محمد الشماع
محمد الشماع


يوميات الأخبار

استقالة فى يوم التعيين!

محمد الشماع

الثلاثاء، 02 نوفمبر 2021 - 07:14 م

 الدولة مطالبة بأن تقدم إعانات للعاطلين المسجلين لديها حتى تحتفظ بالقوى الشرائية وتمول تصريف المنتج وتلبى احتياجاتهم وهذا ما قامت به مصر خلال جائحة كورونا.

يناقش البرلمان خلال الدورة الحالية قوانين مهمة بحقوق العاملين فى القطاع الخاص والاستثمار، وتلك نقطة معقدة ومتشعبة، وقد اختار البرلمان أسوأ توقيت لطرح القضية، فمع تفشى وباء الكورونا أصيب الاقتصاد العالمى بحالة من الركود، وتعثر كثير من الاستثمارات وفى مصر فإن البنك المركزى قد خفض أسعار الفائدة على الودائع تشجيعا لأصحاب المشروعات الخاصة على تنمية الاستثمار لكن الإيقاع البطيء قد أدى إلى ركود لا يمكن النهوض منه إلا بعد انقشاع جائحة كورونا.
نحن إذن أمام أصحاب مشروع أو مستثمر قد انخفضت مبيعاته نتيجة لضعف القوى الشرائية، وليس هذا هو الوقت المناسب لكى نكبله بمزيد من القيود أو مزيد من الشروط يفرضها عليه لصالح العامل، كأننا ندفع به دفعاً إلى تصفية مشروعه فى ظل هذه الأزمة. كما أننا لا ننكر ولا نتهرب من الاعتراف بأن الركود التضخمى قد ترتب عليه رفع الأسعار، مما أصاب السوق بالمزيد من الركود الناتج عن ضعف القوى الشرائية التى لم تعد تستطيع أن تلبى احتياجاتها فى ظل هذا التصاعد المستمر للأسعار.
نحن إذن نحتاج إلى قرارات حكيمة نحافظ بها على الاستثمارات ونحفظها من السقوط أو الانهيار، وفى نفس الوقت علينا أن نحافظ على الاحتياجات الأساسية للطبقة العاملة، فلا تسقط أقسام منها إلى دائرة البطالة وما يتتبعها من الاضطراب المجتمعى. تلك مخاطر على البرلمان أن يتداركها وأن يتخذ صاحب القرار حزمة من الإجراءات كى نعبر هذا النفق الخانق.
نعم للعمال حقوق ونحن نحرص عليها.. نعم بعض أصحاب المصانع والاستثمارات كانوا يحصلون على توقيع العامل على استقالته فى يوم تعيينه، لكى يلتف حول القانون الذى يمنعهم من الفصل التعسفى، وتلك أخطاء تعود إلى ضعف ثقافة المستثمر المصرى، ذلك لأن العامل يجب أن يشعر أنه جزء من هذا الكيان المنتج، وأنه ينتمى إلى هذا الكيان، وأنه ليس عرضة للفصل فى أى وقت. وهناك سياسات تجعله طرفا فى الأرباح التى يحققها المشروع وتحفظ له حقه فى العلاج إذا مرض وفى الإعانة إذا توفى مما يجعله منتميا إنسانيا إلى هذا المشروع.
محمود العربى
سوف نضرب هنا مثلا بالمرحوم الحاج محمود العربى الذى منح عماله راتبا كاملا حينما فرضت الدولة الإغلاق على بعض القطاعات المنتجة تحسبا لانتشار فيروس كورونا، فما كان من محمود العربى إلا أن يصرف الرواتب كاملة لعماله، فحقق بذلك هدفين، الهدف الأول هو تمتين العلاقة بين العامل وبين مؤسسة العربى إذ أن صاحب المشروع يقف إلى جانب عماله عند الضرورة.
الأمر الثانى أنه حافظ على القوى الشرائية لهذا العامل فلم تتأثر وهذا أمر مهم أكده اللورد كنيدى المفكر الاقتصادى العظيم الذى أنقذ الرأسمالية من دورات الركود والإفلاس التى كانت تتعرض لها. ذلك أن ضعف القوى الشرائية يؤدى إلى ضعف السوق وضعف السوق يعنى عدم تصريف المنتجات، وعدم تصريف المنتجات يعنى إفلاس المنتج أو المستثمر.
لذلك فإن اللورد كنيدى طالب الدولة بأن تقدم إعانات للعاملين المسجلين لديها حتى يحتفظ بالقوى الشرائية ويمول تصريف المنتج. وهذا ما قامت به مصر خلال موجة جائحة الكورونا.
التماسك المصرى
نستطيع أن نقول حتى الآن إن الاقتصاد المصرى قد استطاع التماسك أمام ضربات الركود التى وجهتها الكورونا إلى الاقتصاد العالمى وذلك يستلزم منا عدم الارتكان إلى الثقة المبالغة بالنفس لأن الأزمة قد طالت بما يستلزم اتخاذ حزمة من الإجراءات لحماية مصالح المنتجين مع السعى إلى تصريف المنتج ولو بدعم حكومى، وفى نفس الوقت حماية الطبقة العاملة من خطر البطالة التى تترتب على إفلاس المشروع الرأسمالى.
إن اعتقاد البرلمان أنه سوف يصدر قوانين يضغط بها على أصحاب الاستثمارات ويمنعهم من فصل العمال بما يؤدى إلى حماية الطبقة العاملة من البطالة هو سعى يحتاج إلى تصويت لأن الرأسمالى إذا تعرض للإفلاس أو انسدت السوق أمامه فإنه سوف يقوم بتصفية مشروعه، وهنا لن تستطيع القوانين إلزامه بدفع مرتبات العاملين لديه، وإفلاس مشروع واحد سوف يجر إلى إفلاس العديد من المشروعات بالتتابع مثل أحجار الدومينو.
وذلك ليس اكتشافا اقتصاديا ننفرد به، ولكنه درس الكساد الكبير الذى أهلك الاقتصاد الأمريكى على قوته فلم ينقذه منها إلا قيام الحرب العالمية الثانية.
توخى الحذر
لذلك فإننى أؤكد على أن تكبيل المستثمر فى هذه الأيام بقوانين فى صالح العمال ليس من الحكمة فى شىء. بل يجب حماية السوق من الانهيار وضمان تصريف المنتجات الرأسمالية وفى نفس الوقت القيام بحملات توعية لأصحاب المشروعات وإفهامهم أن المرتبات والمكافآت التى تصرف للعاملين لديهم ليست خصماً من أرباح الرأسمالى ولكنها دعم للقوى الشرائية التى تحافظ على تصريف المنتج الرأسمالى وتبقى على مستوى الأرباح الرأسمالية، وأن تخفيض العمالة أو تخفيض الرواتب يؤدى إلى تخفيض القوى الشرائية ويعود بالضرر على المشروع الرأسمالى برمته. التوازن هنا مطلوب والاستفادة برأى الخبراء الاقتصاديين أساسية.
لذلك فإننى أدعو إلى توخى الحذر وعدم تكبيل المشروع الرأسمالى بقيود جديدة ونحن فى قلب الأزمة بل يجب حماية الطرفين؛ صاحب العمل المستثمر والعمال ويجب علينا أن نعقد لقاءات بين الطرفين للوصول إلى الشروط المقبولة التى تحفظ للمستثمر أرباحه وتشجعه على التوسع فى الاستثمار وفى تشغيل العمالة.
ومن ناحية أخرى علينا أن نقنع العمال بتأجيل المطالب العمالية فى هذه الفترة الحرجة لحين عبور مرحلة الركود التضخمى التى أصابت الاقتصاد العالمى كله.
من المرأة إلى المرأة!
بذلت مصر جهودا كبيرة للسيطرة على الانفجار السكانى الذى يلتهم جهود التنمية ويعوق حركة الإصلاح ويحرمنا من توفير مستوى تعليمى يناسب سوق العمل فى ظل عالم مفتوح وفى ظل تسارع المنجزات العلمية التى تحتاج إلى نوعية جيدة من الخريجين، واليوم تضيف أزمة الغذاء وارتفاع الأسعار بعداً آخر للمشكلة السكانية يجعل التصدى لها أكثر إلحاحا من أى وقت مضى.
