وما أهمية القرارات مهما كانت قوتها اذا لم توضع موضع التنفيذ واذا لم تحقق المطلوب منها، ما أكثر ما اتخذناه من امثالها خاصة عند الكوارث ننتفض ونسارع باصدارها والانفعال بعنف لمواجهة الحالة الطارئة ثم تعود ريما لعادتها القديمة وكأن شيئا لم يكن، كارثة المركب الذي غرق في النيل هي أكبر مثال علي ذلك وانتفاضة مجلس الوزراء بقراراته التسعة التي اصدرها بعد الازمة لا تقدم حلولا بقدر ما اظهرت ان الامر لا يعدو ان يكون تهدئة الرأي العام خاصة وان الضحايا بالعشرات والاهمال بالكوم في كل ما يتعلق بالحادث.

ببساطة أول القرارات كان منع سير الصنادل النهرية في المجري بعد الخامسة وليس في ذلك جديد فهذا القرار معمول به بالفعل ولكنه لا ينفذ مع الأسف علي طول المجري غير المضاء ليلا اصلا وهو ما كان علي الدوام يشكل خطرا داهما علي حركة الملاحة في النيل، اما التسيب الذي كان علي ظهر المركب الغارق فحدث عنه ولا حرج يحدث علي ضفاف النهر بطوله ولا حسيب ولا رقيب عليه ،٩٠٪ من تلك المراكب لا يصلح لاي شيء فما بالكم باستخدامها في الرحلات الترفيهية أو إقامة الافراح والليالي الملاح كما حدث وهذا ايضا تحكمه قوانين موجودة ولكنها لا تطبق ولا تنفذ ويضرب بها عرض الحائط والغريب انها تتم في اكثر المناطق قربا من حول القاهرة العاصمة فما بالنا بما يتم في المحافظات الأخري البعيدة عن العين.
الامر يحتاج الي تغيير عقول وليس لقرارات ايا كان تأثيرها فأنا لأ اتخيل مثلا ان المسطحات المائية ليس لديها حصر بعدد المراكب التي تعمل في النيل أيا كان حجمها وهي التي دائما ما كانت تردد ان أي مركب في المجري الملاحي لا يعمل حتي ولو للصيد بسنارة الا بترخيص ساري المفعول، أليس لدينا علي الأقل ما يسمح لنا بتحديد الصورة بوضوح؟ ثم اليس لدي جهات الري والمسئولين عن النهر حصر شامل في ظل تلك الثورة التي ان تقوم بها لحماية النيل بعدد المراسي والمواقف القانونية والعشوائية وهنا اتساءل أليس للمحافظين دور في ذلك؟!!. ما نراه مع الأسف هو افتقاد لهذا الدور فكل منهم مشغول عن رعاية مصالح الناس بما لا ينفع.
جميل ان يقرر مجلس الوزراء القيام بحملات موسعة علي المواقف والوحدات النهرية للتأكد من سلامتها وتراخيصها ولكن ما هي الآلية التي نضمن بها ان يكون ذلك بصورة دائما وفعالة وناجزة قبل ان نفاجأ بعد فترة ليست بالبعيدة بكارثة اخري جديدة نعيد معها صياغة نفس القرارات ونفس المطالب وكأننا ندور في دائرة بلا نهاية.
كم من الكواراث شهدها النهر الخالد الهادئ ورغم ذلك مازلنا في مرحلة تكوين اللجان للتحقيق والدراسة والخطط المتوسطة والبعيدة المدي التي تستهدف التطوير وتحقيق الانضباط.. مازلنا نبحث عن التنسيق بين الوزارات المتنازعة عن الاختصاصات الري والداخلية والبيئة وهذا هو سر الازمة وسببها فلا أحد يمكنه أن يحكم السيطرة علي الأمر لشيوع المسئولية فبعد الكارثة لم يكن هدف أي منها الا التأكيد علي سلامة موقفه وهو ما احدث التضارب في القرار فراحوا يبحثون عن المركب هل له ترخيص من عدمه مع أن الكارثة كانت في الاهمال الذي تسببوا فيه بتراخيهم وتقاعسهم كل منهم يرمي الحمل علي الآخر منهم من يؤكد وغيرهم ينفي.
مطلوب الضرب بيد من حديد علي كل ما يهدد حياة الناس وان نقاوم الاهمال والفساد بكل صوره ففي رأيي ان المتهم الرئيسي في الحادث وهو قائد المركب أو ابنه حسب التحقيقات هو ايضا مجني عليه لانه ببساطة فعل ذلك عن جهل ولم يطلب منه احد ان يلتزم بتعليمات او قوانيين او حدود ولم يراجعه أحد وهذا هو سر كل كوارثنا نبحث عن كبش فداء لنعلق عليه كل اخطائنا ولا نعالجها.
كارثة النيل لا تحتاج لقوانين ولكنها تحتاج الي حزم وضمير وحسم.