البورصة المصرية في خطر.. هذا هو الملخص الواقعي لسوق الأسهم والسندات المصرية التي تشهد حالة من التخبط الشديد جعلها تخسر نحو 100 مليار جنيه في ستة أشهر فقط.. وهي بالتأكيد خسارة كبيرة طالت عددا من الشركات وأصحاب تلك السندات وبعض المغامرين الذين رأوا في البورصة وسيلة لتحقيق ثراء سريع دون مجهود ودون قيمة مضافة.

أسباب ما تتعرض له البورصة المصرية مؤخرا عديدة.. بعضها محلي ناتج عن بعض القرارات المؤثرة التي خلقت حالة من القلق.. وبعضها خارجي ناتج عن اضطرابات في البورصات العالمية.. ولكن بالتأكيد ليس من بين أسبابها ما ردده « الاعلامي « توفيق عكاشة الذي قال إن قرار حبسه بسبب تنفيذ حكم ضده بالحبس لخلاف مع مطلقته.. وليس من بينها أيضا ما ادعي به كذبا محللو قناة الجزيرة القطرية من أن الانقلاب ( يقصدون ثورة ملايين الشعب المصري في 30 يونيو ضد حكم عصابة الإخوان التي أجبرت جيش الشعب علي تنفيذ مطالب الشعب ) هو الذي يقف وراء هذه الأزمة.
الأسباب عديدة كما قلنا. أن ما يحدث حاليا علي الساحه الاقتصاديه العالميه ،يعيد للاذهان الأزمه الماليه العالميه ، التي اندلعت عام 2008 ، في ظل بوادر أزمه اقتصاديه عالميه جديده بدأت تضغط علي اقتصاديات كافة دول العالم ، دفعت أسواق المال العالميه إلي خسائر فادحه ، ووجدت البورصه المصريه نفسها وسط طوفان تباطؤ أداء أكبر اقتصاديات أكبر الدول ، علي رأسها الصين واليابان ، خاصه أن الأخيره تعتبر ثالث أكبر مستهلك للنفط عالميا.
وبدأت الأزمه العالميه في مرحلتها الثانيه ، بتراجع أسعار النفط ، مـتأثرة بضعف الطلب وزياده المعروض ، نتيجه تراجع النشاط الإنتاجي في أكبر اقتصاديات العالم ، وهبط سعر الخام الأمريكي ليصل سعره إلي 40 دولارا للبرميل، للمرة الأولي منذ الأزمة المالية العالميه، ليغلق منخفضا 2%. لتدفع أسواق المال في كافة أنحاء العالم إلي الهبوط المتتالي فيما يشبه «الدومينو «.. لم ينج منها أحد.. وخسرت البورصه المصريه 100 مليار جنيه خلال 6 أشهر الأخيره ، منها 60 مليار جنيه خلال الثمانية أيام الماضيه ، وفقدت بورصه أمريكا 500 نقطه في جلسه واحده ، وخسرت في ساعات ما كسبته خلال عام.
وتراجعت أسواق المال الخليجيه إلي مستويات قياسيه وخسرت 12 مليار دولار، باعتبارها أكبر الدول المصدره للنفط ، والمتضرر الأول من هبوط سعره ، المنهار اصلا منذ منتصف العام الماضي. وأغلقت أسواق المال الأوربيه والآسيويه علي تراجع قياسي. و دفع الهبوط القياسي لاسواق المال العالميه ، المستثمرين إلي مبيعات عشوائيه للتخلص بالاسهم باي سعر ، الامر الذي زاد من هبوط الأسواق.
أما المحور الثالث لتلك الأزمه العالميه.. . كما قال لي الزميل العزيز محمد صابر المحرر الاقتصادي والمتخصص في شئون البورصة بجريدة «الأخبار» تراجع قيمه عمولات الدول المصدره للنفط ، وهبط سعر الروبل الروسي واليورو والدولار واليوان الصيني أمام العملات الأخري. و يري عدد كبير من الخبراء الاقتصاديين ومحللي سوق المال أن تراجع البورصه المصريه ليس بسبب تراجع أسعار النفط ، وانما يرجع إلي ما يعيشه العالم من أزمه اقتصاديه عالميه تلوح في الأفق ، خاصه أن مصر تعتبر المستفيد ألأول من تراجع أسعار النفط ، لأن تكلفه دعم المواد البتروليه بالموازنه العامه ، ستنخفض ، الأمر الذي من شأنه توجيه حصيله الوفر في الدعم إلي قطاعات أخري أكثر احتياجا ، كزياده مخصصات التعليم والصحه وغيرهما.. أما الفريق الآخر فيري أن هبوط أسواق المال العربيه والعالميه ، دفع صناديق الاستثمار والمستثمرين العرب والأجانب إلي البيع المكثف لمحافظهم الاستثماريه ، في البورصه المصريه ، بهدف توفير سيوله ماليه لاعاده ضخها في أسواقهم الرئيسيه ، لتعويض الخسائر. بينما ذهب فريق اخر إلي أن تراجع البورصه لم يكن لأسباب خارجيه فقط ، بل إن هناك العديد من الأسباب الداخليه تتعلق بعدم وضوح الرؤيه بالنسبه لتأخر صدور قرار بتأجيل ضريبه التعاملات علي أرباح البورصه والذي لم يصدر حتي الان.
إن العالم علي شفا أزمة عالمية جديدة، مشابهه للازمه العالمية التي بدأت في 2008 ، التي لم تنته بل كانت في مرحلة ركود مؤقت. ولكن تأثر السوق المصرية بالأحداث الخارجية نسبي؛ لأن نسبة الأجانب والعرب في السوق المصرية ضعيفة للغاية، ولكن ندرة السيولة جعلت السوق في موقف ضعيف، بجانب افتقار الثقة في إدارة البورصة، وهو ما يفسر تأثر البورصة الشديد وتعرضها لخسائر سوقية عنيفة تفوق الأسواق الأخري.
نحن اذن علي المستوي المحلي علي الأقل في حاجة إلي قرارات تعيد الثقة في الاقتصاد المصري وتوفير فرص استثمارية جادة ومستقرة.. وأن تكون هناك حوافز جاذبة للاستثمارات الدولية الحكومية والخاصة.. وهذا هو ما نتمناه في القريب العاجل.