هيثم‭ ‬مصطفى
هيثم‭ ‬مصطفى


فلسفة الظلال

أخبار النجوم

الخميس، 04 نوفمبر 2021 - 12:23 م

هيثم‭ ‬مصطفى

لإن‭ ‬السينما‭ ‬هي‭ ‬المعبر‭ ‬الحركي‭ ‬للمشاعر‭ ‬والأحاسيس‭ ‬بالصور‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬العصور،‭ ‬فتباينت‭ ‬أشكال‭ ‬التصوير‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬تصنيف‭ ‬الفيلم‭ ‬بحال‭ ‬يجعلنا‭ ‬ننتظر‭ ‬ما‭ ‬تحكيه‭ ‬الصور‭ ‬وزوايا‭ ‬التصوير‭ ‬مع‭ ‬تصاعد‭ ‬كادرات‭ ‬المشاهد‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عاطفي‭ ‬أو‭ ‬تراجيدي‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬إثارة،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬كانت‭ ‬تهتم‭ ‬بشكلٍ‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬إبراز‭ ‬التأثير‭ ‬البصري‭ ‬على‭ ‬المشاهد‭ ‬المتباينة‭ ‬والواضحة،‭ ‬فنرى‭ ‬فيلم‭ ‬مثل‭ ‬غزل‭ ‬البنات‭ ‬للعملاق‭ ‬الراحل‭ ‬أنور‭ ‬وجدي‭ ‬قد‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬طابع‭ ‬Blur‭ ‬على‭ ‬غالبية‭ ‬الإضاءات‭ ‬حتى‭ ‬تبدو‭ ‬المشاهد‭ ‬وكأنها‭ ‬حلم‭ ‬جميل‭ ‬باقٍ‭ ‬من‭ ‬زمن‭ ‬فات،‭ ‬ونرى‭ ‬جمال‭ ‬المناظر‭ ‬الخارجية‭ ‬بكاميرا‭ ‬عبدالحليم‭ ‬نصر‭ ‬وهي‭ ‬تتجلى‭ ‬بإخراج‭ ‬العبقري‭ ‬حسن‭ ‬الإمام‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬أميرة‭ ‬حبي‭ ‬أنا‭ ‬حينما‭ ‬تتألق‭ ‬الدنيا‭ ‬بلونها‭ ‬الوردي‭ ‬أسفل‭ ‬شمس‭ ‬الربيع‭ ‬الباهرة‭ ‬عبر‭ ‬المناظر‭ ‬الخارجية‭ ‬والديكورات‭ ‬الداخلية،‭ ‬وكلها‭ ‬تصب‭ ‬داخل‭ ‬بوتقة‭ ‬الفيلم‭ ‬الداعي‭ ‬للرومانسية‭ ‬والمرح‭.‬

