لم  يكن يمر يوم مع استاذ الاساتذة «مصطفي امين» الا وتعلمنا فيه جديدا ونهلنا من خبراته الصحفية والسياسية.. كان من بين دروسه ان بريد القراء كنز  و دور الصحفي لا يتوقف عند طرح المشكلة لكنه ينتهي بحلها.. وان اول شئ يجب ان يفعله الذهاب الي ارشيف المعلومات وقراءة كل شئ عن الشخصية التي سيحاورها  او القضية التي سيناقشها.
واتذكر انه في منتصف عام 1990 وكان وقتها مصطفي بيه أمين في انجلترا ووجدت الأستاذ كرم مدير مكتبه ورفيقه في السجن بعد الاتهام الباطل لاستاذ الاساتذة بالخيانة يعطيني خطابا ارسله احد الاشخاص لمساعدة رجل عنده 100 عام .. اسرعت الي الدور الثالث في مبني اخبار اليوم «البيضوي» وبحثت في ملفات المعمرين  المصريين.. وسافرت الي قرية "ابو عطوة" التي شهدت اهم معارك الصاعقة في حرب اكتوبر 1973.. ودمرت خلالها القوات الاسرائيلية اشد تدمير ومنعت  من احتلال مدينة «الاسماعيلية» وتطويق الجيش الثاني وانجاح ثغرتها في الدفرسوار. وشاهدت ثلاث دبابات اسرائيلية كنصب تذكاري في مدخل المدينة.
المهم بعد ما وصلت الي «ابو عطوة» تقابلت مع «الكريمي».. رجل عجوز يجلس اسفل شجرة وكلامه تستطيع ان تفهمه بصعوبة بالغة.. وتقابلت مع ابنته التي تقترب من السبعين عاما وحفيده في الخمسين .. ودار بيننا حوار  عن الاسرة والابناء والاحفاد ومصدر الرزق.. وعدت الي «الكريمي» طالبا ان اصوره فاشترط ان اعطيه "جنيها" .. والتقطت له مجموعة من الصور .. ثم اعلن رفضه وتحرك ورائي  بعصا يتوكأ عليها ليضربني.
عدت للقاهرة وانا اشعر بالفشل لعدم اجراء حديث مع هذا «الكنز البشري».. وحدث ما لم اتوقعه ليفتح لي الباب من جديد عندما تمزق الفيلم داخل الكاميرا واصبح لا يصلح.. فسافرت في اليوم التالي ومعي المصور الصحفي المرحوم «اليكس» وكان يستخدم كاميرا قديمة شبيهة بالصندوق كنا لا نراها الا في افلام  «الابيض والاسود».. عندما يتحدثون عن بدايات التصوير.. و تبسم لي الحظ عندما اقنع احد اهالي القرية «الكريمي» ان يتحدث معي.. ودار بيننا حديث صعب الفهم ادركت من خلاله انه تخطي الــ  130 عاما.. وانه عاصر وهو صغير  حفر قناة السويس.. وروي لي تاريخ مصر وثورة 19 والاحتلال الانجليزي وعبد الناصر وثورة 52 وحرب اكتوبر واعادة افتتاح القناة وغير ذلك الكثير.. كما تحدث عن ايام زمان والاسعار عندما كانت الجاموسة بقرشين والحمار بقرش والخروف بتعريفة .. وفي الختام سألته عما يريد فقال لي «عايز اتجوز.. واعالج عيني».. وكتبت موضوعا بعنوان «اكبر معمر في مصر.. يحتاج طبيب عيون».. وانهالت علي «الاخبار» الاتصالات من داخل وخارج مصر لعلاج ومساعدة اكبر معمر في مصر.