اقتحام المرأة المصرية مجال التوعية بأخطار الانفجار السكانى من خلال المجلس القومى للمرأة خطوة على الطريق لتنطلق الدعوة من المرأة إلى المرأة توسيعا لقاعدة الافتتاح المجتمعى بضرورة علاج هذه المشكلة ولابد من هذا الإتجاه من التركيز على المناطق ذات الكثافة السكانية العالمية والقرى والمناطق الأقل ثقافة التى لاتزال تعتبر الأطفال قوة عمل منذ الصغر وتحرمهم من فرص التعليم، لابد من إقناع المرأة فى هذه المناطق بأن الأمان يأتى من خلال عدد محدود من الأطفال يتلقون تعليما جيداً يؤهلهم ويؤهل أسرتهم للارتقاء فى المستقبل، وليس من خلال عدد كبير من الأميين أو محدودى التعليم، ولابد من ترسيخ فكرة المسئولية تجاه الأبناء ومستقبلهم ولابد أن تكون الرسالة الإعلامية الموجهة إلى هؤلاء بسيطة ومفهومة من خلال الوسائل الإعلامية التى يتعرضون لها أكثر من غيرها وهى التليفزيون والإذاعة وقادة الرأى فى هذه المناطق من الخطباء والمدرسين والأطباء حتى لا تلتهم هذه المشكلة -الانفجار السكانى- كل معدلات التنمية فى مصر.
الفريضة الغائبة
فى الوقت الذى نستعد فيه لإعلان الجمهورية الجديدة، وبعد الإنجازات غير المسبوقة على أرض مصر فى كل المجالات بصورة أبهرت العالم، وفى ظل التقدم فى كل مشروعاتنا وإنجازاتنا الحضارية التى أشاد بها العالم ونجاحنا فى التغلب على معظم الصعاب والتحديات، فإننا نرى فى بعض المواقع بعض المسئولين مازالوا يعيشون بعقلية ما قبل ثورة ٣٠ يونيه ولازالت معتقداتهم وأفكارهم وطبائعهم كما هى لم تتغير ولم تفق أمام تحديات المرحلة ولم يصل إليها حجم العمل والإنجاز الذى تحقق خلال سنوات قليلة، لكنه بفكر الماضى كان سيستغرق عقود طويلة.
قضية الثروة البشرية أهم القضايا وأغلى ما تملكه مصر من ثروات لكن للأسف فإن مسئولية تنمية واستثمار تلك الثروة مازال يسير ببطء شديد جدا لا يناسب المرحلة، فالسيد وزير القوى العاملة محمد سعفان منذ أيام أعلن فى بيان وتصريح صحفى أنه «ناقش مع مساعد وزير الخارجية المصرى سبل التعاون المشترك بين الوزارتين لتحسين أوضاع عمل المصريين فى أوروبا والعالم وتوفير برامج تدريبية متقدمة لهم وصقل مهاراتهم والتفوق فى أعمالهم»، وأنا أتساءل كيف سيتم كل ذلك لعمال يعملون خارج مصر بالفعل؟!
وقال الوزير فى نفس التصريح: «إن العمالة المصرية مطلوبة فى الدول الأجنبية ما يستوجب سرعة العمل على توفير العمالة المدربة على الآلات والمعدات وتوفير مراكز تدريب دولية».. ونقول أين كانت الوزارة منذ سنوات من كل ذلك ومن تصريحات الوزير السابقة عن المراكز التدريبية التى يفاخر بها الوزير؟
تلك بعض من العبارات الرنانة التى يرددها الوزير دون أى عائد ويبدو أن تلك التصريحات قد حفظها ويرددها بين كل وقت وحين.. ولم يحدثنا عن دور وزارته فى توفير العمالة المصرية التى ستشارك فى عملية إعادة إعمار ليبيا والتى لم نسمع عنها أى شيء على الإطلاق.
نريد من الوزير أن يعلن لنا ماذا قدمت لمصر المكاتب العمالية المصرية فى الخارج خلال السنوات الماضية وما هى تكاليف ومرتبات العاملين فى هذه المكاتب، وأيضا كم فرصة عمل وفرتها للعمالة المصرية وكم قضية عمالة نجحت فى كسبها لصالح العمالة المصرية بالخارج أو حتى بالداخل وكم أعداد المتدربين الذين أشرفت وزارته على تدريبهم!
وزارة القوى العاملة لديها مهمة ومسئولية كبيرة هى تنمية القوى العاملة بكل ما تعنى من مفهوم واحتياجات العاملين، مهمة الوزارة ليست فقط الإعداد لانتخابات النقابات العمالية التى تستحوذ على كل وقت واهتمام الوزارة وقياداتها!
حكمة
من طمع فى الفوز بكل شىء خسر كل شىء

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة