د. مصطفى محمود
د. مصطفى محمود


كنوز | كلنا أوهام !

عاطف النمر

الأربعاء، 03 نوفمبر 2021 - 05:25 م

بقلم: د. مصطفى محمود

فى الذكرى الثانية عشرة لغياب د. مصطفى محمود الذى رحل عنا فى 31 أكتوبر 2009، نقدم لقراء «كنوز» المقال الذى يتناول فيه «الأوهام» التى يصنعها الإنسان، ويقول فيه : 
>>>
الأوهام حولك فى كل مكان، والحل الوحيد أمامك هو أن تكون سيد هذه الأوهام، وأن تصنعها بيدك، دنيانا غريبة، وحياتنا مصنوعة من الوهم، الواقع حولنا جامد ميت عديم المعنى، ونحن الذين نعطيه المعنى والقيمة والأهمية، ونجعله ينبض بالحياة، الكراسى والأشجار والحيوانات والنساء والفواكه ، تظل أشياء لا معنى لها حتى نحبها ونشتهيها ونجرى وراءها، فتنبض بالأهمية والحياة .


المرأة تظل كما مهملا، تظل غير موجودة فى حياتنا تماماً، حتى نحبها فتوجد، وتصبح شيئاً مهما، يسعدنا ويشقينا، نحن الذين نعطيها القيمة والأهمية ثم نحبها، وفى الحقيقة نحب الوهم الذى خلقناه منها ولا نحبها فى ذاتها، ونحن الذين نسبغ الخطر على الأشياء ثم نخاف منها ونجزع، وفى الحقيقة نفزع من الخطورة التى أسبغناها عليها، وليس منها لذاتها.

لا شىء له قيمة فى ذاته، كل شىء زائل، ونحن الذين نعطيه قيمته وأهميته، ثم نتألم ونتعذب من أجل هذه الأهمية المزعومة، نفنى فى حب الأشخاص، والأشخاص الذين نفنى فيهم، زائلون فانون بطبيعتهم، وهذا أمر مضحك، ولكنه لا يضحكنا، وإنما يبكينا ويعذبنا، لأن غرضنا يلتبس علينا، فنحب الأشخاص،على حين أننا فى الحقيقة نحب المعانى التى تصورناها فى هؤلاء الأشخاص، ونحن مساكين، لأننا لا نجد فى الحياة شيئاً خالصاً صافياً.

لا نجد معانى خاصة صافية، المعانى دائماً مزروعة فى أشخاص، والأوهام مزروعة فى الحقائق، والتصور مزروع فى الواقع، ونحن أنفسنا، مزروعون فى أجسادنا، نحن نسيج غريب من الوهم والحقيقة، من الواقع والتصور،من الوجود والفناء، نحن الوهم الأكبر،والعذاب الأكبر، والفنان أكثرنا عذابا،لأن الأوهام مادة حياته، والخيالات، والأفكار،والأنغام،هى متعته ومهنته ولقمته، فهو يأكل من أعصابه وأحلامه، الراحة تقتله، والاستقرار يقتله، والواقع يقتله، والاطمئنان يقتله، والفضيلة بشكلها المألوف تقتله، الفضيلة عنده تنمو من الشك، وكل القيم والأفكار والمبادئ تنمو من الشك وتتطور وتأخد أشكالاً جديدة باستمرار، وعليه دائماً أن يسبح فى دوامة الشك، ليبتكر ويجدد ويخلق، ويرتفع فوق المألوف .


لى صديق فنان مرهف الأعصاب، يعيش دائماً فى شك، وقلق، وأرق، وملل وخوف، وحب، عيناه زائغتان يسكنهما فزع غريب هادئ، وقلبه تعتصره هواجس عنيفة، وحياته صراع لا ينتهى مع هذه الأشباح التى لا ذيل لها ولا رأس، يحاول أن يتغلب عليها بالشاى والقهوة والسجائر والخمر والأقراص المسكنة، والإغراق فى الكتب والإغراق فى السهرات، والإغراق فى الناس، والضحك، والصياح.

وأحيانا ينجح ويفلت من هذا الحصار الداخلى الغريب ويخرج إلى الدنيا، يلهو ويقفز ويرقص كالطفل، وأحيانا يفشل، فتجره الأشباح إلى ظلامها ويزوغ بصره ويبدو كالغريق الذى يغوص شيئاً فشيئاً فى لجةٍ عميقة، ومشكلته أنه لا ينام، يقضى ليالى بطولها مؤرقاً لا يذوق طعم النوم، يصرخ ويتوسل أن أعطيه أقراصاً منومة، ومن عادتى أن أعطيه أقراصا من النشا.

أقول له إنها أقراص شديدة المفعول، وهى نفس الطريقة التى يستعملونها فى عيادات الأمراض النفسية، ويبتلع الأقراص المزيفة، وبعد دقائق تثقل أجفانه وبعد دقائق أخرى يزحف النوم إلى عينيه، ويروح فى سباتٍ عميق، ليس بمفعول الأقراص، ولكن بمفعول الوهم، إن مرضه وهم، ودواءه وهم، وهو نفسه وهم، وكلنا أوهام، أوهام، تعسة، كبيرة!
من كتاب « الأحلام» 

إقرأ أيضاً | 4 علامات تدل على ضعف بطارية السيارة.. راقبها جيدا

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة