زعماء الائتلاف الحاكم الجديد فى المغرب
زعماء الائتلاف الحاكم الجديد فى المغرب


الصناديق لفظتهم بعد 10 سنوات من الفشل

هزيمة «إخوان المغرب» تصفع وجه التنظيم الإرهابى

آخر ساعة

السبت، 30 أكتوبر 2021 - 10:37 ص

رشيد غمرى

أثارت نتائج الانتخابات المغربية الأخيرة، فرحة عارمة فى الشارعين المغربي، والعربي، حيث جاء السقوط المدوى لحزب االعدالة والتنمية الإخواني، كصفعة على وجه تيارات الإسلام السياسي، التى صعدت فى غفلة من الزمن قبل عشر سنوات، لتتولى زمام الأمور فى عدد من البلدان العربية. لكن سرعان ما تهاوى المشروع تباعا، انطلاقا من مصر، ووصولا للمغرب.

 

تحديات عديدة أمام الحكومة الجديدة برئاسة عزيز أخنوش، الذى يقود ائتلافاً من ثلاثة أحزاب، تبدو على اتفاق بشأن الملفات العاجلة، وعلى رأسها إصلاحات اقتصادية، واجتماعية، وإزالة ما خلّفته الحكومة السابقة من مشكلات. وهى مهام ليست سهلة، لكن عوامل عديدة، تعزِّز التفاؤل بنجاحها.

هذه المرة أتت هزيمة الإخوان، عبر الصناديق، وبعد عشر سنوات من الفشل، تهاوت خلالها الشعارات الزائفة على أرض الواقع. كان حزب االعدالة والتنميةب قد صعد إلى الحكم فى فترة حرجة، قفزت خلالها التيارات الإسلامية إلى مقاعد السلطة فى عدد من البلدان العربية، فى أعقاب الربيع العربي. ورغم مراوغة خطابه حول علاقته بالإخوان، لكن الأدلة دامغة على تبعيته الفكرية والعقائدية للجماعة الإرهابية، وصلاته بتنظيمها الدولي. فالحزب هو سليل حركة الإصلاح والتجديد االجماعة الإسلاميةب، وحركة التوحيد والإصلاح. وفى مخيم الشباب القومى بمدينة المحمدية عام 2017، وصف زعيمه عبدالإله بن كيران - حسن البنا وسيد قطب - بأنهما المدرسة الأولى التى تعلموا منها. كما شارك الجناح الدعوى للحزب ممثلا فى حركة التوحيد والإصلاح وجماعة العدل والإحسان فى قمة اكوالالمبورب الإسلامية ديسمبر 2019، التى تمت بمعزل عن الفاعلين الأساسيين فى العالم الإسلامي، وخارج مظلة منظمة التعاون الإسلامي، ولأهداف مشبوهة، ودون مشاركة المغرب رسميا.

مارس االعدالة والتنميةب نشاطا دعويا لسنوات، بهدف تغيير قيم المجتمع المتسامحة والمنفتحة. وبدأ بالحصول على مقاعد محدودة فى البرلمان منذ عام 97. وسرعان ما أثار المشكلات، أبرزها ضغوطه عام 2002 لعرقلة تحديث قوانين الأسرة، التى كانت تهدف إلى تحسين أحوال المرأة، ووضع ضمانات للطفولة، وتسبب بسحبها. وعبر المزايدات الدينية، أصبح القوة المعارضة الأولى فى البلاد. صحيح أنه بعد الأحداث الإرهابية فى الدار البيضاء عام 2003 أشارت أصابع الاتهام إلى دوره، فى تغذية الاحتقان، وثقافة العنف، لكنه ظل يتسلل، حتى كانت اللحظة المواتية عام 2011، ليقود منذ ذلك الحين حكومتين ائتلافيتين، لم تحصدا إلا الفشل والمعاناة للمغاربة. ولولا الحماية التى نالتها بعض الحقائب السيادية، والملفات ذات الطبيعة الخاصة من العبث الإخواني، لانفرطت الأمور بشكل يصعب علاجه. ويبدو أن نتائج الانتخابات الأخيرة فاجأت الحزب الغافل، وقد هوى من المرتبة الأولى إلى الثامنة، حاصلا على 12 مقعدا، بعد 125 فى البرلمان السابق.

