأيضا فإن الإرهاب ليس مرتبطا بدين أو دولة أو شعب.. إنه مرتبط بفكر متطرف زرعته جماعات ومولته دول وحصد شروره كل العالم.