أيام قليلة وتفتتح مصر رسمياً المرحلة الثالثة "تاريخياً" لتطوير قناة السويس، والتي شملت شق مسار جديد يحقق الازدواج بمنطقة القطاع الأوسط من القناة وأصطلح علي تسميتها بقناة السويس الجديدة وتم إنجاز العمل فيها في زمن قياسي..

أيام قليلة تفصل بيننا وبين تحقيق أول مشروع قومي كبير يلتف حوله الشعب المصري منذ بناء السد العالي ستينيات القرن الماضي (افتتح عام 1971)، فعلي مدي أكثر من نصف قرن وإذا ما أخرجنا من الحسبان حالات الحشد والاصطفاف الوطني في أوقات الحروب والثورات.. تبقي حالة الدعم والالتفاف الجماهيري حول القيادة السياسية لإنجاز هذا المشروع وفي عام واحد متفردة مبهرة وإلي حد يفرض علينا تأمل أسبابها، فرغم أن المشروع وبحد ذاته هو مهم في سياق ما يحققه من زيادة في القدرة الاستيعابية للقناة إلا أن عائداته الاقتصادية المتوقعة لن تكون سريعة ولا ملموسة يشعر بها الناس علي النحو الذي يتصوره البعض، وإلي هذا فإن تطوير القناة ليس كما تطوير الطرق والخدمات والمرافق وغير ذلك من أعمال يشعر الناس باثرها المباشر، فلماذا كل هذا الدعم الشعبي للمشروع ؟؟
ربما لأن شعبنا الجسور الذي عرف طريق الثورة وقضي علي نظامي التبعية والفساد والخيانة الفاجرة، بعده تحركه دوافع وطنية متأججة طموحاً لبناء وطن حر قادر ورأي في المشروع خطوة علي هذا الطريق، ربما لارتباط الوجدان الجمعي للمصريين بقناة السويس، بكل ما لها في تاريخهم من أيام ولحظات وطنية فارقة منذ حفرها مروراً باحتلال البلاد بدعوي حمايتها ثم تأميم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لها ورد ملكيتها للشعب وبالحروب التحريرية التي خاضتها مصر علي ضفتيها، ربما يكون كل من الأمرين وغيرهما.
وإذا كان الحديث هو عن شعب يطمح لمجد وطن يستحق، ولعيش كريم في مجتمع الحرية والكرامة والعدالة، ولواقع يفتح أبواب الأمل في مستقبل أفضل لأبنائه، شعب أعلن ويعلن فعلاً وعملاً وموقفاً في كل مناسبة ثقته في قيادته وفي مؤسساته الوطنية، فإن ذلك وكما أتصور يفرض علي الرئيس وعلي مؤسسات الدولة، أن تتجاوز في طموحها نحو تحقيق أهدافنا الوطنية كل السقوف، فمع شعب مخلص في إرادته الوطنية كما شعبنا بوسع أحلامنا كل الأحلام أن تتحق حتي وإن تخطت حدود السماء.
المهم الاحتفاظ بكل الزخم الذي صاحب مشروع القناة، تحتاج مصر إلي أن تلتف حول مشروع قومي وطني أوسع وأشمل محدد الأهداف والمراحل مشروع يدرك الناس قيمته الوطنية.