الائتلاف الحاكم الجديد يضم ثلاثة أحزاب، حصلت مجتمعة على 257 مقعدا، من أصل 395. وبالإضافة لحزب االتجمع الوطنى للأحرارب (ليبرالى التوجه) الذى يقود الحكومة الجديدة، يشارك حزب االأصالة والمعاصرةب، والقائم منذ تأسيسه عام 2008 على رفضه الخلط بين الدين والسياسة، رغم أنه نسّق فى بعض المراحل لاعتبارات سياسية مع االعدالة والتنميةب. كذلك يشارك فى الائتلاف حزب االاستقلالب، الذى أسسه السياسى المغربى علال الفاسى خلال فترة النضال ضد الاحتلال الفرنسي، وكان ذا طابع يمينى محافظ، لكنه جدد دماءه لاحقا متخلصا من ميراثه الأرستقراطى العائلي، وقام بتحديث خطابه، وأفكاره. هكذا يبدو المشهد منسجما، حيث أطاحت الانتخابات بالعدالة والتنمية، وأتت بأحزاب مناقضة لتوجهه، ومتقاربة فى أفكارها. وهو أحد أسباب التفاؤل، فضلا عن اختيار الوزراء من ذوى الخبرات السابقة. كما أن برامج الأحزاب الفائزة، جاءت ملبية لتطلعات الشارع المغربي. 

مع ذلك فالمهمة ثقيلة، ليس فقط بسبب تراكم آثار خيبات الحكومة السابقة، ولكن أيضا بسبب تحديات وباء كورونا، وآثاره على الاقتصاد، ومعدلات البطالة، والسياحة، وما يرتبط بها، من صناعات تقليدية، وغيرها. ويبدو أن أولوية الملفات الاقتصادية كانت أيضا وراء اختيار الخبير الاقتصادى رشيد الطالبى على رأس المجلس التشريعي. ومن المثير للاهتمام أن تشكيل الحكومة أتى بسبع نساء من أصل أربع وعشرين، وفى وزارات مهمة، يتعلق بعضها بالاقتصاد والمالية. وهو أيضا رسالة عملية ضد توجهات االعدالة والتنميةب. 

أمام الحكومة الجديدة أيضا ملفات عاجلة، مثل مصير اتفاقيتى الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، ومسألة العلاقات مع إسبانيا. ويمتلك المغرب حيالها أوراقا للضغط، كما سبق أن حقق وزير الخارجية ناصر بوريطة تقدما فيها. وربما هذا ما عزّز الإبقاء عليه ضمن الحكومة الجديدة، فضلا عن وزير الداخلية عبد الوافى لفتيت، وهو من التكنوقراط المخضرمين، الذين كان لهم الفضل فى حماية البلاد من العبث الإخواني.

وينتظر المغاربة أيضا إصلاحات تتعلق بالتعليم، وأوضاع المعلمين، بالإضافة لملف الصحة، وتطبيق برامج للحماية الاجتماعية، وإجراءات عاجلة للإنعاش الاقتصادي، وخصوصا التعاوني. ومما يعزِّز التفاؤل حول هذه الملفات أن بعض أعضاء الحكومة الجديدة هم ممن شاركوا فى وضع النموذج التنموي، الذى يعوِّل عليه المغاربة فى تمكين عديد من الفئات الاجتماعية اقتصاديا. كما ينتظر من الحكومة الجديدة إجراءات حاسمة لمحاربة الفساد، وهو الملف الذى تاجر به االعدالة والتنميةب قبل وصوله للسلطة، وفشل فى إنجاز أى تقدم فيه، بل على العكس شهدت فترته تورط بعض المحسوبين عليه فى قضايا وشبهات.

تبدو الحكومة الجديدة واعية بتحديات المرحلة، ما لخّصه وعد رئيسها بالقطيعة مع الماضي، قاصدا فترة حكم االعدالة والتنميةب. ورغم أن المشهد يبدو مطمئنا فيما يتعلق بقطع ذيول التنظيم الدولى للإخوان فى كل مكان، إلا أنه لا يجب الاستهانة بالوحش الجريح، وهو يحاول استعادة نفسه، وتغيير جلده، مدعوما بقوى دولية، وإقليمية. وهو ما يحتاج إجراءات جذرية، وتعاونا بين الدول التى عانت فظاعات وجرائم التنظيم. وربما سيكون أحد التحديات أمام الحكومة الجديدة، تطهير مفاصل الدولة من بقايا التيار، الذين سيحاولون عرقلتها، كما فعلوا فى عدة بلدان. بالإضافة لمجابهة الفكر الذى مازال يبث سمومه، حتى فى الدول التى تخلصت رسميا من الإخوان.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة