الكتاب الثلاثة أثناء استلام الجائزة
الكتاب الثلاثة أثناء استلام الجائزة


ثلاثة كتاب إسبان يختبئون خلف امرأة

كارمن مولا.. تفجر جدل الأسماء المستعارة فى الأدب

آخر ساعة

السبت، 30 أكتوبر 2021 - 11:18 ص

حسن حافظ

فى مشهد شكل صدمة فى عوالم الأدب العالمية، تم الإعلان عن فوز كاتبة إسبانية تدعى كارمن مولا، بجائزة بلانيتا الخاصة بالأدب المكتوب بالإسبانية لعام 2021، لتأتى المفاجأة أن مولا مجرد اسم مستعار يختبئ خلفه ثلاثة رجال، الذين فضلوا أن يعملوا معا فى كتابة ثلاثية روائية تدور فى عالم الجريمة، تحت اسم مستعار، وهو ما أثار دهشة وصدمة فى دوائر أدبية داخل إسبانيا وخارجها، مع الحديث عن تمييز إيجابى للأعمال التى تكتبها النساء بغض النظر عن جودتها، كما أعادت الواقعة التذكير بتاريخ طويل من استخدام أسماء مستعارة فى الأدب، لأسباب كثيرة لكنها غالباً كانت من قبل نساء يردن الكتابة بعيداً عن ضغوط المجتمع.

وتعد جائزة بلانيتا من أكبر الجوائز الأدبية فى إسبانيا وأوروبا، كما أنها أكبر جائزة أدبية فى العالم من حيث القيمة المادية (مليون يورو) متفوقة بذلك على جائزة نوبل للآداب، وفى حفلها السنوى، أعلن فوز الكاتبة الإسبانية الشهيرة كارمن مولا بالجائزة، والتى تعد من أكثر الكاتبات شهرة فى إسبانيا فى الآونة الأخيرة، وعرف عنها أنها ترفض إجراء أى حوارات صحفية أو مقابلات تلفزيونية، ما زاد من هالة الغموض حول الكاتبة التى حققت نجاحاً ساحقاً عبر كتابة رواية الإثارة والجريمة، لكن فى الحفل الكبير تم كشف الحقائق دفعة واحدة.

أعلنت سيدة وقفت على المسرح اسم الفائزة بالجائزة العريقة، وسط بهجة وتصفيق حاد من الحضور، لكنها سرعان ما استدركت حديثها قائلة إن كارمن مولا ما هو إلا مجرد اسم مستعار، وأن كتاب الأعمال الأكثر نجاحا فى إسبانيا هم فى الواقع كتاب السيناريو خورخى دياز، وأغوستين مارتينيز، وأنطونيو ميرسيرو، والذين صعدوا إلى منصة الاحتفال وحصدوا الجائزة، بعدما أكدوا أنهم اخترعوا اسم كارمن مولا، ووظيفتها الوهمية وحياتها كأم، من أجل العمل معا فى مشروع روائى مكون من ثلاثة أعمال روائية!

وأثار الموقف موجة من ردود الفعل الهائلة، كانت أكثرها حدة من التيار النسوي، الذى رأى فى الأمر استغلالا لاسم نسائى لتحقيق النجاح التجاري، إذ وصفتهم الكاتبة والرئيسة السابقة لمعهد المرأة الإسباني، بياتريس جيمينو، بأنهم مجموعة من المحتالين، فيما رأى البعض الآخر أن ما فعله الكتاب الثلاثة لا مشكلة فيه بل إنها حيلة موفقة لزيادة التشويق والإثارة، خصوصاً أنه يجب أن يتم التفريق بين جنس الكاتب والمنتج الأدبي، بينما رأى آخرون أن فوز الرجال الثلاثة صفعة على معايير أدبية وضعت من أجل محاباة المرأة فى المجالات الإبداعية تحت لافتة تمكينها، فى مجال يجب أن يخضع للتقييم الفنى والأدبى دون النظر إلى جنس أو لون.

الثلاثى الفائز بالجائزة، دافع عن نفسه، إذ قالوا إن اختيار الاسم جاء عن طريق المصادفة، ومن دون التفكير بشكل خاص فى الجنس أو الآثار المحتملة لهذا الاختيار، وأنهم لم يتعمدوا اختيار اسم أنثوى للاختباء خلفه لبيع الكتب، وأن الفكرة الأساسية كانت البحث عن اسم جمع تجربة الثلاثى فى الكتابة، وأكدوا أنهم لو علموا أن الثلاثية الروائية التى تحمل اسم مولا ستحقق كل هذا النجاح لربما اختاروا اسما مستعارا أكثر ملاءمة، خاصة أنهم لم يفكروا أكثر من دقائق معدودة لاختيار الاسم الذى يعنى كارمن الرائعة، إذ قال دياز عقب تسلم الجائزة: امثل كل الأكاذيب التى نقولها، كارمن مولا ليست أستاذة جامعية، نحن ثلاثة أصدقاء قررنا يوما ما قبل أربعة أعوام دمج موهبتنا فى سرد قصةب.

وتحت اسم كارمن مولا تم تقديم روايات االعروس الغجريةب 2018، وبالشبكة البنفسجيةب 2019، والا نيناب 2020، وهى ثلاثية تقوم ببطولتها المحققة الشرطية إيلينا بلانكو، وهى شخصية نسائية مسيطرة وقوية الشخصية وغريبة الأطوار، وتم بيع أكثر من 400 ألف نسخة من الثلاثية، وترجمت إلى 11 لغة، كما أدرج معهد المرأة الإسبانى فيلم االفتاةب المأخوذ عن بعض أحداث الثلاثية، كواحد من الكتب والأفلام التى يجب على النساء قراءتها، المساعدتهن على فهم واقع وتجارب النساء، إذ تتولد ثقة ضمنية عندما تقرأ النساء قصص الإثارة التى كتبتها النساء، فتشرح مؤلفات النساء ما تتعرض له النساء بدقة وذكاءب، وربما يكون هذا التوصيف هو الكامن وراء غضب ناشطات نسويات من تخفى كتاب رجال خلف اسم امرأة، وهو ما كشف عن توجه فى الأدب ينتصر لأدب المرأة من أجل كونها امرأة وليس لجودة ما تكتب.

الغريب أن ظاهرة الأسماء المستعارة فى الأدب العالمى ليست جديدة، ورغم أنها لم تكن حكرا على النساء، فإن معظم الحالات المسجلة جاءت لكاتبات فضلن الكتابة تحت اسم مستعار فى ظل مناخ لم يكن يتقبل كتابة المرأة للروايات خصوصا فى القرن التاسع عشر الذى شهد ازدهار الكتابة الروائية، فنجد الروائية البريطانية جين أوستن (توفيت 1817)، تكتب أولى رواياتها تحت توقيع اسيدةب وروايتها الثانية بـبالسيدة التى كتبت رواية العقل والعاطفةب، أى روايتها الأولى، بينما اعتمدت الروائية الفرنسية أمانتين أورو لوسيل دوبين (توفيت 1876)، اسما ذكوريا كتبت أعمالها تحته وهو اسم جورج صاند، أما الروائية الإنجليزية مارى إيفانز فقد كتبت تحت الاسم المستعار جورج إليوت، أما الأخوات برونتى ففضلن الكتابة تحت اسم الإخوة بل، وحاليا تعد الكاتبة الإيطالية إيلينا فيرانتي، أشهر روائية مجهولة على صعيد الأدب العالمي، فالاسم الشهير الذى يزين رواية اصديقتى المذهلةب هو اسم مستعار لا يعرف من يقف خلفه حتى الآن.

وإذا كانت دوافع النساء فى الغالب سببها التخلص من ضغط المجتمع الرافض لكتابة المرأة للرواية، فإن أسباب الرجال فى البحث عن أسماء مستعارة كانت مختلفة، إذ نجد أن فولتير فيلسوف عصر الأنوار، قد قرر التخلى عن اسمه الحقيق فرانسوا مارى آروويه، والكتابة تحت الاسم الذى سيعرف به دوما، لأنه رفض أى ذكرى تربطه بوالده، بينما فضل كاتب المسرح الفرنسى الكبير موليير التخلى عن اسمه الحقيقى فى الكتابة لكى يخفى أصوله البرجوازية وما قد يسببه من حرج لأسرته فى وقت كانت الكتابة للمسرح مهنة محتقرة.

ونجد مثل هذه الظواهر فى المشهد الأدبى المصري، فمى زيادة بدأت الكتابة تحت اسماء مستعارة منها اسم (عائدة)، كما كتبت الكاتبة عائشة عبدالرحمن بتوقيع (بنت الشاطئ)، قبل أن تكشف هويتها الحقيقية، أما إحسان عبدالقدوس فقد كتب عشرات المقالات الموجهة للمرأة ومشكلاتها تحت توقيع (زوجة أحمد)، بل إن الأديب الكبير توفيق الحكيم بدأ حياته مع فرق مسرحية جوالة كان يكتب لها بعض المعالجات المسرحية والقصص المسرحية القصيرة من دون أن يصرح باسمه خوفاً من غضب أسرته الارستقراطية.

على الساحة العربية ازدهرت فكرة الاسماء المستعارة، لأسباب مختلفة أبرزها الهروب من السلطة السياسية والاجتماعية، فنرى الفلسطينى غسان كنفانى يكتب أعماله الأولى تحت توقيع (فارس فارس)، أما الشاعر السورى على أحمد سعيد فقد انحاز للقومية السورية لذا اختار لنفسه اسمه الشاعرى الذى عرف به على الدوام وهو اأدونيسب، ونرى الباحث اللبنانى يوسف أسعد داغر يؤلف كتابا بعنوان (معجم الأسماء المستعارة وأصحابها)، بينما ركز الباحث السعودى عبدالرازق القشعمى فى كتابه (الأسماء المستعارة للكتاب السعوديين)، على هذه الظاهرة اللافتة فى تاريخ الأدب السعودى، إذ تمكن من رصد 450 اسماً مستعاراً لكتاب وكاتبات على مدار القرن العشرين.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة