الشيف شربيني
حكايات الأكل المصرى
من حفلة العشاء إلى «الساندويتش» .. لماذا تغير مزاج المصريين فى الأكل؟
الأحد، 31 أكتوبر 2021 - 09:50 ص
معادلة صعبة أن تعيش حياة كريمة فى ظروف اقتصادية عصيبة عالمياً، لكن الواقع يشير إلى أن مصر أقوى من الضغوط ودائماً محفوظة وبخير، فرغم موجة الغلاء التى تضرب العالم كله حالياً بالتزامن مع ارتفاع أسعار الطاقة، فإن الوضع مستقر فى اأم الدنياب، وتتوالى الإشادات الدولية بالاقتصاد المصرى، وتفوقه على الغالبية العظمى من نظرائه بالتصنيف خلال أزمة كورونا.
المؤكد أن موائد المصريين دائماً عامرة.. ولا ينام أحد فى مصر جائعاً.. قد تتغيَّر عادات الغذاء، لكنها تبقى جزءاً رئيساً من ثقافة وهوية المصريين، وهذا الملف يزيح الستار عن الطعام فى مصر، متطرقاً لأنواعه وصنوفه.. والمبادرات التى تجذب إليه الأجانب قبل أبناء البلد.. ما كان منه فى زمن الجدات.. وما تبدّلت به الحال الآن.. وما رصدته عنه أقلام المبدعين.. باختصار هذا الملف بمثابة موسوعة مصغرة لما يأكله المصريون، وبما يؤكد أن طعام المصريين دائماً فى أمان.
إيثار حمدى
تغير الزمن واختلف معه مزاج المصريين فى الطعام، بعد أن كانوا يحرصون على ترتيب حفلة عشاء فى فندق خمس نجوم، يتناولون فيه أطباقهم على أنغام الموسيقى الهادئة، أصبحت محلات "التيك أواي" تفى بالغرض، وبعد أن كان الطعام دسما والناس قادرة على حرق الدهون أصبح خفيفا والناس تذهب إلى الطبيب! فى هذا التقرير يحدثنا الشيف شربيني، وخبير الطهى عماد الخشت عن الأسباب التى أدت إلى تغير مزاج المصريين فى الطعام وطريقة تناوله، وقضت على مهنة التذوق فى العالم.
يشير الشيف شربينى إلى أنه تعرف فى كلية السياحة والفنادق على جمعية فرنسية متخصصة فى فن تذوق الطعام يطلق عليها "chaine des rotisseurs"، يزور أعضاؤها مصر بهدف تقييم المأكولات فى الفنادق الخمس نجوم. ووفق هذا التقييم يرشحون المكان الذى سيقام فيه مهرجان للأكل، يحضره أرقى الطبقات والعائلات فى المجتمع، وتسعى جاهدة لأن تصبح من أعضاء الجمعية المشهورين مثل وجيه أباظة، وأحمد النحاس، ومجموعة كبيرة من أبرز الأسماء، ممن يدفعون مبالغ مالية سنوية لاستمرار عضويتهم فى الجمعية.
يتابع: ظلت هذه الجمعية بقوتها حتى أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، ومع بداية ظهور التكنولوجيا الحديثة والإنترنت وعصر السرعة الذى أصبحنا نعيشه اندثر نشاطها ولم يعد لها مثل تلك الأهمية، ومن يومها لم يعد هناك متخصصون فى التذوق وكل من هب ودب يطلق على نفسه "ذواق".
ويتحسر الشيف شربينى على ذلك الزمن قائلا: أين ذهبت الأيام التى كنا نتناول العشاء فيها على مدار ما يقرب من الساعتين فى مكان هادئ وعلى نور الشموع، مع خلفية ناعمة من الموسيقى حتى نستمتع بتذوق الأكل، وكان لنا طقوس معينة لا يمكن التنازل عنها فى إتيكيت الطعام بماذا نبدأ وما الذى نستخدمه من أدوات لكل نوع ".