لكن‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬إنكار‭ ‬فلسفة‭ ‬الظلال‭ ‬المهيمنة‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬طبائع‭ ‬أفلام‭ ‬السينما‭ ‬الكلاسيكية‭ (‬الأبيض‭ ‬والأسود‭)‬،‭ ‬والتي‭ ‬تعمدت‭ ‬على‭ ‬صنع‭ ‬ظلال‭ ‬معبرة‭ ‬بتقنيات‭ ‬الإضاءة‭ ‬المتباينة‭ ‬لترسم‭ ‬لنا‭ ‬تعبيرات‭ ‬عدة‭ ‬تنعكس‭ ‬على‭ ‬شريط‭ ‬الفيلم‭ ‬في‭ ‬عرضه‭ ‬على‭ ‬الجمهور،‭ ‬فمن‭ ‬منا‭ ‬لم‭ ‬تنحبس‭ ‬أنفاسه‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬ريا‭ ‬وسكينة‭ ‬بسبب‭ ‬اتقان‭ ‬تصوير‭ ‬العبقري‭ ‬وحيد‭ ‬فريد،‭ ‬وكيف‭ ‬أن‭ ‬تعبيرات‭ ‬الظلال‭ ‬قد‭ ‬حرص‭ ‬عليها‭ ‬المخرج‭ ‬الكبير‭ ‬صلاح‭ ‬أبوسيف‭ ‬ليخرج‭ ‬لنا‭ ‬السينما‭ ‬نوار‭ ‬بكفاءة‭ ‬تجعلنا‭ ‬نصفق‭ ‬بلا‭ ‬كلل،‭ ‬ليعود‭ ‬لنا‭ ‬وحيد‭ ‬فريد‭ ‬بنفس‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬شباب‭ ‬إمرأة،‭ ‬فتصير‭ ‬لعبة‭ ‬الظلال‭ ‬وهي‭ ‬ترتسم‭ ‬لتبدو‭ ‬لنا‭ ‬نظرات‭ ‬الغضب‭ ‬أو‭ ‬الغدر‭ ‬وهي‭ ‬تتجسد‭ ‬في‭ ‬أعين‭ ‬الأشرار‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬تعطينا‭ ‬مسحة‭ ‬تأثيرية‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬القسوة،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬خوف‭ ‬الضحية،‭ ‬وتتبدى‭ ‬أيضًا‭ ‬لنا‭ ‬فلسفة‭ ‬الظلال‭ ‬في‭ ‬مبدأ‭ ‬الحصار،‭ ‬ونحن‭ ‬نرى‭ ‬التابلوه‭ ‬الإفتتاحي‭ ‬لفيلم‭ ‬دعاء‭ ‬الكروان‭ ‬لبركات‭ ‬وكيف‭ ‬أن‭ ‬البطلة‭ ‬آمنة‭ (‬فاتن‭ ‬حمامة‭) ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬تحت‭ ‬الحصار‭ ‬من‭ ‬ضيق‭ ‬المسافات‭ ‬التي‭ ‬وُضعت‭ ‬فيها،‭ ‬بما‭ ‬يعادل‭ ‬كيمياء‭ ‬التأثير‭ ‬للفيلم،‭ ‬وكيف‭ ‬أن‭ ‬هروبها‭ ‬من‭ ‬أمام‭ ‬قبضة‭ ‬المهندس‭ ‬قد‭ ‬باتت‭ ‬دربًا‭ ‬من‭ ‬الصعوبة‭ ‬بحال‭ ‬يجعلنا‭ ‬نشفق‭ ‬عليها،‭ ‬فلا‭ ‬نتخيل‭ ‬مدى‭ ‬براعة‭ ‬تجسيم‭ ‬القضبان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كشافات‭ ‬الإضاءة‭ ‬المسلطة‭ ‬على‭ ‬أعمدة‭ ‬السرير‭ ‬النحاسي‭ ‬وهي‭ ‬ترتسم‭ ‬على‭ ‬الجدران،‭ ‬فنقف‭ ‬ونصفق‭ ‬ونحن‭ ‬نرى‭ ‬ونستشعر‭ ‬في‭ ‬اللاوعي‭ ‬معنى‭ ‬المشهد‭ ‬التأثيري،‭ ‬فكما‭ ‬رأينا‭ ‬لمعان‭ ‬نصل‭ ‬السكين‭ ‬وظلال‭ ‬القهر‭ ‬والجنون‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬قناوي‭(‬يوسف‭ ‬شاهين‭) ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬باب‭ ‬الحديد‭ ‬للكبير‭ ‬يوسف‭ ‬شاهين‭ ‬بكاميرا‭ ‬ألفيس‭ ‬أورفنيللي،‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬تلكم‭ ‬الظلال‭ ‬قد‭ ‬باتت‭ ‬تصنع‭ ‬لنا‭ ‬خلفيات‭ ‬من‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬قنديل‭ ‬أم‭ ‬هاشم‭ ‬فكاميرا‭ ‬إبراهيم‭ ‬عادل‭ ‬قد‭ ‬أخرجت‭ ‬لنا‭ ‬صورًا‭ ‬متباينة‭ ‬المعاني‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬السعادة‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الوردية‭ ‬بألمانيا‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬الكآبة‭ ‬في‭ ‬ظلمات‭ ‬الجهل‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬رؤية‭ ‬مخرج‭ ‬الفيلم‭ ‬كمال‭ ‬عطية‭.‬

وفي‭ ‬المجمل‭ ‬سينما‭ ‬الظلال‭ (‬noir‭) ‬كانت‭ ‬مستحضرة‭ ‬من‭ ‬السينما‭ ‬الفرنسية‭ ‬والسينما‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬بعدها،‭ ‬وكثيرًا‭ ‬ما‭ ‬شاهدناها‭ ‬في‭ ‬كلاسيكيات‭ ‬همفري‭ ‬بوجارت‭ ‬وأورسون‭ ‬ويلز،‭ ‬وستظل‭ ‬لها‭ ‬سحرها‭ ‬الفضي‭ ‬الذي‭ ‬يجعلنا‭ ‬نشتاق‭ ‬لرؤياها‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬فعلوه‭ ‬بإنتاج‭ ‬أفلام‭ ‬مثل‭ ‬Sin city‭.‬

ويبقى‭ ‬السؤال‭ ‬الأخير‭ .. ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬نية‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬فيلمًا‭ ‬له‭ ‬تعبيرات‭ ‬ظلالية‭ ‬وتأثيرية‭ ‬بتقنية‭ ‬النوار‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬المصرية‭ ‬اليوم؟‭ ‬

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة