نحن جميعا بلا شك نعيش حالة منفردة لا تعيشها أمة أخري.. بقدر الحزن الذي نشعر به لرحيل شهر رمضان الذي دائما ما يملأ قلوبنا بالخير والرحمة.. تكون الفرحة بقدوم العيد الذي يملأ قلوبنا بالبهجة والأمل والتفاؤل.
كلنا بإذن الله ورحمته وفضله علينا نخرج من هذا الشهر الكريم مغفورا له.. فالرحمة أتتنا في العشرة الأولي والمغفرة غمرتنا في العشرة الثانية والعتق من النار شملنا في العشرة الأواخر.. ندعو الله أن نكون من بين المرحومين والمغفور لهم والمعتوقين من النار.
فقدنا في شهر رمضان الكثير مما نحبهم ونقدرهم وممن لهم دور كبير في حياتنا ومكانة عالية في قلوبنا، فقدنا عددا من أبنائنا الأبطال من رجال القوات المسلحة في سيناء في هجوم غادر قامت به مجموعة خسيسة من الإرهابيين المأجورين.. فقدنا المستشار الجليل هشام بركات الذي أغتيل غدرا بسيارة مفخخة وهو في طريقه إلي عمله ليواصل مهمته في استئصال رموز الارهاب، فقدنا الدبلوماسي العربي الأشهر والأقدم الأمير سعود الفيصل صاحب المواقف الدبلوماسية العظيمة علي مدي أربعين عاما سبقه فيها والده الراحل العظيم الملك فيصل.. فقدنا الفنان القدير عمر الشريف الذي رفع راية مصر علي قمة الفن السينمائي في العالم.. والفنان القدير سامي العدل صاحب الأدوار المتميزة.. وأخيرا وبيد الغدر والخسة، وبسيارة مفخخة أيضا كان موعد البائع المتجول ربيع شعبان مع الشهادة في حادث تفجير القنصلية الإيطالية.. نطلب لهم جميعا الرحمة وأن يلحقنا الله بالشهداء وبمن أحسن في الدنيا عمله.
نعيش اليوم أول أيام عيد الفطر.. أللهم اطرح فيه البركة واجعله علينا وعلي بلدنا عيدا سعيدا. اجعله عيدا مليئا بالبركة، خاليا من الغدر والخسة والخيانة. اللهم زدنا فيه حبا لوطننا وخوفا عليه وحرصا علي أمنه وسلامته.. وألا نري فيه مكروها يصيبنا أو سوءا ينال من وطننا. اللهم اقصف رقاب من أرادوا ويريدون بهذا الوطن سوءا.. واقتص لنا من يريقون دماء الأبرياء باسم الدين.
ومن هنا أنتقل إلي ما كنا نطالب به دائما من تصحيح للصورة الذهنية عن الأسلام في عقول هؤلاء الذين يدمرون ويخربون ويقتلون باسم الإسلام.. وهو أسميناه تصحيح أو تطوير أو تغيير الخطاب الديني.. وهو ما لم يتحقق حتي الآن.. ولا أجد أبلغ مما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي في الاحتفال بذكري ليلة القدر موجها حديثه بما يشبه العتاب لعلماء الأزهر الذين كنا نأمل منهم القيام بهذه المهمة.
كان الرئيس واضحا عندما قال : « عندما تحدثت منذ ما يناهز العام عن ثورة دينية لم يكن هدفي من ورائها اتخاذ أي إجراءات عنيفة، وإنما كنت أعني ثورة فكرية تتناسب مع العصر، وتتماشي مع مراد الله من خلق البشر الذين كفل لهم سبحانه وتعالي حرية الإيمان والعبادة.. ومن ثم فإنه لا يمكن لأي طرف أن يدعي أنه يمتلك الحقيقة المطلقة وأن ينصب من نفسه حكماً علي مدي صحة أو خطأ مناهج الآخرين.. إن الله سبحانه وتعالي كان قادراً علي خلق الناس علي قلب رجل واحد ولكن اقتضت حكمته التعدد والتنوع، ومن ثم فإن من يتصدي لتفنيد الأفكار المغلوطة التي يحاول البعض الترويج لها.. لا يدافع فقط عن الدين وإنما أيضاً عن فلسفة خلق الله للبشر علي هذا النحو.. إن ما يشهده عالم اليوم من غلو وتشدد باِسم الدين ساهم بشكل مباشر في إلحاد عدد من الشباب الذين لم يتمكنوا من تحمل حجم الفتنة والإساءة لهذا الدين، إلا أن هذا الأمر سينتهي بمواجهة جادة وتكاتف مستمر ودور فعال للأزهر الشريف والكنيسة المصرية لتوعية الشباب بحقيقة الأمور ونشر قيم التسامح والمحبة بين الناس.. إن راية الحق لا يمكن رفعها بالقتل والتدمير وإنما بالدفاع عن الوطن والدين وحماية أرواح وأعراض وأموال المواطنين والذود عنها، وهو ما يقوم به رجال القوات المسلحة والشرطة في سيناء الذين جادوا بأرواحهم دفاعاً عن الوطن واستشهدوا في سبيل الحق.. إن حجم المواجهة والتصدي للأفكار العنيفة والمغلوطة لم يكن كافياً وتتعين مضاعفته بما يتناسب مع حجم التحديات والمخاطر التي نواجهها.. ويجب أن يكون هدفنا الأساسي هو الحفاظ علي كيان الدولة المصرية ومؤسساتها والحيلولة دون سقوطها في دوامة العنف والإرهاب والتطرف فالدول التي سقطت فيها لم ولن تعود قبل مرور سنوات طويلة.. فلنتوجه جميعاً بالدعاء لمصر بنصرة الحق وأن يحفظ الله عز وجل عليها أمنها واستقرارها. «
وهذا يعني بكل وضوح أن ما تم في مهمة تطوير الخطاب الديني مازالت ضعيفة، والمطلوب هو بذل المزيد من الجهد.. ومازال أملنا في الأزهر الشريف وعلمائه كبيرا لكن المهم هو أن تكون هناك إرادة لتحقيق ذلك.