ويهاجم شربينى الوجبات السريعة التى غيرت مزاج المصريين فى الأكل، وينتقد مطاعم شهيرة تقدم الأكلات الشرقية ويتهمها بالقضاء على فكرة التذوق لدى المصريين بمختلف مستوياتهم الاجتماعية وقدراتهم المادية.
ويشرح: وجبات الطعام التى نتناولها فى الشارع أفقدتهم القدرة على التمييز بين الطعام الجيد وغير الجيد، فبعد أن كنا قديما نخطط لتناول وجبة العشاء أو الغداء فى فندق سميراميس أو هيلتون أو غيرها أصبحنا نتفق على اللقاء فى محلات بعينها، ما أفقد الفنادق رونقها فى ذهاب المصريين لتناول وجباتهم داخل مطاعمها واقتصرت على الأفراح والحفلات فقط.
ويوضح الشيف شربينى أن مهنة التذوق كانت متواجدة بقوة حتى فترة ليست بعيدة فعندما كان يأتى أى ضيف بارز لأحد الفنادق ومعه قرينته يحضر معه فريق كامل مهمته الكشف عن الأطعمة التى سيتم تقديمها واختبار مذاقها، وخلوها من أى سموم، ولكن هذا لم يعد يحدث ويعتقد أنها تعتبر مهنة تكاد تكون أوشكت على الاندثار.
من جانبه يؤكد خبير الطهى عماد الخشت، أنه لا توجد مهنة للتذوق، وأن الـاconnaisseurب أو المتذوقين فى فرنسا والعالم، لا يعتبرونها مهنة مدفوعة ولا يتقاضون رواتب أو أجوراً على ما يقدمونه، ولكن هناك بعض الأشخاص كل مهمتهم تقييم الأكلات التى يقدمونها لهم.
ويضيف: المتذوق عبارة عن ناقد فقط وبناء على التقرير الخاص الذى يقدمه يتم ترشيح المطعم لأخذ نجوم أو لا وهو شخص مهم للغاية فى الخارج، وفى مصر بالطبع يوجد فرع لجمعية المتذوقين العالمية وتمت دعوتى ذات مرة لتناول الطعام برفقتهم وللأسف كان الطعام سيئاً جداً فهم لا يجيدون الطهى مطلقا، ومهمتهم تقتصر على النقد فقط ولا يتمتعون بمهارات فى الطبخ.
وتابع: اختلاف مزاج المصريين فى نوعيات الطعام بالضبط مثل اختلاف موديلات الملابس التى يرتدونها وموديلات سياراتهم وحتى ديكورات منازلهم، فقد حدث انفتاح على العالم وكلما زاد الانفتاح تجددت الأذواق والأمزجة والموضة، فعلى سبيل المثال عندما جاء الأتراك إلى مصر أدخلوا معهم أكلات كثيرة لم تكن معروفة لدى المصريين من قبل، وبعد ذلك عرفناها وأضفنا إليها اللمسات المصرية التى تلائمنا، فالاحتكاك بالثقافات المختلفة يولد التغيير، ما حدث مع المطبخ الخليجي، فالخليج ليس له مطبخ خاص به ولكن بدأوا فى التغيير مع دخول الحجاج من باكستان والهند وغيرها إلى الأراضى السعودية فتعرفوا على أكلات المشاوى والبخارى والمندى وغيره.
وحول الفرق بين مزاج المصريين قديما وحديثا فى الأكل، يقول الخشت إن الأكلات قديما كانت تتسم بالدسامة، ما يلائم الحياة الشاقة وقتها، والتى كان يبذل فيها مجهودات عضلية فى العمل، ولم يكن هناك هذه الراحة التى نعيشها حاليا فى أشغالنا من تكييفات وسيارات وجلوس على المكاتب، ولذلك كان الشخص قادرا على حرق كميات كبيرة من الدهون التى تدخل جسمه عن طريق الطعام، ولكن هذا غير ملائم حاليا، بل ويسبب الأمراض.. أما من ناحية المذاق فبالطبع الأكلات الدسمة مذاقها أحلى لأن المواد الدسمة مسئولة عن نقل النكهات والطعوم إلى الخلايا الحسية فى اللسان والحلق.